يقترب موعد الدور الثاني من الإنتخابات الرئاسية في تونس ويحتد الصراع بين المرشحين المتبقيين في المنافسة وهما الرئيس الحالي المنصف المرزوقي والحائز على صدارة المترشحين في الدور الأول من هذه الإنتخابات الباجي قائد السبسي. الصراع بين هذين المرشحين هذه المرة لن يشمل فقط أتباعهما وقواعد حزبيهما بل سيتوسع و سينضاف إليهم الآن الناخبون الذين فشل مرشحوهم في إجتياز الدور الأول، وسيضطر كل ناخب من مؤيدي الخمس وعشرين مرشحا الذي فشلوا في المرور إلى الدور الثاني، وكذلك من قواعد الأحزاب الأخرى، سيضطرون إلى المشاركة في إختيار رئيس تونس القادم من بين هذين المرشحين، وهو إختيار سيكون بناءا على مدى قدرتهما على إستقطاب الناخبين وكذلك على مدى تقارب أفكار ورؤى الناخب مع أحد المرشحين من حيث البرنامج السياسي والإقتصادي والإجتماعي وكذلك المبادئ والأفكار والتاريخ الذي يحمله كل مرشح، هذا بالإضافة إلى التوقعات الإيجابية التي يحملها كل ناخب سوى عن المرزوقي أو عن السبسي من حيث الثقة في محافظته المستقبلية على مكتسبات الثورة من قبيل حرية التعبير وحق التظاهر والإعتصام ومنع عودة الدكتاتورية والقمع. هذه المعايير توجد في كل الدول الديمقرطية التي تعود مواطنوها على ممارسة العمل السياسي وأداء الواجب الإنتخابي الذي يفرض إنتخاب أحد المرشحين حتى لو لم يكن يمثل حزبك، لكن في تونس إضيف إليها معيار جديد، هو توجيهات قادة الأحزاب، وذلك عبر دعوة قواعد الحزب للتصويت لمرشح معين، وهي توجيهات لا تنم إلا عن إحتقار للقواعد وإعتبارها مثل القطيع الذي لا يتحرك إلا عبر التوجيه من قبل قادة الحزب الذين يفكرون وما على القواعد والأتباع إلا السمع والطاعة دون تفكير أو رفض، فما يقوله القادة وكبار الحزب هو عين الصواب بنظر هؤلاء الديمقراطيين جدا. هاته الظاهرة إنتشرت في تونس في المدة الأخيرة خصوصا مع إقتراب الدور الثاني من الإنتخابات، فسليم الرياحي مالك الحزب الوطني الحر دعى أتباعه إلى إنتخاب الباجي قايد السبسي، ولم يختلف عنه الهاشمي الحامدي الذي طلب من أنصار تيار المحبة التصويت لنفس المرشح، وحذى حذوهما سمير الطيب الذي دعى قواعد حزب المسار الديمقراطي لإنتخاب السبسي، فيما كانت أغرب هذه المواقف من قبل حمة الهمامي رمز اليسار التونسي ومؤسس حزب العمال، الذي لم يدعو أنصار الجبهة الشعبية إلى إنتخاب أي أحد لكنه طلب في نفس الوقت بقطع الطريق أمام المرشح المنصف المرزوقي، وهو طلب مبطن بدعوة صريحة، فيما إختارت حركة النهضة إلتزام الحياد وترك حرية التصويت لقواعدها رغم الخلاف بين قادتها , بين من يطالب بمساندة المرزوقي رسميا وبين من يطالب بالتقارب مع حركة نداء تونس ومرشحها الباجي قائد السبسي. صحيح أن لكل حزب تحالفات وأهداف تجعله قريبا لمرشح معين، لكن إستمالة ود أحد هذين المرشحين لا يكون على حساب القواعد بل يكون بناءا على تقارب الأفكار والرؤى ويحسم بعد الإنتخابات،ولا يكون بمنطق معادلة قواعدي مقابل حقائب وزارية، فهذه المعادلة تجعل القواعد مجرد أداة لا وزن لها يتم إستعمالها عند الحاجة لغاية المقايضة، وذلك ما يجعل قادة هذه الأحزاب الذين فشلوا في المرور إلى الدور الثاني من الإنتخابات يظهرون بهاته التوصيات عدم إحترام كبير لعقول أفراد قواعد أحزابهم وإستهتارا بأصواتهم التي أصبحت وسيلة للبيع والشراء مثل القطعان التي لا تقرر مصيرها بل تنتظر من الراعي تحديد إتجاهها. هذه التوصيات التي جائت في أغلبها بالتصويت للباجي قائد السبسي الذي فاز حزبه نداء تونس بالإنتخابات التشريعية، ستعيد لنا في صورة تطبيقها ضاهرة خلنا أنها تلاشت وهي ضاهرة أحزاب المعارضة الكرتونية، ففي صورة فوز السبسي بالإنتخابات الرئاسية، فسيجمع حزبه نداء تونس بذلك الحكومة والرئاسة ومجلس النواب، وهذا ما يجعل كل هؤلاء السياسيين الذين دعوا للتصويت له مجرد مشاركين شكليين في الحكم، يساندون تغول حزب واحد على كل مفاصل الدولة ويباركون قرارته، وبذلك يعاد لنا تصوير مشهد جديد قديم، يسيطر فيه حزب واحد على كلمواقع القرار بالإعتماد على معارضة شكلية كرتونية، مايعيد بطريقة آلية دكتاتوريتا تمنينا أن لا تعود بعد ثورة 14 جانفي 2011. دعوات وتوصيات لا تأتي بالخير لتونس سواء كانت للسبسي أو للمرزوقي وذلك لما فيها من تعدي على قواعد الأحزاب في التفكير، أو لما تحمله من رسائل سلبية حول مستقبل الديمقراطية على بلدنا، وكذلك لما تظهره من قلة وعي لدى قادة أحزابنا وسياسيينا، فمتى يتعض هؤلاء الساسة من أخطائهم ويكفوا عن التفكير بمنطق الكراسي قبل الوطن. مختار الشيباني