صفاقس.. تواصل اعتصام عدد من المعلمين بمقر مندوبية التربية    لجنة التشريع العام تعقد جلسة استماع حول مقترح القانون الأساسي المتعلق بتنظيم مهنة عدول الإشهاد    من هو البابا ليو الرابع عشر؟    في أحضان الطبيعة ...«ماراطون» بازينة تظاهرة رياضية بأبعاد سياحية    بعد انتصار السنغال .. منتخب الأواسط يودّع ال«كان»    3 سنوات سجنا لرضا شرف الدين مع خطايا تناهز 72 مليون دينار    منسّق تظاهرة «خمسينية رحيل أم كلثوم» يردّ.. و«الشروق» تعقّب    بومرداس ..رفض أصحابها تلقيحها.. نفوق 8 أبقار بمرض الجلد العقدي    منبر الجمعة: واعرباه. وا إسلاماه. هل من مجيب؟!    ملف الأسبوع: مهلكة عظيمة: لا تتتبعوا عوراتِ المسلمينَ... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تعقيب المحرّر    تحذير من الاستعمال العشوائي للمكملات الغذائية    أيمن كراي يطلق جديده الغنائي "ما نلوم" ويعد بمفاجآت قادمة    إثر تواتر الجرائم: أهالي هذه الجهة يطالبون بتعزيز الحضور الأمني.. #خبر_عاجل    عاجل/ انفجارات قوية تهُز مطارا في الهند    خيمة الفلاحة تعود إلى شارع الحبيب بورقيبة: الجودة والأسعار في متناول الجميع    الدورة السابعة من مهرجان ألتيسيرا الدولي للمونودرام من 11 إلى 14 ماي 2025    جراحة السمنة تُنهي حياة مؤثّرة شهيرة    الكاف: الكريديف ينظم تظاهرة فكرية ثقافية    نابل: انطلاق الدورة التاسعة من مهرجان الخرافة بدار الثقافة حسن الزقلي بقربة تحت شعار التراث والفن    السعودية: غرامة تصل إلى 100 ألف ريال لكل من يؤدي الحج دون تصريح    تونس تحتضن النسخة العشرين من دورة تونس المفتوحة للتنس بمشاركة 25 دولة وجوائز مالية ب100 ألف دولار    موعد مباراة باريس سان جيرمان وإنتر ميلان والقنوات الناقلة    اتحاد الفلاحة: نفوق عدد من رؤوس الماشية بالكاف بسبب الأمطار والبرد.. ومطالب بالتعويض    لا تستيقظ إلا بالقهوة؟ إليك بدائل صحية ومنشطة لصباحك    Titre    عاجل/ باكستان: "لا مجال لخفض التصعيد مع الهند"    وزارة التجارة: استقرار شبه تام لأغلب المواد الإستهلاكية مطلع 2025    عائلة الراحل سمير المزغني تهدي عمادة المحامين مكتبة    شي يدعو إلى حماية إرث الانتصار في الحرب العالمية الثانية    أنس جابر إلى الدور الثالث من بطولة روما دون خوض المباراة    الرابطة المحترفة الاولى (الجولة 29) : طاقم تحكيم مغربي لكلاسيكو النادي الافريقي والنجم الساحلي    تسجيل كميات هامة من الامطار في اغلب جهات البلاد خلال الاربع والعشرون ساعة الماضية    عاجل/ والي بن عروس يصدر قرار هام..    عاجل/ الداخلية: ضبط 217 عُنصرا إجراميّا خطيرا بهذه الولايات    المديرة العامة للمرحلة الابتدائية: وزارة التربية على أتمّ الاستعداد للامتحانات الوطنية    تراجع التوجه إلى شعبة الرياضيات من 20% إلى 7%    سوق الجملة ببئر القصعة: ارتفاع أسعار الغلال خلال أفريل 2025    منوبة: حجز أكثر من 650 كلغ من لحوم الدواجن في حملة مشتركة على الطرقات ومسالك التوزيع والأسواق    عاجل/ احالة هذا الوزير على أنظار الدائرة الجنائية المختصة من أجل شبهات فساد..    