عاجل/ قضيّة "التآمر": إحالة 40 متّهما على الدائرة المختصّة في الإرهاب    رياض البوعزيزي: 'السلطة تدخّلت لإبطال ترشّح قائمتي التلمساني وبن تقية لانتخابات الجامعة'    الروائح الكريهة تنتشر في مستشفي قابس بسبب جثث المهاجرين    إغتصاب ومخدّرات.. الإطاحة بعصابة تستدرج الأطفال على "تيك توك"!!    عاجل : معهد الصحافة يقاطع هذه المؤسسة    رئيس الجمهورية يتسلّم دعوة للمشاركة في القمة العربية    الترجي يقرّر منع مسؤوليه ولاعبيه من التصريحات الإعلامية    هذه الأغنية التونسية تحتل المركز الثامن ضمن أفضل أغاني القرن 21    التمديد في سنّ التقاعد بالقطاع الخاص يهدف الى توحيد الأنظمة بين العام والخاص    عاجل/ إستقالة هيثم زنّاد من ادارة ديوان التجارة.. ومرصد رقابة يكشف الأسباب    شوقي الطبيب يرفع إضرابه عن الطعام    تواصل غلق معبر راس جدير واكتظاظ كبير على مستوى معبر ذهيبة وازن    البنك المركزي يعلن ادراج مؤسستين في قائمة المنخرطين في نظام المقاصة الالكترونية    تونس: مرضى السرطان يعانون من نقص الأدوية    من بينهم مساجين: تمتيع 500 تلميذ باجراءات استثنائية خلال الباكالوريا    أتلتيكو مدريد يقترب من التعاقد مع لاعب ريال مدريد سيبايوس    الرابطة الأولى: نجم المتلوي يرفع قضية عدلية ضد حكم مواجهة النادي البنزرتي    رئيس لجنة الشباب والرياضة : تعديل قانون مكافحة المنشطات ورفع العقوبة وارد جدا    عاجل/ الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل أغلب الطلبة المعتصمين    مجددا بعد اسبوعين.. الأمطار تشل الحركة في الإمارات    مدنين: بحّارة جرجيس يقرّرون استئناف نشاط صيد القمبري بعد مراجعة تسعيرة البيع بالجملة    هام/ الترفيع في أسعار 320 صنفا من الأدوية.. وهذه قيمة الزيادة    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    وزارة التجارة تنشر حصيلة نشاط المراقبة الاقتصادية خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2024    جبنيانة: الكشف عن ورشة لصنع القوارب البحرية ماالقصة ؟    صفاقس_ساقية الدائر: إخماد حريق بمصنع نجارة.    عين زغوان: حادث مرور يسفر عن وفاة مترجل وبتر ساق آخر    المغازة العامة تتألق وتزيد رقم معاملاتها ب 7.2%    وزيرة التربية: ''المقاطعة تساوي الإقتطاع...تسالني فلوس نخلّصك تتغيّب نقصّلك''    اليوم: جلسة تفاوض بين جامعة الثانوي ووزارة التربية    وزير الشؤون الاجتماعية يزف بشرى لمن يريد الحصول على قرض سكني    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    24 ألف وحدة اقتصاديّة تحدث سنويّا.. النسيج المؤسّساتي يتعزّز    الأساتذة النواب: ندعو رئيس الدولة إلى التدخل    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    وفاة الممثل عبد الله الشاهد    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    غرفة تجّار لحوم الدواجن: هذه الجهة مسؤولة عن الترفيع في الأسعار    تونس تشهد تنظيم معرضين متخصّصين في "صناعة النفط" و"النقل واللوجستك"    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    المهرجان الدولي للثقافة والفنون دورة شاعر الشعب محمود بيرم التونسي .. من الحلم إلى الإنجاز    بطولة مدريد المفتوحة للتنس: روبليف يقصي ألكاراز    حالة الطقس ليوم الخميس 02 ماي 2024    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    مايكروسوفت تكشف عن أكبر استثمار في تاريخها في ماليزيا    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات تقول ان الوكالة الوطنية لمكافحة المنشطات لم تمتثل لتوصياتها    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقاب بالتحريق - لا يعدل جنون البشر إلا نفاقهم
نشر في الحوار نت يوم 17 - 02 - 2015

إذا أصبح كل طبالي الإعلام المأجور فقهاء (ابراهيم عيسى).
