لاليغا الاسبانية.. سيناريوهات تتويج ريال مدريد باللقب على حساب برشلونة    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الاتحاد المنستيري يضمن التأهل إلى المرحلة الختامية من بطولة BAL بعد فوزه على نادي مدينة داكار    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    بايرن ميونيخ يتوج ببطولة المانيا بعد تعادل ليفركوزن مع فرايبورغ    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسلمون على شفا حُفرة
نشر في الحوار نت يوم 18 - 10 - 2015


عالم السنة المتناحرمن الداخل والمهدد من الخارج:
قال جلال الدين الرومي:"
ويحك يا عديم الجدوى !إن الروح التي ليس شعارها الحب الحقيقي ،من الخيرألا توجد،فليس وجودها سوى العار"
مقدمة:
إسلام القرآن: ليس إسلام البدوي والأعرابي،أوإسلام العربي والمستعرب،أوالحضري والمديني،ولا إسلام تشايخ الشيوخ والإئمة،أوتفهيق الفقهاء وتعالم العلامات،أوإسلام طائفة أوعشيرة بعينها،ولاهوإسلام سلالات حاكمة ثيوقراطية تأتمربأوامرالسماء وتهتدي بشرائع الديانات،أوجمهوريات منتخبة تحتكم إلى"العقل"وتستنيربوضعانيات قوانين الأرض،.
كما أن الإسلام ليس هوذلك الدين الذي يقسم الناس إلى كفرة فجرة بمطلق اليقين،أوإلى كرام بررة بالقطع المكين،بل إسلام"القرآن"-هوعكس ذلك كله (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) و" لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"،ولا يكفر مؤمن بمعصية حتى يكفر المسلم نفسه بنفسه ،وذاك إجماع أوتاد فقه هذه الأمة الأوائل –سنة وشيعة وإباضية ،
وبالعودة قديما الى"أنثربولوجية"العلامة إبن خلدون،والرجوع حديثا الى المفكرين المسلمين :( الهندي-الباكستاني) الدكتور محمد إقبال، والجزائري"مالك بن نبي"....،و مع إستقرائنا للتاريخ الذي يخبرنا ويعلمنا، بأن حياة الأمم في أي عصر هي حاصل حياة أفراده ،.. وحياة الأفراد حاصل ما يفكرونه ويحققونه في واقعهم اليومي...،ومن ذلك تتكون روح الأمم- خيرا أو شرا-...،وما أخطاء الأمم والدول والشعوب إلاأخطاء الروح التي يحيا بها بنو العصر...،
وبموجب هذه المسلمة والحيثية،فهل كان لزاما على العرب أن يدمروا أنفسهم مع بدايات القرن الواحد والعشرين ،وهم لا يشعرون...؟.هكذا يتساءل العقلاء والعارفون وهكذا يعلمنا التاريخ من زاوية النظروالعبر
ومن هذا المنظور:فلا يمكن للعرب والمسلمين-وهم يعيشون في الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين-أن يختزلوا قرآن كل المسلمين إلى إجتهادات"حجة إسلام"أو"شيخ إسلام"،أوحصرالتنوع في الإسلام وثرائه،في فقه مذهب واحد أحادي متعالي،فيتنابز الفقهاء في ما بينهم بالألقاب؟،ويتناوش العلماء في أمور الدين وتعاليمه السماوية السمحة العليا ببذيء الألفاظ ؟،ويتهارش المفتون في تفريعات الشريعة بالأظافروالأنياب؟،من أجل أن يفصلوا في شأن"الفرقة الناجية"التي ستنعم بنعيم الجنة و"الفرق المارقة"التي ستُخَلَد في النار.؟
ومن هذه الزاوية أيضا: فليس كل متمسح بالدين،ومتدكترفي التراث،أومتعبقرفي أحاجي تفكيك العقل العربي المعاصرعلى قدرما تصوره لهم ظنونهم،وتملي عليهم أهواؤهم،وعلى قدرما يُطلب منهم من الحكام والسياسيين والمتحزبين والمغرضين وجماعات الضغط ،يخدم قضايا العروبة والإسلام ،فمعظم من يكتبون اليوم في الدين وفي"أزمة العقل العربي والمسلم"وفي تراث الإسلام–من منتمين للدين ولادينيين-،هم مرآة لعصرنا العربي الحالي المتدهورالذي نعيش فيه،تعكس كتاباتهم مرآة هزيمة العرب والمسلمين على كل الأصعدة،المتمثلة في التدهورالحضاري المذل،والإنحطاط الأخلاقي المخل،والعجزالمطبق عن مواجهة الغزوات الخارجية المدججة بأعتى الإسلحة المادية المرعبة المدمرة للعباد والبلاد،والمسلحة بالعتاد المعنوي الفتاك بالأرواح والقلوب والعقول...،
قد أصبح الإسلام المطروح اليوم على الساحة العربية الإسلامية،أوعلى أبسطة التنظيرات"الحداثية"و"الوضعانية"المناوئة للإسلام،مجرد أطروحات مبرقعة لا لون مميِزلها،وهذاءات مؤدلجة مشتتة لاجامع لها،إنتشرت في الأسواق الفكرية العربية:–الدينية واللادينية-بحكم الإنكسارالحضاري العربي،وبسبب الفراغين الروحي والثقافي–والطبيعة تكره الفراغ–فجاءت في مجملها بمثابة الحقنات الهرمونية المشظية للعقل،والمضخمة لنرجسة"الأنا"العربية،والمبررة للبغي وتفاقم الشنارالعربي،والصادمة للأحاسيس والوجدان،بسبب إنحطاط مستوياتها"البحثية- الأكاديمية"وتسربلها بعباءات"الحفاظ على التراث والأصالة"،أوالتهريج في مهرجان الحضارة الغربية ب:"مسايرة العصروالحداثة"،ليتجوى"الإسلام الجديد"داخل عقول المتلقين العرب الجدد،كمولود لقيط مشوه سقيم،بعد أن حشر"الإسلام الجديد"(التيمي-الوهابي-الإخواني)،العرب في دوامات الفتن والتكفيروالتقتيل والتخريب،فإنفتح المجال الخصب لكتاب السيناريوهات الغربية المرعبة،والمقالات السياسية والثقافية العربية المتسارعة،التي تتسابق وتتصارع في وضع"السيناريوالأسوأ"للمسلمين وللبشرية،بعدأن خرب الغرب حضارته مرتين في أقل من ربع قرن منذ المرحلة الإستعمارية المدعية لجلب"الأحسن the best بهدف إدخال"العوالم الثالثية أوالرابعية"(1) إلى"العالم الأفضل" le milleur du monde الذي تحول مبكرا منذ صبيحة 1914الى"الأرض الخراب"حسب تعبير"ت,س,إليوت".حيث أرعب هذا"العالم الحداثي الجديد"بحروبه البربرية في القرن العشرين عمالقة الفكرالغربي الكبارأنفسهم،فأصبح"العالم الوردي الحداثي-،"أكثرهشاشة وأضعف مناعة وأقل أمنا من كل حضارات الماضي،مع هجمة"العصرالنووي"الذي شرعنته"الحداثة المتقدمة الجديدة"المتمثلة في"الأنا الأمريكية"(التي أصبحت"أنا العالم" )بعد إدخال البشرية في العصرالنووي الذي شرعته فظاعات"هيروشيما"و"ناغازاكي"