نصائح طبية للتعامل مع ''قرصة الناموس'' وطرق للوقاية منها    زغوان: افتتاح معرض التسوق على هامش الدورة 39 لمهرجان النسري    "كامل وشامل".. ترامب يعلن عن اتفاق تاريخي مع بريطانيا    عاجل/ بعد تنفيس سُد ولجة ملاق الجزائري نحو تونس..اتحاد الفلاحة يكشف ويُطمئن التونسيين..    تطوير منظومة اللحوم الحمراء: تشكيل فرق عمل بين 3 وزارات لتحسين الإنتاج والتوزيع    هيئة السلامة الصحية تتلف أكثر من 250 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة في ميناء رادس    الأمطار مستمرة في الشمال: التوقعات الجديدة لحالة الطقس هذا الأسبوع    الاتحاد التونسي للفلاحة: الفلاحون يلجؤون إلى الفايسبوك لبيع خرفان العيد وتجاوز الوسطاء    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية برئيسي البرلمان ومجلس الجهات والأقاليم..    فضيحة ''المدير المزيّف'' تطيح بأعوان بإدارة الفلاحة    اليوم: طقس ممطر والحرارة تصل إلى 38 درجة بأقصى الجنوب    أزمة كشمير: ضحايا وجرحى في قصف باكستاني.. وإسقاط "درون" هندية    ثلاثة جرحى في حادث دهس في باريس وهذا ما قالته الشرطة الفرنسية    عاجل/ سيناريو ماي وجوان 2023 سيتكرر بقوة أكبر وأمطار غزيرة متوقعة..    سامي المقدم: معرض تونس للكتاب 39... متاهة تنظيمية حقيقية    وزارة الصحة: احمي سَمعِك قبل ما تندم... الصوت العالي ما يرحمش    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخي إلياس خوري، هل توصّلتَ برسالتي ؟
نشر في الحوار نت يوم 10 - 04 - 2016

قرأتُ ما كتبتَه في القدس العربي يوم 4 أبريل 2016 عن " فزاعة التوطين والاستعباد الجنسي " دفعة واحدة وكأنّك جالس أمامي أو بقربي تتكلّم إليّ وأنا أسمعك دون أن أقاطعك. قرأتك وسمعتك إلى درجة أنني أخذت بدوري كلماتي وقذفتها دفعة واحدة حتى أنهيتها أو بالأحرى أنهكتني ! هذا هو حال الكتابة الحقّة : أمواج عنيفة، مرتفعة ومرتطمة، تخبط صاحبَها رامية به إلى الأغوار، وتستدرج قارئَه إلى 'هَوْلِها' المظلم في حركيّة هائجة وإيقاع قوي سريع غير منقطع، ثم تتقدم به إلى الأمام لتلفظه، كحوت يونس، على شاطئ ما !
كلماتك، ياصاحب الضمير اليقظ، حيّة بالمعنى الحرفي لِما تعبّر عنه أي أنها منفعلة غاضبة ساخطة ثائرة، جريحة مؤلمة حزينة، لكنها بالخصوص شجاعة وصائبة، بل أكثر من هذا وذاك هي صادقة ومخلصة لنفسها أي للقيم التي تدافع عنها وتدعو لها.
أنت بهذا تحقّق لكتابتك خاصية قلّما توجد في كتابة الآخرين من المفكرين والمحللين والأدباء. أقصد الانسجامَ بين الكتابة والرؤية الإنسانية (الحضارية) للمفكّر كفرد اختار لنفسه أن يكون من بين المُرمى بهم في شدق " حكمة " طاحونة الأحداث. وأنت تعرف أنّ الكلام فعل حقيقي كما الكتابة هي الأخرى كلام ينبع من الأحشاء وله واقع يؤكّد أنه جزءٌ لا يتجزأ ممّا يكتب الكاتب عنه ويتحمّس له ويحلم به ويصبو إليه. إنّ القرّاء لَيُحِسّون أمام كلام كتابتك أنهم أمام مثال ملموس لمقاربة ابن جنّي للكلام حين قال في ' خصائصه ' ما معناه فأصاب : وإنما الكلام من الكَلِم أي أنه نتيجة مباشرة لحاجة الجراح والآلام في الإفصاح عن نفسها بأصوات وحروف وصياغة تخرجها إلى الوجود المرئي لعلّها تلقى صدى إيجابيا عند الأحياء .. لكن، للأسف – لا جدوى من إضافة ' الشديد ' أو صفة أخرى من صفات القوة السلبية المتعدّدة لحالة الأسف - لا حياة لمن تنادي ..