وإذا أمسى كل مثقفي الأقليات المتربصة بهذه الأمة دعاة تسامح (جورج طرابيشي).
وإذا بات كل سفاحي الأنظمة الانقلابية مدافعين عن حقوق الإنسان (بشار والسيسي).
إذا أصبح المناخ هذا مزاجه فأعلم أنك أمام ملهاة يخرجها رئيس المستكبرين ووكلائه من الصهاينة والطائفيين وعملائهم في المليشيات المسلحة بالكلاشنكوف والكاريكاتور الإعلامي.
واعلم كذلك أن هذه الجوقة ما تزال متصورة أن المسلمين ينبغي أن يبقوا دائما في وضع من يرد الفعل ويعتذر من كل فعل يقوم به أحدهم لأنه مباشرة يرمى عليهم جميعا ويبحث له عن أصل في مورّثهم العضوي أو في تراثهم الحضاري.
لا أحد يريد أن يفهم الظاهرات التي يُنسب بعضها إلى البعض منهم فتُلصق بهم جميعا وتُرد إلى عقائدهم وتاريخهم وكبار مفكريهم لتشويههم بما لو تمت مقارنته بما هو من جنسه عند غيرهم لكانوا أقل الناس قابلية لهذا النكير غير البريء.
فلنحاول إذن تجاوز كل هذا التحامل ولنبحث في الظاهرة نفسها وفي عللها من منطلق هذا المبدأ : إذا كان ما يحدث يفسر بشيء يختص به العرب والمسلمون فلم نجد عند غيرهم ما هو من جنسه وأسوأ منه كما وكيفا؟ هل معنى ذلك أن اليهودية والمسيحية والبوذية و الشيوعية والعلمانية و الليبرالية كلها ربيت على القرآن واستأنست بفكر الصديق وتعملت لدى ابن تيمية؟
البحث في الظاهرة
لا يعنيني إذا تصور البعض أن في كلامي هذا ما يُؤول على أنه تبرير لما يجري. فهذا السخف في اتهام من يريد أن يفهم بأنه يبرر لم يعد يردع إلا المهزومين حضاريا والذين يقبلون بأن يكونوا دائما في وضع المتهم الذي عليه أن يبين براءته بعكس مفهوم العدل عقلا ونقلا.
فالمسلمون عامة وسنتهم خاصة يحاول أعداؤهم أن يفرضوا عليهم وضعا يحول دونهم والكلام في الأمراض التي تعاني منها البشرية كلها - وهم منها ومن ثم فلهم فيها نصيب كغيرهم-. ليس المسلمون وحدهم هم من يمكن أن يعرض لهم بعض أعراض هذه الأمراض.
يراد لهم أن يكونوا دائما مقصورا كلامهم على رد الفعل والاعتذار. يراد لهم ألا يتحرروا من موقف الدفاع عن أنفسهم لكأن ما يقوم به البعض منهم صفة وراثية أو حضارية يتفردون بها في حين أن ما يبدر منهم لا يتفوق على ما يبدر من متهميهم بل هو دونه كما وكيفا. وبذلك فلا يمكن للباحث العربي أن يتجرأ فيدرس الظاهرة ويبين أن الأمراض التي تقدم على أنها خاصة بالمسلمين ليس لهم منها إلا أدنى درجاتها ربما بسبب تخلفهم التقني : إنها جرائم حرب لا تخلو منها حرب وهي متناسبة مع التقدم التقني لمرتكبيها لأن البشاعة هي عينها.
ولعل أفضل مثال يبين مهزلة هذه الدعاوى التي تركز على اتهام المسلمين هو مثال بريجيب باردو التي تدعي الرأفة بالحيوان فتهاجم الذبح وتفضل الصعق الكهربائي أو مثال بنت لوبان التي قامت بحملة ضد "الحلال" لأنها تفضل الحرام. أو حتى النباتي الذي لا يريد أكل اللحم رفقا بالحيوانات ويتصور أن النبات ليس جديرا بالرفق : المشكل كله لو كان هؤلاء صادقين هو الحرب وما يصحبها من جرائم سواء كانت على البشر أو على الكائنات الحية الأخرى وخاصة على الطبيعة. فكل الحضارة التقنية المحكومة بمنطق الرأسمالية و الربا حرب على الطبيعة والإنسان لو كانوا يعلمون.
