مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عام هجري جديد .. عام مبارك سعيد 1438/ 2016
نشر في الحوار نت يوم 09 - 10 - 2016

الإسلام دين الوسطية، ولقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الوسطية (جَعْلاً إلهيّا)، وليس مجرد خيار من خيارات المؤمنين بالإسلام، فقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة:143). ونحن نلاحظ أن هذه الآية الكريمة قد جعلت الوسطية علة وسببا يترتب عليه اتخاذ الأمة الإسلامية موقع (الشهود) على العالمين، بما في هذا العالمين من أمم وشعوب وملل ورسالات وثقافات وحضارات. وذلك التعليل وثيق الصلة بمعنى (الوسطية) ومعنى (الشهود)..

وسطية الإسلام رافضة للغلو المادي والغلو الروحي
فالوسط كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العدل. والعدل هو الشرط المؤهل للشهادة والشهود على العالمين. ولأن هذه الأمة الخاتمة قد آمنت بكل النبوات والرسالات والكتب السماوية، كانت وحدها المؤهلة عدالتُها بالشهادة على العالمين، بما في ذلك الشهادة على تبليغ كل الرسل رسالاتهم إلى أمم هذه الرسالات
فوسطية الإسلام الرافضة للغلو المادي والغلو الروحي، كما يعرفها الدكتور محمد عمارة- حفظه الله- في إسلامية المعرفة.. ماذا تعني؟ للدكتور محمد عمارة،( دار المعارف، القاهرة 1999م) هي وسطية لا تلغي المادة والمادية ولا الروح والروحانية كليا، وإنما هي الوسطية الجامعة لعناصر الحق والعدل من المادية والروحانية جميعا، على النحو الذي يوازن توازن العدل بينهما. ولذلك فإنها (هذه الوسطية الإسلامية الجامعة) تصوغ الإنسان الوسط: راهب الليل وفارس النهار، الجامع بين الفردية والجماعية، بين الدنيا والآخرة، بين التبتل للخالق والاستمتاع بطيبات وجماليات الحياة التي خلقها الله وسخرها لهذا الإنسان

يوم العيد أشبه بيوم الوعيد، أشبه بيوم القيامة
ولنتذكّر أنّ الهجرة تتطلب الصبر، والصبرُ ثوابه الجنة، وهو نصفُ الإيمان، وأن قيامَنا بمسئولية الدعوة، أمانةٌ عظيمة، أمانة الأنبياء عليهم السلام، مطمئنّين إلى وعد الله: (وعَدَ الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات، لَيستخلفنّهم في الأرضِ كما استخلفَ الذين من قبلهم، ولَيمكّننّ لهم دينَهمُ الذي ارتضى لهم، ولَيبدّلنّهم من بعدِ خوفهم أمناً..)، هذا وعد حق من الله العلي العليم ... فاللهم لا أمن إلا أمنك، و لا ملجأ منك إلى إليك.. أنت رجاؤنا و منقذنا، فإن لم ترحمنا لنكنن من الخاسرين.. فلا تجعلنا من الخاسرين في يوم عيدنا هذا يا أرحم الراحمين.. لا لشيْ إلا لأن يوم العيد أشبه بيوم الوعيد، أشبه بيوم القيامة، مصداقا لقوله تعالى:" وجوه يومئذ مسفرة، ضاحكة مستبشرة، ووجوه يومئذ عليها غبرة، ترهقها قترة" عبس:37، فأما المستبشرون الفرحون ، فأولئك الذين أتم الله عليهم نعمة الصيام و القيام، فهم في هذا اليوم يفرحون وحق لهم أن يفرحوا. وأما الوجوه التي عليها غبرة، ترهقها قترة، فوجوه أولئك الذين لم يقدروا نعمة الله، و لم يمتثلوا لأمر الله في الصيام والقيام، فيا ويلهم ثم يا ويلهم ( فلا صدق و لا صلى، و لكن كذب وتولى ، ثم ذهب إلى أهله يتمطى، أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى) القيامة 31-37، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجرُ من هجر ما نهى الله عنهُ" متفق عليه.

