تزخر أوطاننا تحت وطأة ديكتاتورية لو لم تلق من الغرب دعما لما قدرت على مسك مقاليد الحكم طوال هذه السنين، ولو لم تجد من الغرب صمتا على انتهاك حقوق شعوبها لما وفقت في تبني شعارات واهية أو ضخمت من بعض انجازاتها، التي كان يمكن أن تكون أضعافا مضاعفة فالتمتع بالحريات الأساسية للمواطن تمكنه من نطوير واستعمال على نحو كامل خصاله الإنسانية وقدراته العقلية ومواهبه. والحريات الأساسية هي أن لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. ولو استثمرت الدولة كل طاقات أبنائها الذين كثيرا ما نجد من أفضلهم: *من أودعتهم السجون لعقود وسنين طويلة أنهكتهم فيها الأمراض.... * أو منعتهم من الشغل والتعبير ومن أبسط حقوق المواطنة المنصوص عليها في المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي على الدولة أن تحافظ عليها وتحرص علىى إرسائها وتطبيقها بشكل يجعل من المواطن مواطنا فعالا منتجا إيجابيا وليس سلبيا. ذلك أنه على الدولة أن تقوم بتعليم أبنائها وتأهيلهم لتحمل مسؤولياتهم حتى يكونوا مواطنين يقومون بحق المواطنة متزودين بالعلم الضروري والحاجي مما تقتضيه الحياة الإنسانية. فالعلم ليس فقط قراءة وكتابة ولكن العلم هو معرفة دور الإنسان في الحياة ومسؤوليته بما يتمتع به من حقوق ويؤديه من واجبات إزاء وطنه وأمته ، كما أنه يجب على الدولة أن تجعل من لا ينتج منتجا وأن تحرك الناس كي يقطعوا مع السلبية ويكونوا مساهمين في الحياة العامة ومبدعين لتطوير بلادهم عندما توظف طاقاتهم حق توظيف. كثيرا ما تربط الدول التي لا تريد التغيير وإن رفعت شعار التغيير بين الديمقراطية والتنمية فإذا نظرنا إلى محرار تنميتها لا نجد مقابل ما حققته من تنمية مادية سوى ديونا وتبعية ومزيدا من الديكتاتورية وكأن للدولة الحق في أن تعاقب رعاياها بما تقدمه لهم من خدمات بحرمانهم من حق التعبير والتنظم وحقوق المواطنة المعروفة دوليا والتسلط فتجعلهم رعايا عالم ثالث لا يفهمون ما لهم وما عليهم والأصل أن على الدولة أن تكون الأحرص على تحقيق المستوى الأرقى لمواطنيها.
باسم الديمقراطية احتلت العراق وتشرد أهله : تحاول هذه الشعوب الخروج من هذا الوضع الذي لا يمكن أن يرضى به الإنسان الحر في تفكيره، القوي في عزيمته، المسئول في سلوكه و المحب لأمته. فتدفع من شبابها ومالها وعمرها وحياتها الكثير وتضحي بأفضل أبنائها من أجل أن تتمتع بحريتها رافعة شعار الحرية و الديمقراطية وحقوق الشعوب في العيش الكريم . ويأتي دور الإعلام الذي يسيره الغرب كيف يشاء فيضخم قضية ، إن لم يرضوا عن النظام المعني بها ، ويهمش قضايا ويتغاضا عن قضايا حيوية، فقامت الدنيا ولم تقعد سنين ضد النظام العراقي السابق فاحتلوا البلاد وشردوا العباد رافعين شعار الديمقراطية رافضين كل أشكال الديكتاتورية. فتنتهك الحرمات وتسبى الصبايا ويقتل الأطفال كل هذا تحت شعار محاربة الديكتاتورية ورغبة في إرساء الديمقراطية ولم يتعرض النساء والأطفال في عهد نظام صدام حسين ما عاشوه من انتهاك للحرمات و إهانة لكرامة النساء وقتل الأطفال في عهد الاستعمار الحامل لشعار الديمقراطية ومحاربة الديكتاتورية، مما جعل العراقيين يترحمون على صدام بعد أن رأوا مآسي ديمقراطية الغرب في بلادهم. فكانت الديمقراطية بوابة تحريض ضد النظام العراقي السابق ولم ير منها العراقيون سوى حروبا ومآسي وانفجارات.
