من بلدٍ كان حاضراً دائماً في الأزمات العربية حضوراً وادعاً وإيجابياً إلى بلد صار مقترناً بدعم الطغاة عربياً وعالمياً وإلى بلد صار يوصف بأنه رأس الحربة في القضاء على الربيع العربي الذي مثل أشواق الشعوب العربية للحرية. تغيرات بدأت تظهر على سطح السياسة الخارجية منذ 2004 عندما توفي مؤسس الدولة زايد آل نهيان وصار الحكم الفعلي لابنه محمد الذي يسعى لتوسيع نفوذه ليصبح صانع القرار في مصر والسعودية واليمن وليبيا وتونس ويضغط ليمده إلى قطر.. هذا الرحلة نرصدها هنا. في الأول من يناير 2013 قرر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي إطلاق اسم الشيخ محمد بن زايد على أحد أهم شوارع البلاد: "طريق الإمارات". رمزية تغيير اسم "الإمارات" إلى اسم ولي عهد أبوظبي، وافقت الواقع بالفعل، فالابن الثالث للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أصبح الآن أحد أهم الساسة، إن لم يكن أهمهم بلا منازع، كما أن العام 2013 كان العام الأكثر أهمية في نشاط بن زايد. يمكن القول إن بزوغ نجم محمد بن زايد بدأ قبل وقت طويل من تعيينه نائبًا لولي العهد في نوفمبر 2003، قبل عام من وفاة الشيخ زايد آل نهيان، الذي خالف ما كان قد أعلنه قبل ذلك بعدة سنوات من أن وريثه الشرعي الشيخ خليفة بن زايد سيتولى اتخاذ كل القرارات المستقبلية بما في ذلك ولاية العهد. قرار التعيين نفسه رغم مفاجأته لأوساط إماراتية عديدة، إلا أن هذه الأوساط نظرت للقرار باعتباره تحصيل حاصل، إذ كان يُنظر لمحمد بن زايد حينها باعتباره الأكثر تأثيراً بين إخوته، لا سيما بعد إدارته جولات مفاوضات معقدة مع الولاياتالمتحدة لشراء 80 طائرة من طراز "إف 16 بلوك 60" ضمن ما سوّقه على أنه خطة شاملة لتحديث سلاح الجو الإماراتي، وكذلك لتقديم نفسه كولي للعهد وحاكم فعلي للإمارات مع ضعف أخيه المريض "خليفة". هذا التأثير ظهر في وثيقة مسربة عبر ويكيليكس. إذ نقلت الوثيقة تفاصيل حوار دار في يناير/كانون الثاني 2003، قبيل الغزو الأميركي للعراق، بين محمد بن زايد، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة حينها، والدبلوماسي الأميركي ريتشارد هاس. فالوثيقة، وعلى الرغم من إشارتها للقاء هاس بوزير الدفاع وولي عهد دبي حينها، محمد بن راشد آل مكتوم، إلا أنها لم تشر إلا إلى تفاصيل الحوار الهام بين هاس ومحمد بن زايد، الذي انضم له مستشاره الخاص بالشؤون الدولية حينها، يوسف العتيبة، والذي لمع اسمه لاحقاً كسفير نشيط لمحمد بن زايد في واشنطن. ويكيليكس تقدم: أصدقاء الغزو انعقد لقاء ريتشارد هاس بمحمد بن زايد قبل شهرين تماماً من الغزو الأميركي للعراق، في هذا اللقاء، نقل محمد بن زايد للدبلوماسي الأميركي معلومات عن وضع العراق، وعن الشائعات التي تدور في بغداد، وعن كيفية احتواء الرأي العام العربي، منوهاً إلى أن الولاياتالمتحدة عليها أن تضغط على قطر من أجل كبح جماح تغطية الجزيرة. بل إن بن زايد نصح الأميركيين بألا يصطحبوا أي صحفيين في موجة الهجوم الأولى كي لا تثير مشاهد الضحايا المدنيين ردود أفعال عربية غاضبة، لم ينصح بن زايد هنا بتجنب قصف المدنيين، لكنه نصح بألا يظهر ذلك أمام الناس. نقلت الوثيقة أيضاً ما قاله بن زايد بأن لقاءً جمع بين الشيخ زايد آل نهيان، والأمير القطري حمد بن خليفة، والذي أعرب عن استيائه من طلب سابق لمحمد بن زايد، خلال الحرب الأميركية على أفغانستان، من الجنرال تومي فرانك بقصف مقر الجزيرة، وبحسب الوثيقة فإن بن زايد نقل ضاحكاً رد والده على الشيخ حمد "هل يمكنك أن تلومه على ذلك؟". في مقابل الرغبة في إبعاد الجزيرة، يدير محمد بن زايد شبكة إعلامية ضخمة، من الصحفيين المعروفين الذين يعملون لتنفيذ أجندته، ومن بينهم الكثير من الإعلاميين السعوديين فيما يسميه الناس "خلية الإمارات"، ومن أبرز وجوه هؤلاء المدير الحالي لقناة العربية تركي الدخيل الذي يملك مركز المسبار للأبحاث في دبي ويعمل فيه عدد ممن انقلبوا على السلفية الجهادية في السعودية، ويجري أبحاثاً عن أنشطة التيارات الإسلامية معظمها لصالح الجهات الأمنية الإماراتية، ويتباهى الدخيل بقربه من ولي عهد أبوظبي. وقد كُشفت مستندات تعود لعام 2012 عن علاقة وطيدة بين محمد بن زايد، وأخيه عبدالله من جهة، وبين تركي الدخيل. الوثائق أظهرت تحويلات بنكية من طرف عبدالله بن زايد لصالح تركي الدخيل. كذلك أوضحت الوثائق أن علاقات الدخيل بحكام الإمارات قبيل صعود الأمير الشاب محمد بن سلمان كانت أحد أهم أسباب ثرائه المفاجئ الذي ظهر في تضاعف قيمة محفظته الاستثمارية من 8.5 مليون ريال سعودي إلى 94 مليون ريال خلال 6 أشهر فقط. العلاقة بين الدخيل ومحمد بن زايد وصفها الأول بأنها "جيدة" في مقابلة أجراها في يناير 2014، وفي هذه المقابلة قال الدخيل: "فضل محمد بن زايد عليّ كثيرٌ وهناك العديد من النعم التي كان يغدقها عليّ، لكنني لست مستشاراً له". تصعيد تركي الدخيل ليعمل مديراً لقناة العربية في بداية 2015 جاء محصلة للتقارب الإماراتي السعودي، أو فلنقل التقارب بين محمد بن زايد ومحمد بن سلمان - ولي ولي العهد السعودي في ذلك الوقت - على وجه التحديد.