في خضمّ تنامي استقطاب التيّارات المتطرّفة والتنظيمات الإرهابيّة لمزيد من الأتباع، وتوظيفها للدّين في الصراعات والنزاعات المسلّحة، وضعَ المجلس العلمي الأعلى قضيّة السلفية تحت مجهر النقاش، في ندوةٍ نظمها اليوم بالرباط، تحت عنوان "السلفيّة: تحقيق المفهوم وبيَان المضمون". وحذّر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في الجلسة الافتتاحية للندوة من تضييق تسمية السلفيّة، ومن استئثار فئة من المجتمع بها، قائلا إنّ استقراء منهج الرسول في ما دعا إلى العمل بسنّته لا يترك مجالا لتضييق تسمية السلفية"، موضحا أنّ تضييق التسمية قدْ تنجم عنه عواقب غير محمودة." وقال التوفيق "تسمية السلفية إمّا أن تكون شاملة كما أراد لها الرسول، فلا يُحتاجُ استعمالها للتخصيص، وإما أن تَختصَّ بها فئة فتنجرُّ إلى نعْت غيرها، صراحة أو ضمنا، بمخالفة السلف والخروج عن مذهبه"، وأضاف أنّ "هذا التضييق قد يصل إلى بدعة خطيرة، لأنّ فيه اتهام الأغلبيّة بالخروج عن منهج السلف". وفي انتقادٍ ضمنيّ للتيارات التي تُسمي نفسها سلفية، قال التوفيق إنّ الأمّة جمْع مُتفاوتُ الأرزاق والاجتهادات، ولا يُمكن تحجيمها إلى حزب أو طائفة من الطوائف"، مردفا بالقول "إذا لم تُطابق الأسماء المضمون يُصنع منها وهْم يؤثّر في الناس تأثيرا فادحا". وعزَا الوزير أصْل إشكال بروز التيارات والجماعات التي تسمي نفسها سلفية إلى "الاختلالات والوَهن الذي وقع تاريخيا في الجماعة الكبرى، والذي أدّى إلى تراخٍ في الالتزام بالجماعة، أفضى إلى ظهور جماعات هامشية سعتْ إلى مصادرة هذه الأسماء والاختصاص فيها، لأنّ من استحوذ على الاسم تملّك المُسمّى". وتأكيدا على توجّه الدّولة بالحفاظ على "الخصوصية" المغربيّة في المجال الديني، قال التوفيق "عقْد هذه الندوة مناسبة لنقدم تحية إكبار لكل جماعة قائمة رشيدة مرشدة، تعمل على التمسّك بأركان الدين ومكارمه داخل ثواب الأمة، ولا يظهر في عملها تشنّج ولا إحراج ولا استعلاء، وتتمسك بالثقافة المغربية التي بناها الأجداد". ولمْ تخْلُ كلمة التوفيق من إشارات سياسية مشوبة بالتحذير من سعْي التيارات السلفية إلى بلوغ السلطة، وقال إنّ مصادرة تسمية السلفية قدْ تكون تعبيرا عن تشوق إلى زعامة دينية، قدْ يؤدّي بها الطموح إلى الرغبة في زعامة دنيوية، وتابع أنّ التشوّق لبلوغ ذلك قد "يبْدأ بالتميز في المظهر"، في إشارة إلى الأزياء التي يتميّز بها السلفيون. واعتبر وزير الأوقاف أنّ اتخاذ لباس خاصّ مخالف للباس الجماعة من قبَل جماعات منتمية إلى مختلف الأديان، الإسلام، المسيحية، اليهودية، ظاهرة معبّرة إمّا عن الخوف من فقدان الهوية، أو عن الخوف من تسارع وتيرة التحوّلات الاجتماعية، سيَما في العلاقات بيْن الأقلّيات". وأضاف المسؤول الحكومي أنّ التميز في المظهر "يصير شذوذا عندما يترتّب عليه وهْم التفوّق في المَخبر، وما زال ينتفش إلى أن يورث صاحبه غرور الانفراد بالحق والحقيقة، ومن ثمّ اتهام الآخر في كلّ أحواله أنه على باطل". وفق تعبيره. وتابع بأن السلفية تعني الجماعة، وهي في تاريخ المسلمين الأغلبية، التي لا تقاطعها إلا القلة متى تجلّت في فئة خارج الجماعة، وأضاف أنّ "المغاربة اليومَ كأمْس كلهم سلفيّون على قَدْر أرزاقهم في الاقتداء والاتجاه"، قبل أن يؤكد "نحن لا نسعى إلى تحرير فضاء محتلّ، بل نسعى إلى فسْح المجال للجميع". ويبْدو أنّ الساهرين على تنظيم الشأن الديني بالمغرب صارتْ لديهم حساسيّة ممّا يَفد من الشرق، خاصّة بعْد توالي ظهور تنظيمات وتيارات دينية متطرّفة، فقبْل أنْ يشرع التوفيق في إلقاء كلمته نبّه مسيّر الجلسة الذي قدّم المقرئ الذي تلا آيات من القرآن بصفة "الشيخ"، وقال التوفيق "كان يجب تقديم المقرئ بصفته رئيسا لمجلس عِلْمي، لا شيخا من الشيوخ!!