كيف كان ضرب النهضة شيئا حتميا أخطأت أو لم تخطئ: الموقف من المنسلخين والعائدين شاهد. بين يدي هذا المقال : يحتوى المقال على خمسة شواهد رئيسية تثبت أن ما حصل للإسلاميين ولحركتهم كان تنفيذا لخطة قديمة تمت العودة إليها عبر مراحل، وأن ذلك السبب الذي ذكر في ضربهم ليس إلا آخر حلقة سيتنفذ بها أو بغيرها.
أما هذه الشواهد فهي: الالتفاف على التغيير تأزيم الوضع السياسي عدم التناسب بين حجم الضربة وحجم التهمة تهميش المنسلخين عدم الالتفات إلى العائدين
1/من تجميد الخطة الأمنية إلى تفعيلها لعل المتابعين يعلمون كيف صنف النهج السابق الحركة الاسلامية كأحد أهم المهددات السياسية لنهجه، وبسب ذلك تعرض الإسلاميون إلى ضربة أمنية سنة81،غير أنها كانت سببا في انتشارهم، مما عرضهم لضربة ثانية أكبر سنة 87 ، لكن تلك الضربة قوبلت بمعارضة واحتجاجات شديدة، مما شد الخناق على السلطة، وجعل الرئيس السابق يقرر تصعيدها حتى لا يتكرر ما حدث سنة 81، وذلك بإعادة محاكمة قادة الاسلاميين وإعدامهم للقضاء علي حركتهم بشكل نهائي، وهو أمر اضطر ازاءه ما تبقى من الإسلاميين إلى تحضير خطة لأنقاض قادتهم من تلك المجزرة عبر تصحيح يؤدي الى انفراج سياسي، و لكن تلك الخطة تم ايقافها بمجرد زوال أسبابها، بعد حدوث ذلك التغيير الذي ساندوه، ورحبوا بشعارته ، حتى شاعت بينهم تلك المقولات السياسية التي تصف نهجه بالصدق السياسي. لكن لم يمض وقت طويل حتى تبين أن ذلك التغيير، ومن خلال قرائن توقيته، وبيانه، وما تم أثناءه من اجراءات احترازية، كان ضربة استباقية لقطع الطريق على الإسلاميين للإجهاض تغيير نضجت شروطه السياسية،وتهيأت دواعيه الادارية ، كما تبين أيضا أن ما تم بعده من انفراج أمني ليس تعبيرا عن قناعات سياسية بمظلومية الاسلاميين ، أو اعترافا بحقوقهم وإنما استدراكا سياسيا على خطة لم تتوفر مقومات نجاحها، الى حين إعادة ترتيب الوضع الجديد وتهيئة الساحة للعودة تدريجيا إلى تلك الخطة المجمدة لازالة خطر الإسلاميين نهائيا من طريق ذلك النهج السياسي كما كان مخططا سابقا . وقد كانت الفترة الفاصلة بين هذه لانتخابات وبين البداية الفعلية لتنفيذ تلك الخطة، عبارة عن وقت مستقطع تمت فيها أعمال تحضيرية كمقدمات لاعادة الوضع السياسي شيئا فشيئا إلى أجواء التوتر الذي سبق ذلك التغيير، من خلال تزييف جزئي للانتخابات، وعدم تقنين نتيجتها المنقوصة، ثم استفزاز الاسلاميين والتضييق عليهم لدفعهم نحو فخ سياسي،حيث يبد وقتها التنفيذ الفعلي للخطة لانهائهم أمنيا. لكن الإسلاميين، وبحكم طهارتهم وحسن نيتهم،ظلوا على قناعتهم بأن هناك تغييرا حقيقيا, ولم يخطر ببالهم أن الانتخابات التشريعية التي أفرزت تلك النتيجة هي المحطة الأولى في طريق العودة السريعة إلى الخطة المجمدة ، لذلك تأولوا ذلك التزييف على أنه تصرفا سياسيا لتعديل تلك النتيجة المفاجئة إلى نسب معقولة، وغضوا الطرف عن ذلك التزييف، ظنا منهم أن تلك النتيجة المعلنة كانت اعترافا سياسيا بوجودهم، وأتاحوا الفرصة لذلك النهج