بعد حلمها الجميل الذي أفاقت منه متوترة لم تستطع النوم من جديد خاصّة وأنّها لم تعتد مبيته خارج البيت، تضيق الدنيا رغم رحابتها في وجهها وتصبح في عينيها سوداء قاتمة.. صور تتراكم في رأسها،، وهي تجوب متعثرة بين أشلاء متناثرة هنا وهناك من ذكريات عبر السّنوات والأيام والسّاعات تسترجع من خلالها صوته المبحوح خاصّة عندما ينهرها سائلا عن الطعام وسبب تأخرها في إعداده،.. كلماته حين كان يراضيها أو يلاطفها، يده الغليظة عندما يضايقها بمزاحه الثقيل،، رنّة ضحكته العالية الإيقاع عندما تسرد له نكتة أو طرفة أو حين يستهزأ بها من أمر ما لا يعجبه.. هذا ما حصل منذ وضعت رأسها على الوسادة في محاولة منها أن تنام، أن تهرب من وساوسها وما يطرق باب فؤادها من أفكار وتخيلات وتحاليل.. دقّات قلبها في سباق ماراتوني مع دقّات السّاعة المتباطئة في جريانها مع الزمن.. ويبقى السؤال ذاته أين يمكنه أن يكون إلى هذا الوقت!!.. توأمهما اللذين أتيا بعد ثلاث سنوات من الزواج يستيقظان من عميق نومهما فيأتيها صوتهما كهزّة قويّة لتوقظها من أفكارها المسترسلة والمتشابكة، وسؤالها يبقى عالقا في ذهنها "أين هو في مثل هذا اليوم وفي مثل هذا الوقت؟؟".. لقد تخطّت السّاعة يوم الزواج وهو لم يعد بعد!! نهضت واستجمعت بعضا من قواها وتوجهت للطفلين حملتهما وضمّتهما إليها، ذهبت إلى المطبخ أعدّت لكل واحد منهما زجاجة الحليب ثم خرجت إلى الشرفة علّّها تلمح طيفه من بعيد آت، لكنّها لم ترَ إلا شوارع يسربلها ظلام قاتم وسكون رهيب.. نصف ساعة أخرى مرّت، لكن هذه المرّة الباب يطرق بقوّة شديدة هي تعرف جيدا أنّ هذه طريقته في الدق على الباب فهو لم يأبه في يوم من الأيام بأسلوبه هذا حتى في الأوقات المتأخرة من الليل عندما يأتي، فكثيرا ما كانت تطالبه بأن يطرق الباب بهدوء أو أن يفتح هو بمفتاحه لكنّه كان ينهرها، صوته يعلو من خلف الباب فتهرول مسرعة لتفتح له فتتلقى صفعة قوية وهو ينهرها " طرشا ما سمعتي الباب ؟؟؟" ، فترد عليه " خفت تكون مش أنت !!" فيرد عليها والشرر يتطاير من عينيه " مين بدو يكون يعني .. الغوووول مثلا ".. ، تنظر إلى طفليها.. إلى الطاولة التي أعدّتها .. إليه .. فيقول لها " ما سألتي وين كنت ؟؟" فترتبك من أسلوبه ويسيطر عليها السكوت لأنّها لا تعرف بماذا ستجيبه ويواصل صراخه قائلا لها " شايفك انخرستي.. حضريلي شي اتسممه أو آكله "، تعود وتنظر للطاولة، فيتنبه لها .. ولأنّ الطبع غلّاب فإنّ من اعتاد هذه الغلاظة لن ينفع معه أي شيء . يتجه نحو الطاولة فيبدأ بالتهام ما تحطّ يده عليه غير آبه بطفل أو امرأة أو أيّ شيء آخر سوى بطن يملأه. ينتهي من طعامه يتوجّه لغرفة النوم ويرتمي على السرير بثياب الشغل المتسخة، تنظر إليه بعينين يملأهما الحزن والأسى، تحاول أن تنبهه لكنّها تعرض عن ذلك وتعود إلى طفليها تضمّهما إلى صدرها لتغفو معهما على الأريكة متجاهلة ما قد صدر منه منذ وصوله للبيت وطريقته الفظّة، هذا ما قررت أن تقوم به بحسب نصيحة قدّمتها لها إحدى القريبات. خفقات أنثى (1) http://www.alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=17306#.VDaGp2eSxJn