ثم سادالعالم في مرحلتي الحرب الباردة وما بعدها،أجواء مضطربة مفعمة بالفراغ واللإطمئنان واللايقين واللاهدف،وتزايد الإرتعاب من المجهول،..،فتقرر،حينها،مستقبل البشرية كما صوره لنا"جورج أوريل" بعبارته الخالدة:"السلم هوالحرب،والدمار،والحقيقة هي الخديعة والعلم هو الجهل"وهي الحقيقة المرة التي نعيشها اليوم بعد أن أوصلنا الغرب إلى"أزمنة"العولمة"التي كانت نتيجة لأطروحات "المابعد"وخطابات"النهايات"،التي تبارى فيها عباقرة الغرب مع نهاية الحرب الباردة، في نسج تصورات جديدة وخيالات مرضية، تتمحورعناوين أطروحاتها الوضاءة حول :
-المزيد من العنف من الفوضى واللاإستقرارفي العالم
-المزيد من إختراق الإسلام وتخريب عقول العرب والمسلمين،
-المزيدمن الإجتياحات للجغرافيات العربية والإسلامية،
-المزيد من إغتصاب"العالم الأصغر"–الإنسان-microcosme عبرإنسان نواكشوط والرباط وتلمسان والقاهرة ودمشق وعمان وبيروت وطهران ونيودلهي وكراتشي مرورا بروما وموسكووباريس ولندن وصولا الى نيويورك وهلسنكي وسيدني،
فكان نصيب العرب والمسلمين نتيجة لهذه"الفوضى الممنهجة"ذلكم الإسلام الخاضع لأولياء الأمور"من الساسة المرتزقة،ولمتطلبات جماعات الضغط المحلية والإقليمية والدولية،المدعمين بحاملي راية"الدين الجديد"وتزايد مفتوه الجدد ..
فتكاثراليوم في أمة الإسلام من العلامات والفقهاء والمفتين والدعاة والوعاظ ،من يصنعون من الإسلام حصانا خشبيا أجوفا،يحتشدون حوله،ويصطفون سائرين خلفه،ثم يلزمون عموم الخلق بالإقتناع به وإتباعه،والدعوة له بمقولات النخبوية"السلفية"المتغطرسة المعاصرة،والدفاع عنه بالغلظة والجلافة،وببقرالبطون وجزالرؤوس .بعد أن طال إنتظارتطبيق أطروحات"الحل هو الإسلام"-لأكثر من ثمانين عاما–كتنظيروطرح تبناهما"ما يسمى ب"الإسلام السياسي"،والذي تم وأده وتقبيره،ودفنه تحت الأطلال والأنقاض التي خلفها "الربيع العربي"؟

