لم يحقق العدو أهدافه المعلنة في اعتدائه على القطاع، سواء باستعادة الأسير الصهيوني، أو إعادة القطاع إلى حاضنة دايتون وأجهزته، لتوحيد شطري الوطن المحتل - حسب رغبة عباس ورهطه - وكأنّ الضفة والقطاع قبل الحصار كانا غير مقسمين بفعل الاحتلال، كذلك هو الحال بالنسبة لفلسطينالمحتلة عام 1948، وكأنّ الطرق كانت ميسرة، اللهم لحملة البطاقات المدعومة "إسرائيليًا"!. ولم يتم القضاء على البنى التحتية للمقاومة، بل اشتد عودها، وبدت جاهزة لصد أي هجمة "إسرائيلية" والقوات الصديقة لها في آن. كما أنّ الأهداف غير المعلنة لم تتحقق، كالاستيلاء على احتياطات الغاز في القطاع وتحويله إلى ميناء أسدود المحتل، وفتح معبر رفح وفق اتفاقيات المعابر عام 2005، المبرمة مع سلطة أوسلو، وفق إملاءات "إسرائيلية". الحروب عادة لا تقاس بالخسائر البشرية والمادية، إنما بنتائجها، على الرغم من استشهاد نحو ألف وخمسائة من المدنيين الأبرياء، وتشريد عشرات الآلاف من الأسر بلا مآوى، ومحاولة توريط فصائل المقاومة وفي مقدمتهم حماس، بالتوقيع على ما يُسمى المصالحة الوطنية، والتي تعتبر ملزمة بصرف النظر عن الملاحظات عليها، التي ستوضع في أدراج النسيان، وما تحويه الورقة المصرية، من اعتبار كل سلاح خارج الأجهزة الأمنية غير شرعي، والرئيس أيًا كان المخول الوحيد بالتنازل والتفاهم عن أي صفقة قادمة مع "شركاء السلام". من المفترض بعد بناء سور الإبادة الجماعية، أن يُسحب دور ريادة النظام المصري غير الوطني، فلا هو وسيط "محايد" في صفقة إطلاق الأسرى، ولا هو كذلك بتصدر المخابرات المصرية غرفة الاجتماعات في الحوارات الفلسطينية - الفلسطينية السابقة، ويكفي أنّ النظام الساداتي، استرد سيناء مقابل الاعتراف بشرعية سرقة العصابات الصهيونية لأرض فلسطين عام 48، وأن تكون سيناء مجردة من السلاح، ويسمح باستباحة الصهاينة لأرض وسماء ومياه مصر. بعد عام على الاعتداء الهمجي وحصار ثلاث سنوات على القطاع، وصلت هدية النظام المصري للشعب الفلسطيني في غزة، صُنعت في أمريكا العظمى، فلقد بات صمود شعب القطاع أخطر بكثير على مصر من السلاح النووي "الإسرائيلي"، وبات أمنه القومي محصورًا في كيفية الاغتيال الجماعي، لشعب يرفض الركوع!. لا.. بل سارع إلى بناء أفعى تتلوى على الحدود المصطنعة، تلبية لاستحقاقات التواجد الأمريكي - الصهيوني في مصر. إنّ السيادة المصرية أصبحت الشماعة التي يعلق النظام ذرائعه الواهية عليها، فالفلسطينيون ليسوا بوارد الاعتداء على مصر، وجلّ ما يريدونه الثبات والصمود في أرضهم، إلّا أنّ ثمة أبعادًا أخرى وراء التودد ومحاباة (العدالة الأمريكية)، وهي الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر، ومن يكيل بالقمع والاستبداد والقهر لشعبه ويخنق الشعب الفلسطيني، يصبح مؤهلاً للفوز بالعرش. على أي حال، الشعب الذي صمد أمام "الرصاص المصبوب" لن يثنيه البحث عن إيجاد طرق أخرى، للخلاص من السور الفولاذي، فالجزر له مواسمه، وأهل سيناء لن يعدموا الوسائل لتجاوز الموانع وإعطاب قنوات المياه المالحة، والصحراء تجبّ المياه، والطبيعة لها قوانينها، أو على الأقل العمل على تأخير استكمال بنائه، واستهداف آلالات الحفر وإعطابها. ستبقى غزة العزة أبية بأحرارها، وبمن أبدعوا في مجالات علمية ومعرفة الطبيعة الجغرافية للمنطقة، ولن يعجزوا عن تخطي أزمة سور مصر العظيم!، الذي لم يُبن حينما كانت "إسرائيل" محتلة للقطاع، وكانت دباباتها وقواتها تصول وتجول على الحدود. من المفارقة المؤلمة، أنّ مسيرة شريان الحياة مصرّة على الوصول إلى الشاطئ المجروح من العرب الصامتة عن تقديم مساعدات مشهودة والمتواطئة على حصاره، وجورج جالوي الأكثر عروبة من أعراب النفاق، يتقدم صفوف المسيرة، فضلاً عن خيرة رجال العرب والأحرار في العالم، يجازفون بأرواحهم، ليقفوا ويساندوا شعب المخيمات والملاجئ الصابرين والصامدين في أرضهم، ويصرّ النظام المصري على عرقلة مرور المسيرة، في حين يُستقبل بحفاوة بالغة من هدد بتدمير السد العالي، وعلم (من الفرات إلى النيل) يرفرف في سماء القاهرة. غزة عاصمة المقاومة.. أسطورة حية، أضاءت كل بيت، تروي للعالم بأسره، معنى التمسك بحق الدفاع عن الأرض والوجود، بالأفعال لا بالأقوال.. حماها الله لنا أرض العزة والكرامة، وما الصمود إلا خطوة على طريق الأقصى المبارك مهما طال الزمان. سوسن البرغوثي