حتى يترجم ذلك الاعتراف الضمني بوجودهم عبر القوائم المستقلة إلى اعتراف قانوني، وأرسلوا الاشارات السياسية بقبولهم بتخفيض حجمهم السياسي، إن كان ذلك شرطا للتعايش بين الطرفين، مبدين رغبتهم الضمنية في تشكيل معادلة سياسية يقرون فيها للطرف الآخر على أنه الأحق بتشكيل المشهد السياسي على ضوء نتيجة مرتفعة بتصرف سياسي، بينما يقبل هو بتلك النتيجة على أنها تمثل وجودهم السياسي القانوني، وكان ذلك إشارة على أنهم لا يفكرون ولا يرغبون أبدا في العنف الذي لا يتماشى مع منهجهم المتدرج ، ولا تتحمله بلادهم ولا يقبله محيطهم. وقد كان هذا الموقف اختبارا ثانيا لافكار الإسلاميين السياسية من خلال سلوكهم السياسي،بعد ذلك الاختبار الأول، حين أوقفوا خطتهم، بمجرد زوال أسبابها، وكان ذلك دليلا على أنهم لا يسعون إلى السلطة، وإنما يناضلون من أجل توفير الحرية التي تمكنهم من عرض مشروعهم السياسي على شعبهم، وأثبتوا في هذا الاختبار الثاني مقوما آخر من مقومات تفكيرهم السياسي، وهو ايمانهم بالتدرج في الاصلاح، لقناعتهم بصعوبة تغيير معادلة مؤسسة على نفى الأخر في لحظة واحدة، لذلك قبلوا بتلك النتيجة المنقوصة على أساس أنها مكسبا لمسيرة التغيير نحو قاعدة جديدة تتيح حق التعايش السياسي بين المكونات السياسية، لانها تنتمي إلى وطن واحد ومصير واحد. وقد كان ذلك القبول بتلك النتيجة مخرجا سياسيا قدمه الإسلاميون للتعايش بدل التصادم ، ومع ذلك لم يستلموا قرارا سياسيا من خلال تأشيرة قانونية تفيد بأنهم مقبولين سياسيا، بما يعني إن مسيرة التغيير، إن كان تغييرا حقيقيا ، ستمضي دون أدنى اعتبار لوجودهم السياسي، وأن محطة الانتخابات التي أفرزت تلك النتيجة المعلنة لم يكن الغرض منها عكس نتيجتها على المشهد السياسي التونسي، وإنما تثبيت ذلك النهج وكسب الوقت للعودة لاستئناف خطة أمنية من حيث انتهت، ولكن بوسائل أكثر ضراروة، وذلك لازالة الإسلاميين بشكل نهائي من طريق ذلك النهج بالقوة. 2/ العودة إلى الخطة القديمة على مراحل لم يمض وقت طويل حتى بدأ تنفيذ المرحلة الأولى من تلك الخطة، والتي بدأت بالمناوشة الأمنية للمصليين في أحد المساجد بالعاصمة،وذلك لاستفزاز الإسلاميين واظهارهم على أنهم يشكلون خطرا على المشهد السياسي والمكتسبات المدنية، لاحداث حالة من الاصطفاف السياسي العلماني، المسكون بالخوف أصلا بعد تلك النتيجة في الانتخابات التشريعية، على قاعدة العلمانية، وهز ذلك الالتفاف السياسي القائم على الحرية والديمقراطية التي تجمع الإسلاميين بالمعارضة . حينها بدا أن نهج التغيير لم يكن مصمما مسبقا على عدم الاعتراف السياسي بالاسلاميين مع غض الطرف عن نشاطهم ، كما في الحالة المصرية مثلا، وإنما مصرا على الالغاء السياسي والثقافي لهذه القوة التي رشحتها الانتخابات لمكانة سياسية جديدة. أما المرحلة الثانية، فقد كان من أبرز معالمها، ذلك التهديد والتضييق، حيث تلقى الإسلاميون رسالة قوية بما ينتظرهم في المستقبل إن واصلوا العمل الدعوي أو طالبوا بحقهم في الاعتراف