وفي المحصلة :،وبالنظرإلى أن المصاب قد عم وطم...،فقد إنتهى الأمربالعرب والمسلمين إلى ضياع الحقيقة،:-حقيقة الدين- مادمنا منذ"النهضة العربية"المزعومة التي بشرنا بها"النهضويون"بُعيد تباشيرالقرن الماضي،مستمرين في التحليق في سماوات الأفكار،بالإصرارعلى الدوران حول مصطلحات"فكروية"فارغة دوارة–صفراء أوحمراء أم وردية-،واللهث وراء مفاهيم وهمية،تقعرت بالإجتراروالتكرارفي أذهان مثقفينا:"الحداثيون"و"الفولكلوريون""القبوريون"–،والترطين بها كمصطلحات ومفردات ومفاهيم لم يعد لها ذكرفي الغرب منذ الستينات مثل"الحداثة الإسلامية" و"التقدمية"و"الرجعية"و"الأصالة والمعاصرة"و"الفرق الإسلامية الناجية والضالة"التي آلت كلها الى أسواق العبث والخلط والخبط ،التي أدت إلى تشطيب الأمة–على المستوى المنظور-إلى غيررجعة من خارطة الإعتراك الحضاري العالمي حيث المصيرالنهائي المفجع والحتمي

ومن هذا الباب أيضا:فإن"الإسلام الربيعي"-الولاد لإسلامات شاذة-أصبح مثل جسم حي(عضوي- بيولوجي) مطروح أمام المفكرين والمتفلسفين والساسة والفقهاء والمثقفين،بشكله المتعملق الجديد"الفرانكيشطاني"،المرعب بتورماته السرطانية التي تطفوعلى جلد الأمة،على شكل بثورمتعفنة،نتيجة تنامي الغرغرينا العربية التي تحولت إلى أخطبوط متعدد الأطراف،يتلوى ويتشكل ويئن ويتلون،ليخنق الأنفاس ويغتال الأرواح،بمفردات ومفاهيم ومصطلحات وهاجة،منها ما يدعي الغرف الصافي من المتون القديمة،ومنهامن يتحايل على القرآن والأحاديث والنصوص التراثية،بتغليفها بشعارات مناهج العلوم الإجتماعية الغربية الأركية المتماوتة،والأبحاث الإبيستيمولوجية التي طفرت في الغرب طفرات كبرى منذ الستينات،مع عجز النخب العربية المفكرة عن إستيعابها أومسايرتها،

