بعد شهر واحد من احتفال الدول الأوروبية بسقوط جدار برلين الذي مزق ألمانيا إلى كيانين اصطناعيين أريد لهما، بقوة السياسة والأيديولوجيا، أن يكونا عدوين لبعضهما البعض: كيان غربي رأسمالي وآخر شرقي اشتراكي، شرع النظام المصري في بناء جدار فولاذي عازل يفصل بين "السيادة المصرية" وبين كيان معادي اسمه قطاع غزة. استهتر النظام المصري بالضمير الإنساني، بكل قوانين الأرض وبكل شرائع السماء وآثر حصار الأطفال من جديد بعد منع المعونات عنهم من المعابر. ساق النظام مبررات السيادة وضبط الحدود من أجل بناء جدار سيكلف أضعاف ما سيكلفه إعادة إعمار غزة. هي نفسها مبررات شارون عندما بدأ بناء الفصل العنصري الصهيوني في الضفة منذ ست سنوات. بعد عام على محرقة العصر أحيا الشرفاء في العالم كله ذكرى ضحايا العدوان لكن النظام المصري احتفل بالضحايا على طريقته الخاصة. فضل أن يقتلهم للمرة الثانية أو بالأحرى أن يقتل في أهل غزة ما عجز عن قتله فيهم العدوان الصهيوني وهو روح الصمود والمقاومة مهما كان الثمن.
يذكرنا هذا بحصار مدينة طروادة، المدينة التركية الهادئة. دام الحصار عشر سنوات دون أن يؤدي ذلك إلى استسلام أهلها الذين استقبلوا "بارس" ابن شقيق حاكم "اسبارطة" اليونانية. "بارس" هذا كان قد فر إلى مدينة طروادة التركية ومعه "هيلين" زوجة عمه الحاكم. ضرب جيش الحاكم اليوناني حصارا خانقا على طروادة عقابا لعا على استقبال "بارس" و"هيلين" زوجة الحاكم. دام الحصار عشر سنين بالتمام والكمال لكن دون نتيجة ولم يتمكن الجيش اليوناني من دخول المدينة التركية. فكر الحاكم في حيلة يخدع بها أهل طروادة فأرسل إليهم هدية في شكل حصان خشبي (حصان طروادة) كبادرة حسن نية من الحاكم. لم يعرف المساكين أهل طروادة أن الهدية كانت ملغمة ومجرد خدعة لاقتحام مدينتهم حيث كان بداخل الحصان الخشبي جنود. وصلت الهدية وما أن دخل الحصان الخشبي طروادة حتى خرج منه الجنود وفتحوا أبواب المدينة أمام بقية الجيش ليستبيح المدينة وأهلها. فكان سقوط مدينة طروادة في يد الحاكم اليوناني بسبب خدعة حصان طروادة. بعد قرون من هذا الحصار المثير، يعيد النظام المصري تمثيل فصول المهزلة. حاصر الحاكم اليوناني طروادة واستباحها انتقاما لكرامته واسترجاعا لزوجته "هيلين" التي خانته مع ابن شقيقه "بارس" الذي هربت معه إلى طروادة. أما النظام المصري فأقدم على حصار غزة وجعلها طروادة مصرية انتقاما لسيادته الوطنية وأمنه القومي الذي تطفل عليه أطفال غزة. نحن نعلم مسبقا علم اليقين أن الحصار سيفشل ولو استغرق مدة حصار اليونان لطروادة. بعدها سيفكر النظام المصري، إن طال أجله، في تقديم هدية مسمومة لأهل غزة كحصان طروادة لكن أهل غزة ليسوا بسذاجة أهل طروادة ليقبلوا هدية ممن يعرفون جيدا أنه لا يجيد سوى حصار الأبرياء.
املئوا أفواهكم صمتًا طويلاً لا تجيبوا دعوة القدس .. ولو بالهمس كي لا تسلبوا أطفالها الموت النبيلا طفح الكيل .. وقد آن لكم أن تسمعوا قولاً ثقيلاً نحن لا نجهل من أنتم .. غسلناكم جميعًا وعصرناكم .. وجففنا الغسيلا إننا لسنا نرى مغتصب القدس .. يهوديًا دخيلاً فهو لم يقطع لنا شبرًا من الأوطان لو لم تقطعوا من دونه عنا السبيلا أنتم الأعداء يا من قد نزعتم صفة الإنسان. من أعماقنا جيلا ًفجيلا واغتصبتم أرضنا منا أنتم الأعداء أتعدون لنا مؤتمرا ؟ {مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة} كلا كفى شكرًا جزيلاً لا البيانات ستبني بيننا جسرًا ولا فتل الإدانات سيجديكم فتيلاً نحن لا نشري صراخًا بالصواريخ ولا نبتاع بالسيف صليلاً نحن لا نبدل بالفرسان أقنانا ولا نبدل بالخيل الصهيلا نحن نرجو كل من فيه بقايا خجل .. أن يستقيلا نحن لا نسألكم إلا الرحيلا وعلى رغم القباحات التي خلفتموها سوف لن ننسى لكم هذا الجميلا ارحلوا أم تحسبون الله لم يخلق لنا عنكم بديلا ؟! أي إعجاز لديكم؟ هل من الصعب على أي امرئ ..أن يلبس العار وأن يصبح للغرب عميلا ؟! أي إنجاز لديكم ؟ هل من الصعب على القرد إذا ملك المدفع ..أن يقتل فيلا ؟! ما افتخار اللص بالسلب وما ميزة من يلبد بالدرب .. ليغتال القتيلا ؟! احملوا أسلحة الذل وولوا .. لتروا كيف نُحيلُ الذلَّ بالأحجار عزًا .. ونذلُّ المستحيلا (*) ----------------- (*) كلمات الشاعر أحمد مطر ----------------- أحمد دخيسي