قصة وعبرة، من هجرة الرسول و أصحابه
وقفة مع هجرة الرسول، دروس وعبر بمناسبة هجرة العديد من المهجرين قصرا للغرب وترك اموالهم و ممتلكاتهم، فيهم نسى أو تناسى من أين جاء، دخل في المجون والبذخ، نسوا صيامهم، نسوا هموم بلدانهم، تنكروا لأصولهم، للغتهم، خلعوا لباس الحشمة نساء و رجالا، وهتكوا صيام رمضان.. ، فكيف هاجر الرسول وأصحاب الرسول ؟

لما هاجر أصيل الغفاري، فقال له النبي:(يا أصيل! كيف عهدت مكة؟) قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها، وأسلت ثمامها، وأمشّ سلمها، أي أن أصيل بدأ يتكلم عن جمال مكة .. وهواء مكة.. و زينة مكة .. فاسكته الرسول وقال له: "حسبك يا أصيل لا تحزنا، لا تبكينا.. دع القلوب تقر قرارها"... حتى أن النبي بكى لفراق مكة، بل كان يخاطبها، و يقول: "ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك" و قال أيضا صلى الله عليه وسلم:" اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد"
و الواقع أنه من زار مكة يعرف أنها صحراء، لا تصلح للعيش بوصف القرآن الكريم نفسه،" وادي غير ذي زرع".. لكنها كانت له وطن، ولا يعرف الوطن إلا من عاش مرارة الغربة.. القرآن جعل ألم الغربة أو فراق الوطن بعد ألم الموت مباشرة ، حيث قال تعالى:(:
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ) من سورة النساء، فكما أن الموت فراق فالهجرة القصرية أيضا تمزق وفراق ..
حتى في العقوبات السياسية يأتي النفي من الوطن كعقوبة مباشرة بعد الإعدام، و لنا في التاريخ أسماء كبيرة، عبد الرحمان الداخل، عبد الرحمان الكواكبي ، الأمير عبد القادر الجزائري، العلامة بن خلدون، نابليون و غيرهم..
حتى " المهاجرين" في تاريخ الاسلام، بقي اسمهم " مهاجرون" بالرغم من قسوة هذه الكلمة ومرارتها.. حتى النبي ظل اسمه النبي المكي القرشي، بالرغم من أنه عاش أهم فترة للرسالة في المدينة، لكنه ما خلع جلده وما تنكر لأصله، بالرغم من كل السوء و الظلم الذي لحق به من أذى الناس له..

هاجر الرسول ليعلمنا أن الهجرة محنة ومنحة
الرسول هاجر لكنه أسس امة عاد بها إلى مكة و دخلها برايات بيضاء و خضراء
هاجر صلى الله عليه وسلم و معه مسلم واحد، لكنه عاد إليها و معه 10 آلاف مسلم .. و مع ذلك لم ينقل الرسول مركز الدولة الإسلامية من المدينة إلى مكة .. حتى أنه لم يوصي أن يدفن في مكة أو ينقل جثمانه الشريف من المدينة إلى مكة مسقط رأسه..
هو هاجر صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن الأهداف تبقى ثابتة، رغم قسوة الظروف، ليعلمنا أن عملنا ليس بالضرورة أن يكون في الوطن، لكن أثره لا بد أن يصل إليه ..
هو هاجر صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن المكاسب في الغربة قد تكون أكثر بكثير من الخسائر لو أردنا نحن أن نحولها نحو لذلك..
هو هاجر صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن كثرة الناس من حولنا لا تجلب السعادة بالضرورة، ولا غيابهم يجلب البؤس بالضرورة..
هو هاجر صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن ما بين أهدافنا و تحقيقها حاجز هو نحن، أنا أو أنت..
هو هاجر صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن الحق جهاد و العلم جهاد و العمل جهاد و العبادة جهاد إذا كانت خالصة لوجه الله العظيم الحليم الكريم..
هو هاجر صلى الله عليه وسلم ليعلمنا أن الحق عالي و العلم غالي والكسب غالي، و ثمن الغالي غالي .. لا يناله أصحاب الخمول..
هو هاجر ليعلمنا، أن الحرية هي حرية الفكر و الكلمة ، لا حرية العري و التنكر للمبادئ..
هو هاجر ليعلمنا أن النهضة تبدا بفكرة مع يدين مرفوعتين إلى السماء و قلب منكسر معلق برب السماء ..
هو هاجر ليعلمنا أن هذا الكون هو أكبر مني و منك، فيه من الاختلاف ما لا يسعه عقلي و عقلك، بل يسعه قول الله تعالى :" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ ..
و أننا خلق بين الخلق ، و أمة بين الأمم ، لن تحترم ، إلا إذا هي احترمت، و أن الاعتزاز بهويتنا وديننا ، هو إعتزاز بإنسانيتنا في الاختيار..
هاجر ليعلمنا أن نفكر بالرأي المخالف من وجهة نظره هو، لا من وجهة نظرنا نحن، و أن نرى بعينه وأن نسمع بأذنه فلربما حكمنا إذن بحكمه ..
هاجر ليعلمنا أن لا ننتظر بل أن لا نتأمل من أحد شيء فالأمل الوحيد هو بالله و حده و منا و من مجهودنا الفردي أو الجماعي..
هاجر ليعلمنا أن الخير موجود في كل مكان، نحن الذي لا نراه عندما لا نمعن النظر..
ليعلمنا أن الآخر ليس دائما على الخطأ، ممكن نحن الذين لا نسمع بإصغاء عندما يأخذنا الغرور بالنفس ..
هاجر ليعلمنا أن الحرية هي ما يجعل الانسان إنسانا و يكرمه فوق غيره ..
هاجر ليعلمنا أن أن الهجرة قد لا تكون بالضرورة النهاية، بل ربما تكون بداية كل شيء..

