نحن والغرب ( 2 ) سجال السياسة والثقافة .. التاريخ والجغرافيا عبدالباقي خليفة قد يقول البعض ، لكن الغرب يشجع أولئك ، ويدعو لدعم الذين يكررون آراءه ؟ والحقيقة إنه يحتقرهم ، ويسخر منهم ، سرا وجهرا . وكثيرا ما ينشر غسيلهم في صحافته . إنه يستخدمهم ، ولا يتورع في سحقهم تحت حذائه ، أو يتخلى عنهم مثل فعل بمجموعة مجلة " شعر " اللبنانية " أوما فعل بشاه ايران وغيره ... نعم الغرب يستخدمهم في حربه ضد الاسلام والمسلمين أو ما يعرف باسم الاسلاموفوبيا فالاسلاموفوبيا ليست وليدة اللحظة ، بل ظهرت مع ظهور الاسلام كما يعلم الكثيرون ، وكان هدفها ولا يزال إطفاؤه بمختلف الوسائل والمصطلحات ، وهذا الهدف لا يزال قائما ، وسيظل قائما إلى قيام الساعة . لكن في مراحل تاريخية معينة شهدت حالة الاسلاموفوبيا طفرات كبيرة ، كالمرحلة التي سبقت وتزامنت مع احتلال بلاد المسلمين . والسبب الأساسي للاسلاموفوبيا ، هو ضعفنا ، ثم الخلافات الحاصلة بين المسلمين ، وغياب الحوار بينهم . وفي نفس الوقت يتسارع البعض لإقامة الحوارات مع الغرب ، تحت لافتة ( حوار الحضارات ) . أضف إلى ذلك غياب الوحدة السياسية بين الأقطار الاسلامية ، وتعدد ايديولوجيات الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين ، وتعدد ولاءاتها الدولية ، وتناقضاتها . سابعا هناك عقدة مزدوجة من الهوية الاسلامية ، سواء لدى البعض في بلاد المسلمين ، أو في الغرب . ثامنا التخلف التقني الذي يعيشه المسلمون ، يحرض عليهم الآخرين ، ويعجزهم عن الكثير من أوجه الرد . وفي نفس الوقت يحرث الغرب في العالم الاسلامي ويزرع ما يشاء من أفكار ومؤسسات لتغيير الخرائط وكسب الولاءات . وإذا تحدثنا عن الاسلاموفوبيا ، نجد أن الجذور أعمق مما يبدو للبعض ، فهي ليست مجرد بحث عن عدو بديل ، وأكثر من محاربة انتشار الاسلام في الغرب . بل محاربة الاسلام في أرضه للسيطرة عليها لاحقا . فالجذور العدوانية المعاصرة ضد الاسلام بدأت من القرن الثامن عشر أيضا ، فأكثر الكتب عدائية للاسلام كتبت في تلك الفترة التي سبقت احتلال بلاد المسلمين . وهناك ارهاصات دورة استدمار جديدة من خلال ما نشاهده من مظاهر الاسلاموفوبيا . فقد عمد الغرب لتشويه الاسلام والمسلمين لتبرير غزو أراضيهم . أما في الوقت الراهن فهو يقوم بتشويه الاسلام والمسلمين وهو يحتل عدد من بلاد المسلمين كالعراق وأفغانستان وفلسطين ، وتوجد أطراف كثيرة في العالم الاسلامي تحت الاحتلال من قبل غير غربيين حلفاء للغرب . وهناك آلاف الجنود الغربيين في بلاد المسلمين ، في القواعد العسكرية ، يزيد عددهم عن عدد الجنود الغربيين في الحروب الصليبية 22 مرة . إن الحديث عن الاسلاموفوبيا ، لا يجب أن يخفي دور الاستشراق في ذلك ، بل البحث عن دوره كأساس ومولد للاسلاموفوبيا أو مشارك في صنعها وتغذيتها ، كما يمكن اعتبار الحملات الاعلامية والتصريحات السياسية ، جزء من الحرب الاستشراقية والاسلاموفوبيا . وإذا كان هناك من سؤال فهو طبيعة الاستشراق وما إذا كان كتلة متجانسة ، وما إذا كنا نعيش حرب حضارات . وهذا يدعونا لبناء مراكز لدراسة الغرب من أجل فهم أفضل لمحركات وميكانيزما التفكير لديه . وما الذي يجب على المسلمين فعله والقيام به في هذا الصدد ؟ وما هو دورالاستشراق في حالة الاسلاموفوبيا في الغرب ؟ لقد ولد العمل الذي قام به المستشرقون ، الفكر السلبي السائد اليوم في الغرب عن الاسلام والمسلمين . ولأنه منتج سياسي بالدرجة الأولى ، فهو قام لخدمة الأهداف الاستدمارية للغرب في بلاد المسلمين . ولأنه كذلك يساهم السياسيون والاعلاميون الغربيون ، في الغالب ، في تأجيج هذه الحالة . ولا يمكن إخفاء دور الكنيسة في ذلك فهي تقوم بدور محوري في هذه الحرب . فهي أكثر من يخاف من انتشار الاسلام ، وأكثر من يخاف من هجر الغربيين للكنيسة ، وتحولهم إلى لا دينيين أو إلى أديان أخرى .وهي لا تخشى الأديان الأخرى كالبوذية والكنفوشوسية وغيرها قدر خوفها من الاسلام .