فإذا أضفنا أن هذه الحرب هي كذلك حرب على كل البشر وعلى كل الحضارات الأخرى -التي تعتبر متخلفة وعليها أن تخادر التاريخ الذي انتهى بمقتضى منطق المركزية الغربية-وأنها ليست مقصورة على البيئة الطبيعية تبين أن هذه الحرب النفسية التي تُشن على المسلمين الذين ما تزال حضارتهم صامدة هي التي تعلل الذهاب إلى اتهام بعض مجرمي الحرب منهم -بخلاف غيرهم- بأنهم كذلك لأنهم مسلمون وليس لأنهم مجرمو حرب مثلهم مثل غيرهم.
فمن أجرم في جوانتنامو (قصة التقرير حول التعذيب ) أو في أبو غريب أو في ما حدث في أفغانستان من حرق الجثث والبول على بعضها لم يجرم جرم حرب لأنه مسيحي أو لأنه علماني بل لأنه إما مجنون أو متجاوز للقانون ويعاقب بهذه الصفة مع كل ظروف التخفيف المعقولة واللامعقولة. أما إذا كان مسلما فينبغي أن يعلل إجرامه بدينه وبمذهبه وخاصة بأحد علماء مذهبه الذي يحمل كل جرائم العالم في حين لو طبقنا هذا المنطق لكان كل مفكري الغرب مسؤولين على الحربين العالميتين وعلى قتل الملاييين اكتفاء بماركس أو نيتشه أو هيدجر مثلا.
فالتركيز على هذه الأفعال البدائية التي لا تختلف بالنوع عن مثيلاتها عند من يُزعمون متحضرين وتعميم التهم ونسبتها إلى خاصيات إما عرقية أو حضارية خاصة بالعرب والمسلمين دليل على رفض الفهم الساعي إلى العلاج وعلى السعي للتشويه الذي يوظف في حرب نفسية على المستضعفين.
فهذا التركيز لا يبحث في طبيعة جرائم الحرب بصورة عامة بل هو يقتصر على أدناها عند أقل الناس قدرة عليها. لذلك فكل ما تسمعه من تعليق لا صلة له بالقضية المطروحة بل هو مجرد سلاح في حرب نفسية معلومة الدوافع خاصة إذا علمنا من هم أبواقها : مثل ما نسمعه من إعلام بشار الذي حرق بالكيمياوي وبالراميل آلافا من شعبه والسيسي مجرم رابعة وبعض حكام دول العرب المتسولة الذين يتعنترون على شعوبهم رغم أن اللعبة كلها ربما هدفها تبرير إقحام بعض الجيوش العربية مرتزقة في حرب إسرائيل وإيران وأمريكا وعملائهم ضد ثورة العرب و المسلمين بهدف تقاسم السلطان عليهم ومواصلة منعهم من استئناف دورهم التاريخي للعلم بما يمكن أن يكون لهم من تأثير في تحقيق التوازن القيمي في عالم يسيطر عليه سفك الدماء والفساد في الأرض عالم يدعي أصحابه أنه يمثل الحضارة وهي عين الهمجية التي لا منطق لها إلا منطق الصراع على البقاء للأقوى والأفسد.
فهذه الحرب النفسية والعسكرية مسلطة على شعوب احتلت أرضها واستبيح عرضها منذ أكثر من قرنين وأخضعت لكل أصناف التنكيل التي يعد ما يندد به من سلوكاتهم بالقياس إليه لعب أطفال وثأرا ساذجا : فمن سجن في سجون الاحتلال الأمريكي للعراق أو في سجون الطائفية التي ولاها الاحتلال عليه من بعده لا ندري ما الذي يجري في سره ليكون تصرفه ما يعاب عليه اليوم من جرائم حرب تواصل نفس الجرائم التي عاشها وهو أسير يرى أمه أو أخته أو نبته تغتصب تحت ناظره. كل ما يجري في الهلال اليوم سببه المباشر هو مسيحية بوش الصهيونية وأحفاد ابن العلقمي الذين يدعون الثأثر للحسين البريء منهم بل والذي هو ضحية آبائهم الذين غرروا به فوضعوه في ورطة تجنبها أخوه الذي كان أبلغ حكمة منه وأكثر حرصا على مصلحة الأمة كما بشر به ذلك جده صلى الله عليه وسلم.