الهجرة للغرب عبادة و ليست انفلات ولا انطلاق شهوات
أيها المسلمون في الغرب كما في الشرق، الهجرة أيام سياحة و عبادة و ليست ايام انفلات ولا انطلاق شهوات، كما هو الحال عند بعض الملل والنحل، التي نعيش اليوم بين ظهرانيهم في ديار غرب مضيافة، هجرات بعضهم شهوات، إباحية وسكر وملذات.. أما هجرتنا فهي عبادة تبدأ باسم الله و الله أكبر، وتختتم بالصلاة والسلام على النبي الأكرم.

و المسلم الصادق مع ربه يعطي كل شيء ولا يطالب بأي شيء من زخرف الدنيا وحطامها، عدا مغفرة الله ورضوانه، ورحمته غدا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ..امتثالا لقوله تعالى:( هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) ( سورة محمد ).

بمثل هذا الموقف من الحياة والمبدأ والرسالة والقضية.. وحده تتكامل إنسانية الإنسان، وترتقي روحه وتتكامل وتتوازن، ويرتقي طموحه ويسمو، ويحس بقيمة حياته ولذة جهده، حين لا يعيش أنانيا لنفسه فقط، بل يعيش لرسالة سامية، غالية الثمن .. يعيش لهمٍّ وأمر آخر أعظم و أجل، يكبر ويعظم نفعه ويعم بكبر بعد نظر أصحابه، وتفانيهم في خدمة قضيتهم الإسلامية العادلة، التي لا ينبغي أن تتزعزع ثقتهم فيها، أو يفتر حماسهم وتصميمهم على البلوغ بها إلى نهايتها المأمولة، التي تعيد الحقوق إلى أصحابها، وفي مقدمتها حق الإسلام في هذه الديار الغربية و غيرها أن يُحترَم، وأن يعلَّم ويُتعلَّم، وأن يُدعا إليه بحرية، وأن يحترم دعاته من الرجال والنساء، وأن تحترم المؤسسات الفكرية والتربوية والثقافية والاجتماعية .. التي تقام لخدمة هذا الإسلام العزيز

إرسال بطاقة تهنئة السنة الهجرية، تفتح نافذة الإحسان بيننا و بين الاخر في أرض الهجرة
وكما لا يخفى علينا فإن الإحسان للآخر - مهما كان هذا الآخر، مسيحيا كان أو يهوديا وحتى مجوسيا- من غير المحاربين طبعا- و التفكير في حاضر الأمة ومستقبلها ومصيرها، له تأثير مدهش في انشراح الصدور، والارتفاع بإنسانية الإنسان إلى الحد الذي يحس فيه أنه مسؤول عن الإنسان أينما كان هذا الإنسان ... وهو ما يعلمه لنا القرآن، ويدعونا إلى الارتقاء إلى مستواه في مثل قوله تعالى: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) ( سورة العنكبوت: 69 ) ، نعم : وإن الله لمع المحسنين، مهما كانوا وحيث ما وجدوا، حتى ولو كانوا من أقوام غيرنا، و بالتالي أصبحت التهنئة بالسنة الهجرية من الدعوة للتعارف، و فينا من تأتيه تهنئة السنة الميلادية واليهودية، فكيف لا يرسل بطاقة التهنئة الهجرية، ليفتح نافذة بينه و بين الاخر في المدينة الواحدة في بلاد الغرب، هذا ما أفتى به الشيخ فيصل مولوي رحمه الله، و من سبقه في أوروبا..