وأنا أقرأ هذه الصرخة العالية المتفرّدة ضدّ الانحطاط وضدّ الفضيحة وضدّ التعفّن وضدّ التفسيرات المتفذلكة الهاربة من الحقيقة المُرّة الساطعة العارية، وضدّ الانهيار الأخلاقي المثير للاشمئزاز، أراكَ محمرّ الوجه، مقطّب الحاجبيْن، تشير بيدك في كلّ اتجاه، تضرب بقبضتك على الطاولة، تقوم من مجلسك، ترمي بنظرك إلى أفق ما، تتكلم بسرعة البرق وقوة الرعد... كلّ هذا ليس لأنّك لا تفهم ما يحدث لنا بل لا تفهم كيف لا يفهم كلّ مسئول أنه يقود البلد والوطن إلى الهلاك اليقين بعيون مفتوحة مائة بالمائة. اسمح لي هنا أن آخذ منك عبارة أعتبرها خلاصة الخلاصات المتعلقة بواقعنا الشكيزوفريني (المنفصم ذاتيا) الذي يمكن تعميمه دون مبالغة على مرضنا الجماعي العضال : " هؤلاء السوريات اللواتي تلطخت أجسادُهن وأعمارُهن أشرف وأنقى وأطهر منا جميعا، إنهن مرآتنا التي تنتصب في وجوهنا كي تقول إنه آن الأوان كي ننظر ونرى. نظرة واحدة في هذه المرآة تكفي كي تكشف كل شيء، ونكون وجها لوجه أمام هذا العار الذي صار عارنا جميعا ".
عارنا، ياأخي إلياس، أنّنا داعشيون حتى النخاعة، بل إننا أدعش من داعش لأننا بكل بساطة ما زلنا نصرّف – كما فعلنا لمدة طويلة في الماضي- فعل ' دعش ' في الحاضر، وحالنا يقول أننا سنتفنّن في تصريفه إلى المستقبل القريب والبعيد، بلهجة الأمر وتحت كلّ أشكال الإثبات.
الداعشية، كفكر وسلوك مترادفيْن للهمجية والبربرية والوحشية والتخلف، هي الوجه الذي يرفض أن ينظر إلى نفسه في المرآة. إنّ عقيدته قائمة على تكسير المرايا والايمان بالتوهّم والأشباح والموتى. ونحن، على كثرتنا، دواعش عوالمُها نُحتت من شظايا هذه المرايا الراقدة في سجون وسراديب وعتمة كبت جنسي مسموم، وإحباطات متكرّرة مدمّرة للإرادات !
بصراحة، كم أتمنّى أن أكون بجوار إنسان مثلك نتكلّم ونتناقش كي أستفيد من رؤاك ووجهات نظرك. لكن بما أن هذا غير ممكن تبقى الكتابةُ المتكلّمةُ الجسرَ الذي يسمح بالعبور إلى الجهة الأخرى والارتماء في فضاءات الآخرين ورؤاهم التنويرية. إنها تسمح بالتقريب بين العقول والقلوب، وتعمل على الجمع بين الأفكار والمواقف، والدفع بالمشاعر والأحاسيس إلى التداعي والتفاعل في زمن عربي إسلامي يبتعد أكثر فأكثر عن ذاته وثوابته، ولا يفهم أنّ المخرج الوحيد يكمن بالأساس في التفاتة إنسانية إلى الآخر الذي يطالب بحقه الطبيعي في أشياء اسمها الكرامة والحرية والعدالة.
باحث عربي وأكاديمي من فرنسا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.