فلم يتبقى للعاقلين،-بموجب ما ذكرناه-مجال للإختفاء وراء الشعارات،والمداراة بالأغلوطات،والترداد الأهبل للمزيد من المغالطات،أوالجدل العقيم والإلتواء حول الحقائق:وذلك لأن"الإسلام الجديد"يطرح تساؤلا خطيرا على العرب والمسلمين–ونحن في الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين– يشبه إلى حد بعيد ذلكم التساؤل"الأنثروبولوجي"الأخطرفي تاريخ الحضارة الغربية"الذي طرحه"عمانويل كانط"في عام 1797 بعد مروربضعة قرون على ما يسمى ب"النهضة الأوروبية"وكان التساؤل:"ما هوالإنسان؟وماهوالتنوير؟-ولم يستطع أحد في الغرب أن يجيب عن هذا السؤال حتى كتابةهذه السطور-ونحن في القرن الواحد والعشرين- وحيث سجل ذلك التساؤل الأخطر في كل تاريخ الفكر الغربي منذ أرسطو أهم إنعراج فاصل ونهائي في المسارالمستقبلي الغربي برمته الذي خلق القطيعة الدامية ما بين الإنسان الغربي ومصادرروحانيته،وقطع الحبل السرى والقناة الموصلة الوحيدة ما بين"الإنسان"ومصدره"الخلقي- الروحي"أو"الإيجادي"،لتتساقط بقايا"الإنسان"المشوه المقطع الأوصال،فينفصل عن أصله وسر وجوده، فلم يتبق من"الإنسان"سوىركامات"حطام الإنسان" وأشلائه-كما صوره لنا ذلك كل( الكانطيين-الهيغليين) الجدد لما بعد الحرب العالمية الثانية بدءا من "هيدغر"و"هربرت ماركيوز"وصولا الى سارتروكاموودريدا وفوكو-والقائمة تطول-

وبالمثل،فقد أصبح العرب والمسلمون مهددين ب"الإنقراض المعنوي"مع الإبقاء على"الأخشاب العربية"المتراصة ببشاعة والمتراكمة بقباحة،التي نخرتها ديدان الغفلة،وعفنتها فيروسات التطاحانات الطائفية والإثنية والإيديولوجية،فأضحى العرب والمسلمون اليوم في عداد :إما أن يكونوا أولا يكونوا ...،وذاك هو السؤال المرعب !

وبالمقابل فإن التساؤل الأخطرالذي يواجه اليوم العرب والمسلمين هو:
هل سيتستمر"إسلام القرآن"واقفا على قدميه في المرحلة الغربية الجديدة"الإنتقالية"التي عبرت عن نفسها منذ نهاية الحرب الباردة بأطروحات النهايات في التسعينات،والتي ترجمت على الأرض في الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين بالهجومات المتتابعة على ديارالعرب والمسلمين بالحروب البوشية العنيفة،أعقبتها حروب"أوبامية"ناعمة،وثورات مشبوهة وملغومة،أفرزت"الحدث الربيعي العربي الأكبر"الذي لم يفرزبدوره–عمليا- للأمة العربية سوي إستحداث حوالي خمسين فرقة تكفيرية"ناجية" تبارت في ظرف وجيز قياسي في حلبات الفحشاء والتوحش...،ليتم الإنتقاء من بينها-داروينيا-"في ظرف وجيزقياسي لا يتعدى العامين الفرقتين"الأقوى"والأصلح"تمت عنونتهما ضمن أكثر المصطلحات هجومية ووحشية لم يعرفها تاريخ العرب والإسلام- حتى في مراحل خيباته- وهو"النصرة" و"الداعشية"الملقبتين ب" الدولة الإسلامية"القارية،التي أسندت إليها مهام تفجيرالجغرافية العربية وتحويلها إلى أشلاء وأنقاض وخراب،بغية أن تنتشرفي الآفاق بالنحروالبقر،إنتظارا لإنجاز"الخلافة الراشدة"التي يختلف"السلفويون"ومنظري ما يسمى بالإسلام السياسي،"تعيين خليفتها"أعربي أم أعجمي؟وما حدود جغرافيتها وعاصمتها وعملتها ودساتيرها وقوانينها وديبلوماسييها،و سفراؤها وقناصلتها؟


تساؤلات محرجة ومشروعة:

غيرأن هذا التساؤل الخطير،يثيرنقاطا هامة أخرى تحتاج إلى توضيح:
أولا :
إلى متى سيظل العرب المؤمنون والمسلمون المتدينون في عالم السنة،أسيري"الإنبهار"بالخطاب"السلفوي"التكفيري المضلل،الذي طال عهده عمليا منذ القرن الثامن الهجري-والذي أسهم في تغذيته وتطويره منذ بداية القرن الماضي ما يسمى ب"الإسلام السياسي"الذي يدعي فتح آفاق كونية جديدة للعرب- سواء بالإيماء والإيحاءأوبالمغالطة،أوبالتصريح المباشروالمخاطبة-بالعمل بإستمرارعلى الإيهام بالتدليس والتلبيس على"تجاوز"الغرب و"تكفيره"و"تفكيكه"،بدون طرح منهج بديل،بوضع برامج إنمائية تُنقذ الأمة من براثين التخلف والغبن والمذلة والمسغبة،لم تنتج للأمة سوى أصداء ترجيعات جعجعات الطرح (الإسلاموي- السلفوي)"الذي تسامعنا به– في عالم السنة- منذ أوائل القرن الماضي،وضل"علامات الأمة"القدامى والجدد،يأصلون له عبر ما يسمى ب"الحل هو الإسلام"ولسنا ندري عن حلول أوإسلام يتحدثون؟

ثم جاء"ربيع العرب"فإنمحى ذلك المشروع الطوباوي كما يذوب الملح في الطعام،وبُهت المدعون وتخارس المتنطعون،وصمت المهرجون الثرثارون-
فمن سيدعي من"الإسلامويين"- أو"السلفويين"القدامى والجدد-أن هناك مجالا لإستمرار"الطرح السلفوي"أو"الإسلام السياسيوي"على الساحة العربية ؟وما جدواهما؟وحتى بإحتمال حدوث ذلك،فلن يتما إلا على الأشلاء والدماء والمزيد من الخراب والدمار
ثانيا:
ولماذا تقمص العرب اللادينيون- من ديناصورات حاملي ألوية الهراء الأحمرالأركي،الذين تسربلوابمرقعات"الحريات"،ولوحوا بقزحيات"الديموقراطيات"وترنموا بأراجيف"التغييرات"،يتطرب بها من تبقى من معمري مستنضلي الماركسيين الأصوليين،وغيرهم من عجزة الماويين القدامى اليائسين،والتروتيسكيين الجدد "المتمدرقطين "المراهقين-،حيث يستمرمعظم اليساريين العرب في إستظهارما يفرزه"العقل اليساروي الغربي الجديد"،-بكل إمعية وإستهبال-مقتفين آثارهذا التيار "اليساراوي الغربي الجديد" الأطلسي المصدر التنظير والتوجه ،و"العولمي"الأهداف،المطالب بالمزيد من"الحداثة"على هدي "الأسرلة" و"الأمركة"،بالتسترخلف منظمات"الخضر"والمنظمات "الإنسانوية"المشبوهة؟

وهل سيلهث"الحداثيون"و"الليبراليون"العرب الجدد وراء الحلول الوهيمية،بدون رؤى فلسفية عقلانية واضحة،أوإيديولوجيات مستنيرة مجربة،سوى الإكتفاء بالتيه خلف سرابات وفقاعات التنظيرات الغربية حتى أكثرها بذاءة وغرابة ؟-والغرب"الغروبي"ولاد فلسفات هروبيةعند غروب كل مساء- كما هو معلوم- كما يقول– هيدغر-؟

وهل سيظل هؤلاء وأولائك منجرفين مع الأطروحات المزخرفة :العربية"القومجية" و"الإسلاموية"والغربية-التي هي كل يوم في شأن-الساعية كلها دوما، إلى"التغيير":تغييرالعالم( العربي-الإسلامي)؟أوالعالم برمته؟تحت وطأة إيجاد"الأحسن the best ،ليستهدي بها العرب حتى في مراحل الغرب الأكثرإنحرافا وهذيانا؟- يتساءل خبير الأنثروبولوجيا الإقتصادية- الفرنسي" سيرج لاتوش"