وبالتالي فإن التنسيق بين الفاتيكان وفرنسا من خلال تبادل الزيارات بين رايسنغر وساركوزي وزيارة بابا الفاتيكان لفرنسا وغيرها ، يحركه هاجس الفاتيكان أكثر من السياسة الفرنسية ذاتها . وتعود اهتمامات راتسنغر بهذا الموضوع إلى الفترة التي كان فيها كاردينالا ، حيث شارك مع مارتشيلو بيري في إعداد كتاب "بلا جذور" الذي يدعوان فيه إلى مزاعم الجذور المسيحية لأوربا. وفي هذا الكتاب عبر عن قلقه من أسلمة أوربا ، وفقدان عدد كبير من الكاثوليك ، والهوية النصرانية . ويصف أوربا بأنها مستعمرة المسلمين ،وكان ولا يزال ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي. إن السؤال الذي يتمحور حول عما إذا كنا نعيش حرب حضارات في هذا العصر ؟ سؤال كتب فيه هنتغتون وآثار جدلا لا يزال متواصلا . لكننا عندما نتحدث عن السياسة الغربية ، يجب أن نعرف إلى أي درجة هم نصارى ؟.. صحيح أن الهم الرئيسي للغرب مركز على محاولة هيمنتهم على الثروات الطبيعية في بلاد المسلمين كمنطقة جيواستراتيجية قبل أي شئ آخر . هم يعتقدون أن مرحلة الاحتلال غير المباشر قد انتهت . ويعتقدون بأن الصراع في القرن الواحد والعشرين هو حول الطاقة التي تزخر بها بلاد المسلمين . وهم عندما يثيرون ويؤججون قضية الاسلاموفوبيا يعيدون سيناريوهات القرن 18 أي تهيئة شعوبهم للقبول باحتلال بلاد المسلمين من جديد . والمعركة بدأت سنة 2003 م تحت لافتة نشر الديمقراطية وتجذير الحداثة والعولمة وكسر المقاومة والحيلولة دون وصول الوطنيين للسلطة . وذلك يتم من خلال الاسلاموفوبيا ، والتي تغذيها الصهيونية العالمية ، ومساهمتها في هذا المجال لا تقل عن الكنيسة وبعض الدوائر الغربية إن لم تكن تفوقها . فمن مصلحة الصهيونية أن يكون هناك صدام بين الغرب والاسلام . وبين النصرانية والاسلام ، وبين بعض المنتسبين للعرب والمسلمين مع الاسلام ممن يسمون أنفسهم " حداثيين " أو " عقلانيين " أو غير ذلك .وبعض جزء من الاستراتيجية الغربية تتمثل في النقاط التالية : 1 ) وقف انتشار الاسلام في الغرب والعالم 2 ) تجفيف ينابيع الاسلام في البلاد الاسلامية 3 ) منع وصول الاسلاميين للسلطة في البلاد الاسلامية 4 ) تشويه الاسلام واستعداء الغربيين ضده تمهيدا لدورة استدمارية أخرى تهئ لها الأرضية المناسبة من خلال تغذية النعرات الطائفية ، واحتدام الصراع الداخلي في بلاد المسلمين . وتأييد الأنظمة من جهة وتحريض المنظمات الحقوقية ضدهم من جهة أخرى . لتشعر الأنظمة أنها مدعومة من الغرب الرسمي ، وتشعر المعارضة بأنها تلقى التأييد من المنظمات الحقوقية في الغرب ، وهكذا . والحل هو فتح هذه الأنظمة لحوارات داخلية مع جميع أطياف المجتمع للوصول لصيغة تؤسس للاستقرار والتقدم الذاتي ، وعدم المراهنة على الغرب . فعندما طور الغرب الآلة الأكاديمية لدراسة الشرق تمهيدا لاحتلاله ، كان المسلمون في حالة لا يحسدون عليها . إلى درجة لم يفكروا فيها في عمل نفس الشئ . بل لم يدرسوا تراثهم ، وأخذوه معلبا على الطريقة الغربية كحقائق ، وهو ما ساهم في الوهن الذي أصاب الكثير من الأكاديميين حتى أنهم نافسوا الغربيين في ازدراء تراثهم أو تحميل القضايا المثارة ما لا تحتمل من خلال التأويل المتعسف للاحداث التاريخية . عندما بدأ البعض في دراسة التراث درسه من خلال الآليات التي وضعها الغربيون ، ونسخ ما توصلوا إليه بل كان سرقة واضحة ، تكشف مستوى الانبهار إلى حد العمى . وعندما رأى الغربيون نجاح استراتيجيتهم ، طلبوا من مواليهم في البلاد الاسلامية التنصل من جميع الأسس الاسلامية والتنازل عنها بل القطع النهائي معها . وفي نفس الوقت زينوا لهم تراث ما قبل الاسلام ، واليوم هناك من يتفاخر باصوله الفرعونية ، والفينيقية ، بل الوثنية قبل الاسلام . ويمكن القول إن مشروع العودة إلى ماقبل الاسلام فشل ، وعلينا إفشال بقية المشاريع المماثلة . وللأسف فنحن لم ندرس تراثنا جيدا ، ولم نضيف جديدا ، ولم ندرس الآخر الذي يستهدفنا ليس في ثقافتنا بل وجودنا البيولوجي ذاته .