حدّثت أم عسير العاشقة الولهانة قالت: "تقدمت بي السنون وساءت بي الظنون ولاحت لي ملامح العنوسة ولم أعرف يوما حياة العروسة مللت وحدي من المسير والتقلب من جنب إلى جنب على الحصير وقد أصبح نومي عسيرا! ... كرهت انفراد الحال وعشقت أن يكون لي نصيب في الرجال! ... عقدت العزم على تغيير الحال بالترحال والسياحة والبحث عن صنف الرجال في الأدغال أو حتى في بلاد الغال! ... وبينما كنت أنتقل من طريق إلى طريق بحثا عن الرفيق، نصحتني صويحباتي أن عليّ "بمدينة" "الفايسبوك" ففيها كثير من الرفاق والمتعة و"شريان الشبوك"! سحبت أم عسير نفسا عميقا وقالت: "تسلحت بما يحتاجه المبحر في "الفايسبوك"، فشحنت الجهاز وأعرضت عن التلفاز! ... وتنقلت من جدار إلى جدار بحثا عن الدار التي يقرّ فيها القرار! ... استهوتني كثير من الديار طرقت أبوابها دون وقار، وكلما وجدت صدا أو إعراضا حاولت التّسوّر والدخول من الشباك من غير خجل ارتباك!" ثمّ تنهّدت أم عسير وبدا عليها الإعياء من طول المسير وقالت: "بينما كنت أهوم في شوارع الفايسبوك وأتنقل من جدار إلى جدار وجدتني في ساحة وغى وحرب دائرة وقذائف طائرة وغبار ثائر"! ثم تساءلت أم عسير في نفسها: "هذه حرب لا قبل لي بخوض غمارها، فأنا الحسناء الجميلة وما للحروب خلقت الحسناوات وإنما لتكون في ركاب أبطالها سائرات ولمجدهم جامعات، فهم الأبطال ونحن لهم خلقنا وحبهم رزقنا"! قالت: "ولبثت من ميدان القتال غير بعيد أبحث عن رأي سديد به أغنم قلب الفائز بعد أن يكون للغنائم حائزا! ... ولما انقشع الغبار كانت خيبتي مريرة ومفاجأتي كبيرة، فقد انكشف للعيان أنها حرب نسوان! فتلك منانة الرهدانة تقفز بالزانة وتطير في الهواء لتوقع بخصمتها أشد البلاء، وهذه الخلفاوية أم جلاني من شدة مسكنتها ودهائها حالها أبكاني"! وبعد انقشاع الغبار وتبين الأخبار قررت أم عسير مواصلة المسير في البحث عن رجل من أغنى الرجال يحبها كما يحبّ المال! احمرّ وجهها ثم اصفرّ وقالت: "وقعت في هوى رجل يصف نفسه بأنه طوّاف المشارق والمغارب وأنه خال من المثالب! ... يجري بالليل والنهار يجمع الدرهم والدولار! ... أعطيته من معسول الكلام ما يخرّ له الرجال من ذوي الألباب والأحلام! ووعدته بإدبار الشيب معي وعودة الشباب، ولكنه كان كالقطّ كلما اعتقدت أنه وقع في حبائلي "نطّ"! وابتسمت ابتسامة صفراء ذاوية وقالت: "ثم بدأت ألتفّ حوله برفق وانسياب كالأخطبوط وكلما أفلت من إصبع أمسكه بالثاني في ثواني! حتى ظهر عليه الإعياء والإذعان، ثم مررت معه إلى الامتحان وتقديم عربون المودة والامتنان! ... فقال "اطلبي يا عزيزة فأنت من القلب مكينة قريبة"! ... فكان طلبي بالنسبة إليه غريبة! ... طلبت رأس كبير القطط، ذاك القط النمري الذي تتباهى به أم عياله وتنشر صوره في جدارها وجداره! ... وكان ذلك مني مكيدة لأوقع بينهما، فأكون الملجأ الذي إليه يفرّ وعنده يقرّ! سحبت نفسا عميقا وسالت على خدها دمعة وقالت: "انتبهت منّانة الرهدانة لمحاولة اغتيال القط المسكنين فنددت ب"الداعشي" صاحب السكين وأرسلت تقريرا مفصّلا لأم البنين! ... وبذلك أفسدت منانة عليّ خططي! ... وانتبهت أم العيال لما أحيكه حول بعلها من حبال فأكثرت عنّي السؤال وهددت أن تكشف أمري عند كل النساء والرجال، فررت لا ألوي على حال! غير متحرّفة لقتال أو متحيّزة إلى فئة أخرى من الرجال! ثمّ هجرت مدينة "الفايسبوك" وما جرّته عليّ من بلاء و"شريان شبوك"!! صابر التونسي 6 مارس 2015