لذلك فلن أقبل بهذا الوضع الذي يحشر فيه كل من يريد من المسلمين أن يفهم ما يجري فيجبر على اللجوء إلى الموقف الدفاعي ولا يمر إلى دراسة الظاهرات التي تضخم هنا وتلطف هناك لغاية في نفس يعقوب. وبذلك يتبين أن نفاق البشر أشد وطأة من جنونهم : يقومون بأشنع الجرائم المتناسبة مع تقدمهم التقني دوليا - حروب إسرائيل والغرب (في غزة مثلا)- ومحليا - جرائم الأنظمة ضد الشعوب - ثم يدمنون على بيان بشاعة أقعال هي أشبه بما يستطيعه سلاح الهنود الحمر بالقياس إلى ما تستطيعه أسلحتهم الفتاكة: يكفي التذكير بما حدث في الحربين وبما حصل في تهديم دولة العراق التي ما يزال شعبها يعاني من آثار الأوراينيوم المنضب وتشويهاته. ومع ذلك يجدون من الأخصياء من يريد أن يبرر إنسانيته مثل حكام سوريا ومصر ومليشيات إيران العربية والنخب التابعة لهم.
وما أن تحاول تجاوز هذه الوضعية التي فرضتها الحرب النفسية على الشعوب المقاومة للاحتلال والاستعمار والاستبداد والفساد حتى تعترضك الأبواق التي تتهمك بالدفاع عن داعش - رغم أنك أول المنكرين عليها دورها في إفساد الثورة وتلطيخها بما يحول دونها وتحقيق أهدافها بدليلين :
1-نشرها لأفاعيلها نشرا لا يمكن أن يكون قصده الردع بل التشويه للصف الذي تزعم منتسبة إليه.
2-ومحاربتها المقاومة السورية الأصيلة أكثر مما حاربت النظام المجرم ومسانديه من مليشيات إيران العربية.
وهذه الأبواق تقبل التصنيف إلى خمس جوقات تجعلك تدرك أن جنون البشر لا يعدله إلا نفاقهم وتزييفهم للحقائق:
1-فهذه الحرب النفسية التشويهية تصدر عن صحافة العدو ونخبه التي حاولنا فهم منطق استعمالها في الحرب النفسية من خلال تحليل ظاهرة بيجيدا Pegida الجامعة بين ذكريات التاريخ الوسيط وعنصرية الإنسان الأبيض والحرب النفسية على من يراد سلبه ثرواته وحرياته.
2-وتصدر هذه الحرب عن النخب العربية التابعة بصحفييهم ومفكريهم الذين يدعون الحداثة والتقدمية والعلمانية والليبرالية وخاصة من كان منهم من اليسار والقوميين أغلبهم من الأقليات التي تخدم أعداء الأمة أو في الغالب الأنظمة التي تمول تهديم حضارتها لتبقى شرطا في رضا حاميها عليها. وهي بإسهامها في هذه الحرب النفسية تحاول إثبات انتسابها إلى حضارة يبرئونها مما ينددون به في حين أن جرائمها لا تضاهيها جرائم في تاريخ البشرية كله. وهم مهما فعلوا للتنصل من الإسلام وحضارته التي يحمولونها مسؤولية هذا الجنون الذي يظن مقصورا عليها لن يعترف بهم الغرب إلا في حدود ما يؤدونه له من خدمات ثم يرميهم كما رمى من قبلهم كل العملاء الذين نعرف منهم الكثير بعد حرب الجزائر وحرب فياتنام.
3-وتصدر هذه الحرب النفسية كذلك عن الأنظمة التي ولاها الاستعمار على بلاد العرب والمسلمين فأذاقوا شعوبهم أكثر مما أذاقهم الاستعمار. ولعل أقرب الأمثلة إلى الأذهان أفاعيل سفاح دمشق (ربع مليون شهيد واكثر من نصف الشعب مهجر) وتحريق سفاح القاهرة وبغداد وليبيا : فهم لم يحرقوا طيارا واحدا قصف نساءهم وأطفالهم قصفا محرقا- على بشاعة تحريقه الذي وصفه القانوني الأصح هو جريمة حرب من جنس كل الجرائم التي هو أحد المسهمين فيها لأن حملة الحرب بالطائرات على شعوب معزولة السلاح تقريبا هي بحد ذاتها جريمة حرب مثلها مثل حملة البراميل الأسدية. فهؤالا الحكام لم يحرقوا طيارا يحرق شعوبهم بل حرقوا شعوبهم في مظاهرات سلمية تطالب بأدنى الحقوق.
