قال الإمام مالك :"إنّ العلم يؤتى ولا يأتي " هذه المقولة قيلت للخليفة هارون الرشيد ، لكن الأمير لم يعترض عليها بل إنه احترم وأثنى على قائلها.. هذه كانت صالحة في سالف الأيام، ولكن في أيامنا هذه انقلبت الموازين وبات العلم يأتي ولا أحد إليه يؤتى.. انقلبت الأمور على أعقابها وبدل من أن نقوم للمعلم فنبجّله لأنّه كاد أن يكون رسولا، صار المعلم يخشى من إغضاب الطالب كي لا يكون مذلولا أمام والده المسؤولا!.. لقد تجاوزت الاعتداءات حدودها ، فباتت هذه الظاهرة مريعة مخيفة، كيف لا عندما ترفع الطالبة صوتها على معلمتها أو تتفوه بكلمات نابية غير محترمة فتطلقها كالرصاص بوجه من هي أكبر منها سنا أولا ثم معلمتها أخيرا.. وممن؟؟ من واحدة يفترض أنّها أنثى!!!... فإذا كانت هذه هكذا مع معلمتها التي هي بالغريبة البعيدة عنها ،، فكيف بها مع أمها وأختها وصديقتها وجارتها؟؟!.. كيف لا تكون هذه الظاهرة مرعبة وقد تسمع أنّ بحوزة أحد الطلاب مقتنيات خاصّة باللصوص والمجرمين وقطّاع الطرق بمعنى أصح وواضح" أسلحة" ، سيقول البعض يجب أن تبلّغ الإدارة، فما قول أحدنا لو علم أنّ الإدارة تعرف هذا لكن ليس بمقدورها أن تقوم بشيء .. – فهذا ابن فلان-، بمعنى " اصمت وهذا أسلم لك"، وقد يكون هذا الفلان جاهلا لا يفقه شيئا غير أنّ أمواله هي التي تتكلم .. لو وضع أحدنا نفسه مكان المعلم الذي يسمع عبارات تقلل من شخصه كعبارة "أتتكلم معي هكذا وأنت تأخذ راتبك من القسط الشهري الذي يدفعه والدي "،.. عبارة قاسية بل قاتلة يطلقها أحد الطلبة عندما يوبخه المعلم على علامة متدنيّة تحصّل عليها.. والأمرّ والأشدّ من هذا كله عندما يأتي والد الطالب فيكرر للمعلم ذات الدرس ولكن بإخراج أوسع باعا وذراعا صارخا في وجهه " أنت راتبك مني.. من مالي.. ألا تستحي على نفسك عندما تضع هذه العلامة لابني وأنا أدفع له كذا وكذا، أنت تظن أنّني أجد المال ملقى بالشوارع"... فيقف المعلم واجما متيبسا أو لربما خائفا من صفعة قد تنزل على وجهه تحية أو تكريما من هذا الرجل المؤازر لابنه.. قد تقودك الظروف في بعض الأحيان فتسمع العجب العجاب، وهذا ما حدث مرّة حيث أنّ إحداهن كانت تتكلم لمن حولها عن سفرها ورحلاتها وتطرّقت إلى القسط السنوي الذي يدفع لابنتها، لقد كان المبلغ ما يقارب الأربعة آلاف دولار.. فبادرتها إحدى النساء وسألتها ما هو تخصص ابنتها.. لتصعق الجالسين بضحكتها الماكرة وهي تقول " تخصص .. تخصص ماذا؟؟ وهي ما زالت في " الكايج وان" أي سنة أولى في رياض الأطفال.. إذا كانت " كايج وان 3000 أو 4000 آلاف دولار " في الأولى أو الثانية أو الثالثة الابتدائية كم سيكون قسطها ؟؟!.. إذا فهذه الطفلة تدفع راتب اثنين أو ثلاث من معلمي مدرستها.. ولن تكون هي الوحيدة في صفها ممن يدفعون هذا المبلغ؟؟ وهل تقدر واحدة من المعلمات أن توبخ هذه الطفلة التي قد تذهب دامعة العينين جرّاء رفض بسيط أو توجيه ضروري من المس أو الديموزيل ؟؟ّ!.. ستأتي الأم غاضبة بسبب دموع هذه الطفلة التي تعد لبنة من لبنات الأمّة، لتثور على المعلمة التي عاملت ابنتها بوحشية ورفضت أن تتركها تصطحب معها حاجيّات من المدرسة أو وجّهتها بأنّ إخراج الرأس من الحافلة أثناء مسيرها أمر خطير، أو دفع الزميلة من الخلف تصرف غير لائق، تأتي الأم لتقول : " أنا لا أدفع لكم المال لتتصرفوا بهذا الأسلوب مع ابنتي ".. في بعض الدول الغربية ولربما كلها يُدفع للمعلم أكثر من راتب الطبيب رغم أنّ الطبيب مدّة دراسته أكثر من المعلم ،، ولكن لو وقفنا أمام هذه النقطة وتساءلنا سنجد أنّ الحق معهم في هذا .. نعم .. فمن هو الذي درّس وعلّم هذا الطبيب ؟؟ ألم يكن هو المعلم ؟ّ! هل للمعلم مكانة اليوم في دولنا العربية ككل؟؟ هل الاحترام والرهبة موجودة في الأواسط التعليميّة؟؟ أم أنّ المال أصبح كل شيء في هذه الدنيا، أصبح السيادة والقيادة والريادة ومن لا يملكه فليبحث عن مكان يدفن نفسه فيه لأنّه لا يصلح .. لقد قيل في زمن بعيد "العلم نور والمعلم مصدره " ،، وقيل أيضا " العلم نور أو مصباح والمعلم حامله " وغيرها الكثير من الأقوال .. لكنني منذ فترة قرأت على أحد حيطان المدارس الخارجية "العلم نور والمعلم نوّاصة ". لقد أرادوا أن يدمرونا وعملوا بمقولة: إذا أردت أن تدمّر أمّة فابدأ بالتعليم .. أعجبتني هذه القصيدة فبين أسطرها يكمن بيت القصيد: قال الرسولُ مُبلغا ومُكَرِّما .. إني بُعثتُ إلى الأنام معلما يا بانيَ الأجيال جُهْدك خالدٌ .. أحْسِنْ بناءك كي تكون مُكَرَّما دَوْرُ المعلم أن يكون مُصححاً .. ما اعْوجَّ مِنْ خُلُقٍ لهم وَمُقَوِّما آثاره أخلاقه مَنْحوتَةٌ .. في القلب لا تُنْسى وتبقى بَلْسَما أخباره تبقى حديثا ُيشْتَهى .. بمجالسِ الزُّمَلاءِ أو مَنْ عَلَّما ما أُسْرَةٌ إلا لهُ فضلٌ بها .. وَتُكِنُّ حباً للمعلم مُفْعَما فَتَّشْتُ عنْ مَنْ للرجولةِ صانعٌ .. فَوَجَدتُ أمّاً أو أَباً ومعلما فإذا الثلاثةُ لم يُرَبّوا نَشْأنا .. سيكون نَشْئاً بائسا وَمُحَطَّما العلم نور والمعلم مصدرٌ .. إن غابَ مصدرُه تَحَوَّلَ مُظْلما ما كل علم في الزمان بنافع .. دَوْرُ المعلم أن يُمَيِّزَ ما سما يا خيبة الأجيال من تعليمهم .. إن كان مصدر نورهم قد أعْتِما هيهات من أحد تَرَقّى دونه .. في مهنةٍ أو منصبٍ قد أسْهَما