في خضم الأحداث التي تشهدها الجارة ليبيا و المنطقة عموما,ورغم تسارعها ,وبناء على تصور يقضي أن للعلاقات التونسية الليبية بعدا إستراتيجيا لا يجب أن يقتصر على الآني و المنظوربل يتجاوزه إلى سبر الفرص و اكتشاف التحديات ,اخترت أن أكتب في موضوع على درجة من الأهمية كان و سيبقى مناط إهتمام الباحثين سبيلا لعزة و منعة الدولتين..إنه: العلاقات التونسية الليبية وأفق تدعيمها : تكامل اقتصادي يمهد لشراكة مندمجة بقلم:بشير الجويني باحث في الترجمة و العلاقات الدولية
لا غرو أن العلاقات التونسية الليبية ضاربة التاريخ عمقا و تأثيرا و لا نظننا في معرض بيان ذلك أو الاستدلال عليه و لا نعتقد أن الثورتين التين شهدهما البلدان و الهبة التي شهد بها العالم إلا تدعيم لذلك . لكن الملاحظ للأثر المادي الملموس يقر أن هذه العلاقة و ذلك الترابط ليس في المستوى المأمول و ظل دون ما يطلبه شعب واحد فرقته حدود وهمية و نعرات ذكاها النظام السابق بوجهيه القذافي و بن علي. فواجب المسؤولين و صناع القرار في البلدين أن يكونوا في مستوى الثورة و يلتحقوا بركب الشعوب و يكونوا خير ناطق باسمه و ذلك عن طريق تجسيد تكامل اقتصادي نستعرض فيما يلي أبرز نقاطه من الجانب التونسي على أن نردفه بمقال آخر في غير هذا المجال نتصدى فيه للجانب الليبي و آخر نقترح فيه رؤية استراتيجية يمكن أن تكون من منطلقات الشراكة المذكورة و التي يهم أن نذكر ان كلفة عدم تحققها إلى الآن باهضة في عالم لم يعد فيه الأقطار وجود و أضحى التكتل سمته الغالبة إن حجم تأثير الوضع في ليبيا عى اقتصادنا و المقدر ب 0,4 بالمائة من نسبة نمو الناتج الداخلي الخام (بحسب البنك الافريقي للتنمية) يفرض علينا أن نمنح هذا الجار أولوية في سياساتنا الحاضرة والمستقبلية ,فبالإضافة الى المعطى الأمني و السياسي للجوار الجغرافي فإن أهمية المجال الاقتصادي و تأثيره في صياغة العلاقات التونسية الليبية أكيدة و تتوزع على أكثر من قطاع. - التجارة : حجم صادرات قارب 1 مليار دولار سنويا (ذكر رقم 2012) - السياحة : جاوز حجم السائحين الليبيين المليون و 700 ألف ممع حجم صرف 350 دولار او 5 مرات حجم - البناء و الأشغال العامة : حازت الشركات و المقاولات التونسية على حصة من هذه السوق بلفت 2 مليار دولار قبل (ما قبل الثورة) - التشغيل : تزايد عدد الوافدين على ليبيا و يقدر عدد الجالية الآن بين 60 و 80 ألف - الاستثمارات الليبية بتونس : موزعة بين القطاع العام و الخاص و موجهة بالأساس لقطاع الخدمات ( البنوك والسياحة) و إذا ما اعتبرنا حجم المشاريع و الإنجازات المقدمة عليها ليبيا في إطار إعادة الإعمار و البناء 480 مليار دولار خلال العشرية القادمة و نسبة النمو المرتفعة و المتوقع تحقيقها (17 بالمائة لسنة 2013)فإن كل هذه الاعتبارات المتقدمة ذات الأهمية تدفعنا الى مراجعة سياساتنا الاقتصادية تجاه ليبيا و اعتماد توجه نتخلى فيه عن النظر إليها كمجرد سوق تصديرية الى اعتبارها امتدادا طبيعيا لاقتصادنا حفاظا على مصالحنا الاقتصادية و تأسيسا لمرحلة السوق المشتركة (الاندماج الاقتصادي)و فيما يلي رصد لملامح التحولات التي يشهدها الاقتصاد الليبي : - قطاع خاص حيوي مبادر يملك قدرة تجميعية معتبرة لرأس المال تتجلى في قيادته للنشاط الاقتصادي خاصة منه التجاري و العقاري و امتلاكه لإيداعات ضخمة. - لامركزية القرار الاقتصادي و يمثل مطلبا لقطاع واسع من رجال الأعمال و خاصة المنطقة الشرقية - توقع استعادة القطاع المصرفي لنشاطه و دوره في تنمية الاقتصاد خاصة بعد دخول البنوك الأجنبية و اعتماد الصيرفة الإسلامية - تنامي المقدرة الشرائية إثر القرارات التي تم اتخاذها للترفيع في حجم الأجور و المنح والمساعدات. - احتداد التنافسية على السوق الليبية و حضور تركي قوي يتحدى كل حضور آخر (منظور أن يصل حجم الصادرات التركية الى ليبيا سنة 2014 الى 5 مليار دولار).