وهل هناك نموذج "للخلافة الراشدة"كمصطلح تلوكه الأشداق الإسلاموية"النيرة"منذ قبيل الربيع العربي وما بعده ؟
-وهل وجد في تاريخ الغرب"الغروبي"الحالي ،مرحلة"عملاتية نموذجية-مستديمة"يمكن للعرب الإقتداء بها؟أم أن العرب سيظلون ينتظرون الإنتظار العبثي المثيرللضحك الضحل المرير،مثل"إنتظارغودو"لصامويل بيكيت؟علما بأن البشرية تعيش اليوم تهديدا غير مسبوق بالدماروالإبادات،منذ أن تم إستنبات فرق الموت والخراب من" القواعد"،وأخواتها من الزواحف على غرار"النصرة والدواعش"التي سيتناسل عنهما المزيد من القوارض"المبرجة"مثل"الروبوكوب"أو"مادماكس"أو :"التيرميناطور"من أجل إنجاز"الخلافة"أو"النهاية" ؟

وفي المحصلة:
فلا جدال في أن العرب اليوم–وهم سنم الإسلام ونواة حضارته- يعيشون أحلك ظروفهم التاريخية الصعبة:يعانون من فوضى عارمة،وقلاقل داخلية مرعبة،ومشرفون على حروب طاحنة،ستدوررحاها على الجغرافية العربية،ولن يستثنى من ويلاتها بلد عربي من نواكشوط إلى مسقط،ولن يستثنى منها الأمازيغي و العربي،او الفينيقي والكردي والأشوري والسني والشيعي والإباضي :بالفتن والإقتتالات الداخلية،والمكائد الخارجية،أوبالتهديد المتواصل بالحديد والنار،أمام عقم السياسيين العرب المحليين وتخابث الساسة الغربيين،وغياب النخب المفكرة العربية،وتغييب مثقفيها الصادقين،وعجزالفقهاء والعلماء والمفتين والمصلحين،وفشل ثرثرات الإقتصاديين ..،أوهؤلاء أجمعين. .

فما أحوج العرب اليوم– والحالة هذه- إلى أن يُرجعوا البصر إلى الوراء،وأن يُلقوا دلاءهم في ينابيعهم،لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم"مثل أمتي كالمطر،لا يدري أوله خيرأم آخره" فلا يقبل كل جديد لجدته،أو يرفض كل قديم لماضويته–تحت مسميات"حداثوية"تطفح بالغرابات ،وأن تتجه أبصارهم-في خضم هذه العواصف اللواحة،والسيول المدمرة- إلى المستقبل والماضي معا،-

و من أجل أن يخرج العرب من خيباتهم المتتالية والمستعصية التي طالت منذ عصور،ألاَ يُقبلوا على المجهول-في مواجهة الأعداء والمناوئين والأغيار-،إلا وفي أيديهم قدركاف من المعلوم،ولايَرِدوا حِياض الغير-مبدئيا-إلا إذا نهلوا من مصادرهم الحية أولا،وأن يرتووا من ينابيعها قبل نضوبها،..ثم عندها يأخذون من غيرهم ويتركون،ولن يكونوا بذلك نشوزا في تاريخ البشرية،فسنة رب العالمين في الخلق هي التعارف والتقابس والتلاقح و(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) والعاقبة للمتقين.

ولا بد لأهل الخيرمن العرب جميعا–شعوبا ومذاهب وإيديولوجيات-،من أن يُلقوا منهم الدلاء حيث هم،فما أزخرالأعماق عندهم بالكنوزلو كانوا يعلمون"..،وليأخذوا من حضارتهم بالأسباب الأولى لنجاحها-كما بدأت أول مرة-وهوالسموعلى ماديات الحياة والخلافات والتفريعات والشنشات وسفاسف الأمور،وليتعظوابما إتعظ به أصحاب الحضارة الغربية التي أعلنت إفلاسها منذ عقود،لخلوها من الروح وغياب"المعنى"والقصد"بالرغم من متانة تنظيرفكرها و"عقلانيتها"وقوتها المادية والعسكرية"وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ"
فلا بد، والحالة هذه، من أن يعمل العاملون الصادقون في محاولة إيجاد مسوغات توحيد الأمة على كلمة
واحدة- مع إحترام حق الخلاف والإختلاف
من باريس
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.