الديمقراطية ومنع المآذن أو المنارات : وباسم الديمقراطية يصور الغرب في سويسرا المآذن على أنها صواريخ قاتلة وتستفتي المؤسسات الشعب السويسري الذي يصفه قادته بالشعب الناضج في مسائل تعد من أبسط حقوق الإنسان ألا وهي حق المعتقد والعبادة كحق طبيعي في اختيار دين الإسلام الذي يقتضي بناء مساجد. فمن مقتضيات حق العبادة تأمين دورها. وشكل دور العبادة معروف في العالم كافة ولو وصفت مسجدا لاحتجت إلى ذكر المئذنة أو المنارة فلم تكون الكنيسة في البلاد الإسلامية طبق معمار الكنائس المعروف ويكون المسجد في بلاد الغرب بدون مئذنة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فيصورونها على أنها أسلحة فتاكة ستعصف بهم وأن الخطر قادم من هناك ويعبؤون "الشعب الناضج" بمعلومات من إعلام وأحزاب تدعي الديمقراطية ضد معالم الإسلام وشعائره (المنارة والبرقع فوق علم سويرا) مظهرين أن الإسلام والقيم الغربية عنصران بينهم تناقض فلا يمكن أن يلتقيان. فصورة المرأة بشكل يعتبرونه متخلفا جعل من الحركات النسوية تقوم بتعبئة النساء ضد بناء المنارات معتبرين أن الدين الإسلامي مضطهدا للمرأة مع أن المرأة المسلمة في سويسرا من أكثر النساء اندماجا في المجتمع خاصة وأن أغلبية المسلمين هنا من بلدان هم في الأصل من البوسنة والهرسك وكوسوفو وجمهورية مقدونيا وتركيا وأقدمهم من الأندلس الذين هاجروا فرارا من الاضطهاد الديني في الأندلس فسكنوا أودية جنوب سويسرا. كما أنهم في حملتهم ضدا بناء المآذن هولوا من عدد المساجد والمنارات والحال أنه لا توجد إلا أربعة مساجد في كامل سويسرا من 100 مسجد موزعين في كامل مدن سويسرا ( أولها بني سنة 1842 ) ل 400 ألف مسلم يعيشون داخل هذا البلد المعروف "برقيه وحياديته ونضج شعبه". البلد الذي تأسست فيه منظمة الصليب الأحمر والذي حمل صورة البلد المثل لباقي الدول الأوروبية في الاعتراف بحقوق الإنسان وهو في مقدمة البلدان التي تصنف نفسها وتصنف على أنها بلدان عريقة في الحرية واحترام الإنسان مهما كان أصله ولونه ومعتقده. ورغم أن هذا الاستفتاء يمثل شرخا عميقا لحقوق الإنسان في ممارسة حق المعتقد وتمييزا ضد الأديان إلا أن ساسة سويسرا على اختلاف مواقفهم من النتيجة يعتبرون أن الشعب السويسري هو سيد الموقف باعتبار امكانية الرجوع إليه في كل موضوع عن طريق الاستفتاء إذا جمع الطرف المنادي بالنظر في قضية ما 100 ألف توقيع . وكأن سيادة الشعب السويسري تخول له اعتبار أصحاب معتقد يخالفهم: مواطنين من الدرجة الثانية والحال أن نسبة 12 % منهم مواطنون سويسريون*** من المفروض أن يتمتعوا بحقوقهم مثل بقية المواطنين الآخرين في ممارسة عقيدتهم إذ المسجد له شكل معماري وهندسي متكامل جزء منه هو المئذنة أو المنارة التي تساعد على التعرف على المسجد من بين المباني المختلفة وهذا ليس ركنا من أركان الدين كما تعامل معه البعض ولكنه فتح بوابة منع لشعائر دينية تخص الأقليات وهم في الوقت الراهن المسلمون. ولو أن كل المسائل يمكن أن تطرح للاستفتاء فقد تساهم ظروف موضوعية في رفض بناء المساجد إن وقع استفتاء حول ذلك في جو يشوبه الخوف من الإسلام وإعلام يصور الإسلام والمسلمين على أنهم الخطر القادم الذي يهدد أمن واستقرار أوروبا. وقد تحقق هذا المنع يوم 29 نوفمبر 2009 ولكن المحاولات لمنع المآذن انطلقت منذ يوم 1 ماي 2007. واستاءت بعض الصحف والسياسيين معبرين عن خيبة أملهم في أن تصوت سويسرا