حدثنا وهان ابن وهانة الكروني قال: "بينما كنّا في أمن وأمان لا نشكو إلا من دقّ المطرقة على ظهورنا وحصد المنجل لما أينع من السوق والأعناق!... إذْ حلّ بنا أمر مزلزل لا يطاق! ... وإذْ لم تكن مدينتنا من المدن المعروفة ولا عاداتنا من العادات المألوفة حتى تفقّعت فينا عاهة عظيمة غير مستديمة، وحلّت بنا البلوى دون أن تأتينا من أحد مساعدة أو سلوى! ... فقد وسوس لنا الشّيطان وأغرانا بلحم غريب الحيوان فلم تسلم من الوقوع على موائدنا حشرات ولا جرذان فضلا عن لحم الكلاب والثعبان! ... ولما وقعنا في دم الخفاش وجعلناه على موائدنا أصناف وأصناف أصابتنا منه لعنة أو عدوى ذكرتنا بقرابته مع صورة الشيطان في المخيلة!... وتسلل منه في أنسجتنا "بروتين وراثي" فتاك يسمونه في علم الطبّ "الفروس التاجي" قلّ أن ينجو من عدواه ناجي!... ينتشر بين بني البشر كما تنتشر النّار في يابس الشّجر! ... وبقدر تسابق "أفراسهم" في العناد والمكابرة تختنق أنفاسهم! ويسبب لهم الفيروس ضيقا واختناقا أشد من حفر الأنفاق! ... يصيب الأبدان بالحرارة كهشيم وقعت فيه شرارة!... ومن يُصاب بالدّاء يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنّما يصّعد في السّماء!"... ثم بكى وهان ابن وهانة وتعالى صراخه ونحيبه على فقد الأحباب والذّرية وعلى ما سمع من مواقف بشرية لا إنسانيّة! ... وقال: "بينما نحن نصارع الدّاء في صمت ونعاني البلاء في ضيق صفّق أقوام وهلّلوا شامتين معتقدين أنّهم من الفيروس في ركن متين، ومن الإصابة به آمنين، ومعه في وفاق حتى التفّ حولهم وضيق عليهم الخناق! ... وبعد أن "شكروا الكورونا" لأنه أصاب الأعداء في مقتل، تقاتلوا على تخزين "المقرونة" خوفا من الكورونا!... وتسلّلت من شفاه وهان ابن وهانة بسمة ساخرة والدّموع على خدّه حرّى متزاحمة وقال: "إنه فيروس عادل لا يُفضّل أعجميّ على عربيّ ولا أبيض على أسود ولا أصفر على أحمر! ... بل الجميع في قبضته سواء! ... عمّت بلواه كل البلدان وضيّق على الناس الأرزاق والأوطان! ... ساوى بين كل الأجناس والأديان، ولم يسلم من عدواه إلاّ من تعوّد النظافة واتخذها عادة وثقافة ولزم بيته ولم ينتقل من مكان لمكان دون موجب أو حاجة! ... وقد أفلح من اتخذ من النّاس مكانا قصيّا حتى يتدخل برحمته ربّ البرية فيرفع البلوى ويجعل لها نهاية أبدية! وسلام على وهان ابن وهانة وعلى كل الناس يوم أصيبوا بالفيروس ويوم يتعافون منه أو يموتون، ويوم يبعثون بين يدي رب العالمين ليحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون! صابر التونسي 5 أفريل 2020