القانوني، وذلك بإطلاق الرصاص على احد أبنائهم، والحال انه لم يكن يفعل شيئا يهدد أمن الدولة ، وإنما كان يوزع مناشير دعوية، وذلك لدفعهم إلى التخلي عن مرونتهم السياسية، ووضعهم أمام خيارين، إما إعلان موت منهجهم الاصلاحي من خلال التسليم السياسي، أو التفكير في الدفاع عن أنفسهم من خلال قاعدتهم ومصادر قوتهم التي لن تقوى على مجاراة ذراعا أمنية بتلك القوة، ليكونوا بذلك صيدا سياسيا لتلك الآلة الأمنية. أما المرحلة الأخيرة، فقد بدأت بادخالهم فعليا في أجواء تلك الخطة، والتي بدأت بتشتيت معقلهم في الزيتونة، ومداهمة اعتصاماتهم السلمية المدافعة عن الزيتونة داخل الجامعات، واعتقال وتجنيد المئات من أبنائهم وتحويلهم إلى الخدمة العسكرية، ثم اعتقال قياداتهم لتتم تصفيتهم بعد ذلك ضمن خطة بذلك الاتساع وتلك الضراوة تحت ذريعة الاعداد لانقلاب، وهو أمر لم يكن يحتاج إن حصل لاكثر من القانون لاثباته حتى يطال العقاب فاعليه إن ثبت، لا أن يطال هذا العقاب 25 ألف مواطن مع أسرهم، ويمتد ل 20سنة كأطول محنة عرفتها حركة سياسية في العصر الحديث. وقد تتابعت بعد ذلك الشواهد التي تبين أن ضرب الاسلاميين لم يكن دفاعا عن النفس ،وإنما ذريعة سياسية للعودة إلى تلك الخطة واهمها الشواهد التالية: 3/ انتقال الخطة من المجال الأمني إلى المجال الثقافي بعد أن تجاوزت تلك الضربة السقوف المعقولة للدفاع عن النفس إن جاز ذلك في حق دولة بتلك القوة الأمنية الضخمة أمام تيار شعبي مجرد من وسائل القوة، انتقلت الخطة إلى المجال الثقافي لتتكشف مع الزمن على أنها خطة وضعتها معتقدات سياسية لا تؤمن بحق الإسلاميين في الحياة السياسية فحسب بل لا تؤمن ايضا بحقهم في الدعوة إلى الصلاة والصيام والاخلاق والحجاب لأنها دعوة ترفد نهج سياسي مخالف بسند شعبي على قاعدة العمل للدين، حتى وصل الأمر إلى طرح نظام الكتروني يحسب للمصليين عدد صلواتهم يوميا في المسجد ليتم تصنيفهم سياسيا حسب درجة تدينهم، وهو أمر لم يمنع من تنفيذه إلا الخجل السياسي، ليتأكد أن ذلك السبب الذي أعلن عنه في ضربهم لم يكن إلا تمريرا سياسيا لخطة ضربهم واستئصالهم، وهى خطة كانت ستتم بهذا السبب أو بغيره لان هذه المعتقدات ترى استئصال الاسلاميين مسالة حياة أو موت بالنسبة لذلك النهج.ليس لاسباب سياسية فقط وإنما ايديولجية 4/ الموقف من المنسلخين من النهضة: إن من أوضح الدلائل على إن نهج عدم الاعتراف بالآخر واقصائه هو الذي أدى إلى تلك التصفية الأمنية للإسلاميين، ذلك الموقف من الاخوان الذين أدانوا النهضة وانسلخوا منها في بداية التسعينات، وكان انشقاقهم فرصة سياسية ثمينة لسحب جزء من قاعدة العريضة الملتفة حول هذه الحركة لفتح ثغرة كبيرة نحو انشاء اتجاه موازي يمكن التعايش معه، ولكن أصحاب تلك المعتقدات السياسية لا يؤمنون بأي حق لهذه الظاهرة في الحياة مهما كانت مطالبها منخفضة، لذلك لم يذهبوا في الدفع نحو انشاء كيان معتدل كما يرغبون، ولم تستغلوا تلك الفرصة للاختراق السياسي لهذا الجسم واضعافه من خلال