دون أن نغفل الخصائص التي تميز المبادلات التجارية التونسية الليبية: - الاطار القانوني : تنظم اتفاقية التبادل التجاري الحر الموقعة في طرابلس بتاريخ 14 جوان 2001 و كذلك اتفاقية الاعتراف المتبادل بشهادات مطابقة للمواصفات و الموقعة في 19 فيفري 2007 النشاط التجاري بين ليبيا و تونس و قد ساهمت هذه الاتفاقيات في تنمية حجم المبادلات التجارية . لكن و ايزاء التحولات التي ذكرناها آنفا و انفتاح ليبيا على الأسواق العالمية و تشجيعها للاستثمار الأجنبي , فان الخيار الاستراتيجي الأفضل هو ما تم بيانه سابقا و المتمثل في انشاء سوق مشتركة تتمثل في تحرير المبادلات و انجاز وحدة جمركية طيلة سنة 2012 فان 98 بالمائة من جملة الصادرات التونسية الى ليبيا توزعت كالآتي : - القطاع الفلاحي و الصناعات التحويلية الغذائية 45,2 بالمائة - الصناعات المختلفة 35 بالمائة - الصناعات الميكانيكية والكهربائية اما الواردات فإن نسبة 96 بالمائة منها تنحصر في المحروقات و زيوت المحروقات أما في قطاع الخدمات فهو يتميز في تونس بجودة مكنته من التموقع دوليا و افتكاك العديد من المناقصات الدولية في بلدان افريقية او مجاورة ,هذه الخبرة تؤهله لتبؤ دور هام في ليبيا سواء عبر القطاع العام او الخاص و ذلك في مجالات البناء و الأشغال العامة,مجال الدراسات و الاستشارة , مجال تكنولوجيا المعلومات و الاتصال , مجال الخدمات الصحية ,مجال التكوين,مجال النقل الجوي و مجال السياحة. في الختام لا بد من الإشارة إلى وجوب تبني سياسة استرايجية واضحة المعالم لا تنظر إلى الجار الليبي مجرد دولة حدودية نأمن تونس من موادها الخطرة و نرسل لها ما أمكن من يد عاملة لامتصاص البطالة المتفشية سيما بعد الثورة.و لا ينظر بها الجار الليبي إلى تونس مجرد وجهة للسياحة و التداوي. يتعين أن يكون لكلى الجانبين رؤية استراتيجية تستجيب لأهداف الثورة و تكون وفية لدماء الشهداء و تضحيات المناضلين على مر الزمان بدءا بعلي الزليطني و نهاية بالزعيم بورقيبة سليل مدينة مصراطة الصمود في ثورة 17 فبراير. قد لا يكون في المتسع مجال للخروج عن العلمية و الصرامة لكننا نعتقد جازمين أن لسان حال المسؤولين في كلى البلدين يجب ان ينطق في انسجام و اتساق و تساوق واضعين نصب أعنينهم شراكة بدأت بمشروع في الحديد و الصلب بين بلدين متناحرين في الحرب العالمين الثانية( فرنسا و ألمانيا) في القارة الأوربية أنتج إتحادا يضم ما يفوق العشرين دولة متكاملة على جميع الأوجه.