4-ولعل ابرز تعين لهذه الحرب النفسية والعنصرية وأجلاه هو الطائفية التي-وجدت فرصة للهجوم على ما تسميه التكفيريين رغم أن مذهبها مبني على تكفير كل من سواهم ورغم أنها كانت ولا تزال منذ بدايات تاريخ الإسلام مصدر كل إرهاب عرفته حضارتنا. وهي الآن تحاول تمكين إيران من مقاسمة إسرائيل وأمريكا مقاسمتهما السيطرة على الوطن العربي بأذرعها التي تمثلها مليشيات مادية كحزب الله الذي فرخ في جميع أقطار الوطن ومليشيات رمزية تمثلها النخب الأجيرة مثل أبواق الاعلام والنخب التابعة لها وكذلك المندسين منهم في المقاومة السنية لتشويهها.
5-أما العامل الجامع والمنسق بين كل هذه الأصناف فمنبعه وأصله الاستعمار الغربي عامة والأمريكي خاصة فعلا مباشرا بحضوره وفعلا غير مباشر بآثار سلوكه بعد غزو العراق. فهذا السلوك هو الشكل المطلق من الاستعمار الإبادي الذي بدأ بالهنود الحمر ويحاول أن يبيد كل من يرفض سلطانه : إبادة رمزية بالتشويه والحرب النفسية وإبادة عضوية بالدرون والقتل على الهوية. وهو لا يفعل بالتحريق البدائي كداعش بل بما يدخره من آلاف القنابل النووية التي جرب بعضها فأتى على الزرع والضرع فضلا عن البيئة التي قضى عليها في فياتنام بالنابالم الأورانيوم المنضب كما في معركة مطار بغداد و الفلوجة . لكنه لا يعتبر ذلك جرائم حرب بتحريق البشر. فلعله يعتبره مجرد شماريخ للتسلية ولنشر القيم الإنسانية كما رأينا ذلك في مناسبتين متعت اليابانيين بألطاف الإنسانية الأمريكية.
ما أردت بيانه في هذه المحاولة وراء دور الحرب النفسية ضد المقاومة الإسلامية والمواقف العنصرية من المسلمين وحضارتهم هو هذه الظاهرة المرضية التي تعاني منها الإنسانية عامة والتي لا علاقة لها بالأديان ولا بالمفكرين لأنها جزء لا يتجزأ من جنون الحرب وجرائمها. فهذا الدور سبق أن وصفته الملائكة بكونه سفكا للدماء وإفسادا في الأرض. وهو لا يخص شعبا دون شعب أو حضارة دون حضارة بل هو جنون ملازم لكل الحروب. ومن ثم فالحل ليس تبرئة المجرمين الحقيقيين وجعلهم هم لسان الدعوى ة اتهام الآرخرين لكأنهم هم الأبرياء بل محاولة إنقاذ الإنسانية من دوافع الحروب ومن نتائجها وأهمها مثل هذه الجرائم: وبذلك فالقضية تصبح مفهومة إذا أرجعناها إلى طبيعتها الخلقية والقانونية بمستوييها الوطني والدولي. فهذه الطبيعة الواحدة مضاعفة المستوى إذ هي تنتسب إلى :
1-القانون الجنائي عامة : لأنها عينة منه في شكله البدائي : قانون السن بالسن والعين بالعين قانون "التاليون".
2-وقانون الحرب خاصة : لأنها عينة من معاملة المحارب لعدوه عند أسره وهو من جنس القانون الأول وإن في الحرب.
ومن أكبر الأدلة على سخف متهمي ابن تيمية وعلى عبقريته في آن أنه الأول في التاريخ الإنساني الذي فهم قيم القرآن الخاصة بهذه القضية وأول من أرجعها إلى هذين الوجهين من القانون الجنائي عامة والخاص بالحروب خاصة. وهو لم يغفل الإشارة إلى ضرورة تقديم ما يأمر به القرآن الكريم من الصفح والصبر بدل الانتقام والثأر عملا بما جاء في سورة الشورى بخصوص قوانين القصاص في نفس الجماعة أو الحرب بين الجماعات من الآية 39 إلى الآية 43 الآيات التي وضعت المبادئ الخلقية والقانونية للعلاقات البشرية بخصوص هذه المستويين من القانون.