التفاعل مع تلك المجموعة ذات الوزن الكبير، لانهم ما كانوا معنيين باثبات قبولهم للإسلاميين، إذا تركوا أسلوب المغالبة، واستعراض القوة، واكتفوا مثلا بمطالبة السلطة بالكف عن حرب الحجاب في دولة دستورها الإسلام، أو تنظيف الاعلام، أومراجعة المناهج التي وضعها الشيوعيون، لذلك لم يلتفتوا لتلك المبادرة التي تخلصت من تلك الوصمة عن طريق ادانة النهضة، لان ذلك الالتفات، سيعطي هؤلاء فرصة لبناء مقاربة جديدة غير مقبولة ، فضلا على أنها ستكون غطاء للبعض للاحتماء من القنص الأمني، لذلك ذهبوا في تلك الخطة الأمنية، التى جيشوا لها جيشا بادوار دنيا وعليا، للاجهاز علي الاسلاميين، ومسح بنيتهم التنظيمية بالقوة ،واستئصال جذورهم الثقافية، لازالة ذلك النهج السياسي بالكلية، بما في ذلك جزءا كبيرا من تلك القاعدة التي كان يمكن أن تكون في ذلك الخط الجديد، لولا ذلك المعتقد. 5/ الموقف من العائدين : أما الأدلة الصغرى على ذلك النهج ، الذي لا يعطي لاحد الحق في الحياة الثقافية والسياسية خارج نهج الدولة، والذي خطط لانهاء مشروع اصلاحي عن طريق القوة فهى كثيرة، فقد توالى الأفراد والمجموعات الصغيرة والمتوسطة التي حولت العودة إلى خط سياسي مدعوم اعلاميا، لكن لم يستلم هؤلاء الاخوان شيئا، بل تم توظيف عودتهم لاحداث بلبلة داخل هذا الجسم لهز تماسكه، أوعلى الأقل للتنفيس عن الغيض السياسي من هذا الاتجاه الذي طحنته المحنة لكنه ظل ثابتا ، ونسي هؤلاء الاخوان إن ذلك الخط الذي تعاملوا معه هو الذي أنشا مأساة لهم ولاسرهم ولبلادهم، وقدموا تلك العودة بلا ثمن غير استلام حق مكفول بالدستور، وهو حق العودة والتنقل ، ولم نسمع لهم بعد ذلك صوتا غير اطراء العودة وذم الغربة، ولم نر لهم مطالب ولو كانت دنيا، كالسماح لهم بانشاء جمعيات تقافية أو أقل من ذلك كتاتيبا لتحفيظ القران الكريم أو مراكزا لمحو الامية ، وكان انتظامهم في تلك المجموعات حالة عابرة تلقفتها الأجهزة المختصة في ملاحقة الإسلاميين واستثمرتها سياسيا لتختفي هذه المجموعات بعد إن انتظمت في الخط المرسوم للمواطن العادي، وهو أن لا ينشغل بشيئ أكثر من لقمة العيش. في الختام:
هل كانت هذه القناعة السياسية التي شطبت الإسلاميين سياسيا، ثم ضربتم أمنيا، وفوتت تلك الفرص للتعايش مع مسلك سياسي على الحدود الدنيا من التوافق، ثم أدخلت قادة بتلك الرؤى والنضج السياسي في حالة من الجمود بينما كان بامكانهم أن يكونوا شركاءهم في صياغة مستقبل جديد لتفادي نتائج نهج استئصالي، واختارت طريقا أنتج هذه المحصلة من المخاطر الاجتماعية التي لا يمكن أن تصلحها مسحة إسلامية صادرة عن نهج لا يؤمن بما يفعل، بجانب مخاطر سياسية محتملة بسبب مصادرة الحقوق السياسية للمواطن، وقيادته تحت سلطان الخوف ، غير ذلك المخزون الضخم من المرارات الناتجة عن تلك المظالم، هل كان هذا النهج سيتوقف عن تلك الخطة لو لم يخطئ الإسلاميون مثلا. وهل كانوا سيسمحون لو سلموا بالامر الواقع باكثر من الصلوات في المساجد كمواطنين عاديين. عماد بن يحي