صحيح أن المرء يكون أحيانا في حيرة من أمره، أمام تعدد المشاكل والإكراهات وتنوعها، لكن ذلك كله لا يجب أن ينسينا بأي حال أننا مسلمون .. أننا محاسبون اليوم قبل الغد، عن ماذا قدمنا لقضيتنا، لا بل قضايانا المتعددة و جراحات أمة محمد الدامية؟ وعن ماذا قدمنا لهذا الإسلام العزيز، الذي نتشرف بالانتماء إليه و تمثيله، أما اليوم، فقد يتقاضانا العرف والعادة أن نفرح في العيد الهجري الجديد ونبتهج وأن نتبادل التهاني، وأن نطرح الهموم بعض الوقت، وأن نتهادى البشائر، في حين، يحاسبنا و يتقاضانا إسلامنا الممتحن في كل مكان من أرض الإسلام، لأننا لسنا سواح في هذه الديار ولا طامعي قوت، رغم أن السياحة حلال طيب مباح و الارتزاق و الكسب الحلال مشروع طيب.. كل هذا يشجعنا على العمل من باب مخاطة الناس و الصبر على أذاهم، عملا بقول الرسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"

الهجرة محطة للمحاسبة و التذكر

لابد أن ينظر الإنسان في عمله ويتأمل حاله كيف قضى عامه ؟ وفيم صرف أوقاته ؟
في عامه الراحل كيف كانت علاقته بربه ؟ هل حافظ على فرائضه و اجتنب زواجره ؟ هل اتقى الله في بيته
هل راقب الله في عمله و كسبه وفي كل شؤون حياته ؟
فإنه إن فعل ذلك صار يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه؛ ومن حاسب نفسه في العاجلة أمن في الآخرة ..... ومن ضحك كثيراً في الدنيا ولم يبك إلا قليلاً فإنه يخشى عليه أن يبكي كثيراً في حسابه فقد قال تعالى: (فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً- التوبة:82) قال إبن عباس رضي الله عنه :"الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا فإذا انقطعت وصاروا إلى الله تعالى استأنفوا في بكاء لا ينقطع عنهم أبدا "
إن عامنا يمضي و ذنوبنا تزداد وآخرتنا تقترب ونحن عنها غافلون إلا من رحم ربك من عباده المخلصين.. وللأسف نمن على الله بالطاعات و نواجهه سبحانه بالكبائر والموبقات ونقول إن الله غفور رحيم ونلغي من قاموسنا أن الله شديد العقاب
فيامن ابتلي بالبلاء، كما يقول أحد الصالحين:
تذكر : ان الله عزوجل يبتلي العبد وهو يحبه ، ليسمع تضرعه
تذكر :ان أفضل العبادة انتظار الفرج. تذكر: ان ما يكره العبد خير له مما يحب ، لأن ما يكره يهيجه على الدعاء
وما يحب يلهيه عنه . تذكر : ان المؤمن أمره كله خير . تذكر : ان من اتبع الصبر ، اتبعه النصر
تذكر : ان من صبر ظفر . وان الصبر مفتاح الفرج .. وعند اشتداد البلاء، يأتي الرخاء
تذكر: ان رُب محبوب في مكروه. ومكروه في محبوب، وكم من مغبوط بنعمة هي داؤه. ومرحوم من داء هو شفاؤه
تذكر : ان من ساعة إلى ساعة فرج .. تذكر : رُب خير استفدته من شر .. ونفع من ضر
تذكر : انه ربما امتحن الله العبد ، بمحنة يخلصه بها من الهلكة فتكون تلك المحنة .. منحة أجل من نعمة
تذكر : إن كل مقدر كائن ولا بد .. تذكر ان من لم يرضي بالقضاء والقدر ، لم يهنأ له عيش
تذكر : ان المحن تأديب من الله ، والأدب لا يدوم ، فطوبى لمن تصبر على التأديب
تذكر : أن الفرج والروح والحياة في اليقين والرضا ، والهم والغم والحزن في الشك والسخط
تذكر : أن المحن فيها تمحيص من الذنب ، وتنبيه من الغفلة ، وتعرض للثواب بالصبر ، وتذكير النعمة

فتحية ود و سلام إخاء، إلى كل مؤمن عامل صابر محتسب هل عليه هلال العام الهجري الجديد في بلاد الغربة، فكان من الفائزين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون.
وتحية ود و سلام إخاء، إلى كل من صفا قلبه، فصفا ليله و نهاره مع الله، يناجي ربه في أحب أوقاته، راجيا أن يفتح له الأبواب، و يؤمنه من الفزع الأكبر يوم الحساب.. فاللهم أمنا من الفزع الأكبر يوم الحساب .. وعام هجري جديد عام مبارك سعيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.