وبهذا المعنى فما يعاب على داعش - على ما فيه من جرم ومن بدائية خاصة- لا يكون ذا معنى إلا باعتباره: جريمة حرب. وهو جرم ينبغي أن يعاب بصفة كلية لا تستثني أحدا : كل مجرمي الحرب لا يسأل عنها إلا مقترفها وقياداته لا دينه و لا حضارته و لا علماؤه. أما إذا لم يطبق هذا المبدأ في تحديد المسؤولية على جرائم الحرب فحملت الحضارة و الدين و العلماء مسؤوليتها فليعمم ذلك. وعندئذ ستصبح كل الحضارات والأديان والعلماء مجرمة و سيتبين أن الحضارة العلمانية أكثر الحضارات إجراما: فعنها ضدرت كل حروب الإستعمار و جرائم النازية و الفاشية و الشيوعية وما تعانيه أمتنا اليوم من حرب نفسية ومادية لم تتوقف منذ أن ظنت أمريكا أنها قضت على القطب الاشتراكي وعليها أن تستفرد بالعالم فتزيل العائق الوحيد المتبقي لاستبدادها به: المسلمون الذين يقاومون والذين يمكن بأخذ ما لديهم خنق بقية العالم وجعله يركع أمام إمبراطوريتها التي تمثل الآن امبراطورية الشر حقا: فهي مصدر الإرهاب كله وهي تجسيد لحكم الملائكة سفكا للدماء وإفسادا في الأرض.
و كم نتمنى أن يصبح ما يجري لدينا سوءا بدر من بعضها أو ممن يريد استعبادنا بداية الوعي بضرورة العلاج الشاقي لكل البشر من هذا الجنون وخاصة من النفاق الذي يحوله إلى سلاح في الحرب النفسية. فهذه الأدواء ينبغي علاجها بصورة كلية بدلا من تحويلها إلى أداة حرب نفسية تشويهية لحضارة هي أقل الحضارات إجراما في حروبها لأنها لم تفني شعوبا و لا حضارات و لا لغات بل هي قد حمت من يعتدون عليها اليوم في أرضها لما لجؤوا إليها هروبا ممن يستعملونهم الآن للفتك بشعب فلسطين. فالذين ينددون بالإرهاب هم حماته بما لهم من سلطان في الأمم المتحدة بدليل أنهم حالوا دون تدخل محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب في غزة تحريقاو تمزيقا و تشويها للنساء و الأطفال و الشيوخ مع حصار هو أكثر إجراما من كل الجرائم حصار دام عقدا كاملا بتأييد من النائحين على حقوق الإنسان حصار جعل غزة سجنا لمليونين من البشر في ظروف لا يرضونها لكلابهم.
فكل أسباب الحروب التي لا يريد الاستعمار علاجها بعدل هي الجرائم الحقيقية التي ينبغي التصدي لها حتى لا توجود دواعش مادية ولا رمزية. ومثال فلسطين الذي لم يطبق فيه أي نص من نصوص القانون الدولي أكبر دليل على أن الإجرام عامة و جرائم الحرب خاصة ليست موضع اهتمام إلا كتهم توجه للغير و ليس كأمراض تعاني منها الإنسانية ينبغي علاجها خلقيا و قانويا بصورة ترجع إلى الإنسانية أخوتها التي هي أولى القيم التي نجدها في الآية الأولى من سورة النساء.
ذلك أنه عند المقارنة ودون اعتبار لهذا الطابع الكلي يصبح ما ينبغي أن يعاب على داعش ليس طبيعة السلوك بل كونه يحدث بأضعف الوسائل البدائية في الحالة التي يبشعونها الحرق بالبترول) وبأقواهما في الحالة التي يلطفون منها (الحرق بالنابالم والكيميائي). ومعنى ذلك أن الأمر لايتعلق بعلاج مرض وبيان علله بل بمجرد مقارنة بين تقدم الأدوات وتخلفها : أفعال داعش متخلفة وأفعال غيرها متقدمة أما كونها تشترك في الإجرام فهذا ليس موضوع البحث عند منافقي الإعلام والسياسة.
((( مصدر المقال )))


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.