تابعت يا سيادة الرئيس جزءا يسيرا من أخبار زيارتك لبرلين وما منعني من الالتحاق بركبك والتبرك بالانضمام لوفدك إلا السعي وراء خبزة العيال وما وسوس لي به الشيطان من أن الخبزة لم تعد في ركاب السلطان بعد أن ابتلى الله الأوطان بالثورة والعصيان. وقد سمعت الهرج والمرج وتعليقات أصحاب الهوى على معطفك إذ هوى، وما ذلك إلا سخفا منهم وسذاجة فما أنت إلا بشرا يأكل الطعام ويشرب "الشراب" ويتعثر و يسقط معطفه أو "طاقمه" وكلها أمور بشرية يتساوى فيها الشيوخ والذرية، وإنني إذ أكتب إليك هذه الرسالة أجدني فيها محتارا بين الجدّ والهِزار"! ... وفي الحالين أريد أن أشيد بما جاء على لسانك من خطاب رشيد في لقائك مع صحفيّة "الدّوتش فيلا" "ديمة" حيث طرحت عليك أفكارا قديمة قالت: " خلال تواجدكم في برلين الموضوع الطاغي الآن لدينا في ألمانيا هو إعلان المستشارة الألمانية اعتزالها من السياسة، وقد طُرح أكثر من سؤال حول العالم العربي وأريد رأيك شخصيا متى تعتقد أن القائد العربي عليه أن يعتزل بالفعل السياسة"؟ فكان ردك مفحما ومبهرا وواضحا وصريحا، قلتم: "أنا قادر أن أعمل نفس الشيء"! فسألت "ديمة" "بوقاحتها" القديمة مجدّدا: "متى"؟! فكان ردّكم الثاني أبهر من سابقه حيث اقترن بضحكة ساخرة وحملقة عجيبة وقلتم كلاما موجزا تعجز العقول البسيطة على فكّ طلاسمه أو ربطه بفحوى السؤال، قلتم : "هذه قضية أخرى عند الله تلتقي الخصوم"!! فختمت المسكينة اللقاء بالهروب لأنها إن واجهت متاهة أفكارك تاهت وضلت ولم تهتد الى الخروج من سبيل ولا تريد أن تكون في لقياك عند الله من الخصوم! فلا تبالي يا سيادة الرئيس بهذه الشرذمة من المستغربين الذين يقارنون ما لا يقارن ويتعسّفون في التشبيه إلى درجة أن بعضهم اشتبه عليه النّحل بالدبابير، وبدل أن يجنوا عسلا، نال "الحمقى" ما يستحقون من اللسع والخنق والنّشر بالمناشير والإذابة بالعقاقير ليكونوا عبرة لمن يريد الاعتبار! وفات الصحفيّة "ديمة" أن قادة الغرب ثقافتهم تقوم على الأنانية فلا يعنيهم وطن ولا رعية بقدر ما يعنيهم تحقيق ذواتهم وغنم الراحة بعد ذلك والاستجمام والتفكّر والرّوية! ونحن من أمة يذوب فردها في مجموعها ويتعامل قادتها مع الأوطان والرّعية على أنها أمانة من عند ربّ البرية لا تسلّم إلاّ لصاحبها مع الروح الأبيّة! وما دام القلب ينبض والدم في العروق يجري فلا راحة ولا تسليم، وكما قيل "لا راحة لمؤمن حتى يلقى الله"! المستشارة يا "ديمة" في منصبها قديمة، فقد حكمت بلادها أربع دورات متتالية فكيف تستكثرين على زعيمنا دورة ثانية وهو في الزعامة جديد وإن كان صاحب عمر مديد!! وإن استحال علينا أن نحوز السبق في التداول على السلطة أو النمو والتطور فلنحزه على الأقل بسن رئيسنا الذي لا يكافئه في السنّ رئيس أو زعيم! يا عزيزتي تونس ليست بلاد الغرب أو ألمانيا فنحن نعرف الودّ ونحفظ الفضل لأهله ونحن اليوم وغدا لا نستغني عن خبرة جمعها رئيسنا المخضرم في حقب طويلة وصلت الملكية بالجمهورية والدكتاتورية بالديمقراطية، والرؤساء المخلوعين بالرؤساء السابقين فهل عندكم في الغرب أو في الشرق مثله؟ ... ولأن العشق بيننا متبادل فإن رئيسنا ليس قادرا أن يفعل ما فعلت مستشارتكم ويقفز من السفينة المسكينة وهي تواجه الأمواج والقراصنة حتى تمرّ العاصفة! يمنعه من ذلك الإباء والبلاء في سبيل خدمة الوطن ووفاءا لدماء الشهداء! أنا معك سيدي الرئيس أن عند الله تلتقي الخصوم رغم أن الإرباك قد جعلك تسوقها في غير مساقها، فلا أحد يخاصمك على الزعامة أو ينوي أن يحول بينك وبينها، ولكن أبلغ جماعة "ندائك" أن يقتدوا بك في نكرانك لذاتك وخدمتك لوطنك كي ينبذوا الفرقة والخلاف ويريحوننا من بياناتهم التي يتطابق "لوقو" "النداء"في أوراقها وتتنافر مضامينها حدّ السباب والتراشق! .... فقد أفسد العراك "الأصل التجاري" الذي شيّدته وتوشك سوقه أن تكسد وبضاعته أن تبور!
سيّدي هذه صرخة مواطن مقهور يتحرق في غربته على وضع البلاد وما آل إليه وضع نخبتها من تناحر وفساد! ولأن الأمل فيك باق فلا تفجعنا بفراقك ولا تضع الراية حتى تأتيك من الله آية! ولذلك رشحتك وناشدتك " "للتّسعطاش بعد ألفين لأنه ما يقدر عليها كان ذي القرنين!" وختاما تقبّلوا سيّدي فائق الاحترام والتقدير سائلا المولى أن يجعلك على خطى زعيمك الذي رباك! والسلام صابر التونسي 5 نوفمبر 2018