التي تضمن حق الشعب في الاختيار عن طريق الديمقراطية المباشرة ضد مسألة تختص بالحرية الدينية وتمس بروح الديمقراطية والتسامح بين الأديان. فلأول مرة منذ سنة 1893 تنجح مبادرة في خرق حقوق الإنسان تقوم بالتمييز ضد أقلية دينية. (انظر رابط مقال لطارق رمضان). الديمقراطية الغربية والموقف من أهل غزة. نفس هذه الديمقراطية التي تعتبر اختيار الشعوب مقدسا وإن خالفت الحقوق الطبيعية أو الأصلية التي لا يستطيع الإنسان العيش كبشر بدونها، تعاقب الشعب الفلسطيني وخاصة الغزاوي منه لأنه انتخب حماس!!!! فترضى بقتل الأطفال وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة التي يحرص الأوروبيون على توفيرها للحيوانات عندهم. وترضى بحرمان الفلسطيني من دخول بلده والخروج للعلاج أو للدراسة وتساهم في المنح ليهود العالم من كل بقاع الدنيا كي يهاجروا إلى فلسطين ، التي مسحوا اسمها من الخريطة وأبدلوها بإسرائيل ، وبناء المستوطنات ويعتبر الغرب وعلى رأسه أمريكا أن من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها وعن مواطنيها التي أغرتهم بالقدوم إليها والعيش في بيوت الفلسطينين الذين أحالت حياتهم وبيوتهم دمارا وعوضتها بأحياء تثير بها رغبة اليهود الذين لهم جنسيات مختلفة كي يهاجروا لها وتقدم لهم الجواز الإسرائيلي حتى وإن لم يكونوا يوما في إسرائيل. وإن كانت السلطات السويسرية أكثر انفتاحا من غيرها الأوروبي لمّا استقبلت وفدا من حماس معتبرة إياها معطى مهما يجب اعتباره والتعامل معه وإن لم ترض عنه، إلا أنها أخطأت خطأ فادحا في حق الإسلام والمسلمين في طرح قضية المنارات للاستفتاء كشكل من أشكال الديمقراطية المباشرة . وبدأت أصوات تتعالى من هولندا وبلجيكا أن على هذه البلدان أن تحذو حذو سويسرا .... وأصوات أخرى مستاءة : وزيرا الخارجية الفرنسي والإيطالي والمستشار الألماني السابق شرودر وبعض الصحف الألمانية ك شبيقلder Spiegel التي حاولت استفتاء الناس في موضوع منع بناء المآذن ثم تراجعت عن ذلك حين علمت وشعرت أن الموضوع يمكن تطويعه واستغلاله بشكل سلبي وعبرت عن سبب سحبها للرابط بذلك. نلاحظ من خلال كل هذا ومن خلال المواقف المختلفة التي أبداها بعض المسؤولين في الغرب أن الديمقراطية بالمفهوم الغربي هي شكل من أشكال الحكم السياسي يطبق فقط ضمن منظومة ثقافية معينة تمنع منها الشعوب والأقليات إذا خالفت هذه المنظومة فتُخالَف فيها الدساتير والمواثيق الدولية. والحال أن هذه الديمقراطية يطالب بها المسلمون لنفسهم ولغيرهم في بلدانهم التي لا تمارس هذا الشكل في الحكم السياسي حتى وإن حملته شعارا تبتز به إرادة شعبها ومساندة الغرب لها أو اسما تكرره دون أن تعيه أو تقصده. فأي مصداقية سيتربى عليها أبناء الغرب والمسلمين بعد أن صرخت الأحداث بالأمثلة المضادة للشعارات؟؟؟ فهل نسي الغرب قيمه التي ما انفك يبشر بها ويتباهى بها أمام الشعوب ويدعوها أن تحو حذوه؟؟؟ هل نسي الغرب أنه يسطر تاريخا؟؟؟؟ وهل نسي المسلمون أنهم مسؤولون بأقدار كبيرة عن تغيير صورة الإسلام عند الغربيين؟؟؟؟؟
المراجع : 1 المادة الثانية من ميثاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 2. موقع الإسلام اليوم 3. حوارقناة الجزيرة لوزيرة الخارجية السويسرية http://www.spiegel.de/politik/ausland/0,1518,664135,00.html http://www.welt.de/politik/deutschland/article5433328/Deutschland-deine-Minarette.html