مركز النهوض بزرع الأعضاء: إجراء 15 عملية زرع أعضاء في أقل من شهر واحد    التلاميذ يرفضون الالتحاق بهذه المدرسة في قابس ويطالبون..#خبر_عاجل    الطبيب التونسي خالد ناجي رئيسًا للجمعية الإفريقية لأمراض النساء والتوليد    تعمل المخالفة هذه في الإمارات خلال الأمطار عقوبتها الحبس..شنيا؟    برشلونة على بعد خطوات من التعاقد مع لاعب عربي..شوف شكون    مشروع ميزانية مهمة النقل 2026: تطور في اعتمادات الدفع ضمن مهمّة النقل ب17،7 بالمائة    بنغلاديش: صدور الحكم بإعدام الشيخة حسينة    طيران الإمارات تعلن طلبية جديدة ل65 طائرة بوينغ 777 بقيمة 38 مليار دولار خلال معرض دبي للطيران 2025    كأس العالم لأقل من 17 سنة: قمة البرازيل وفرنسا تتصدر مشهد ثمن النهائي    المنتخب البرازيلي يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة المنتخب التونسي    نشرة متابعة: انخفاض في الحرارة مع أمطار مؤقتا رعدية آخر النهار    كارثة في القيروان: طفل يقود سيارة والده ويصطدم بسيّارات ومركز صحّة!    جويلية 2028: كل نشاط تجاري باش يكون مربوط بآلات التسجيل الجبائية...لا مجال للتهرّب    عاجل: بريطانيا تتجه لتنفيذ أكبر إصلاح لسياسة اللجوء في تاريخها الحديث    شنوا الجديد في مشروعي مسكن للكراء المُملّك وسيّارة'' آف سي آر'' لكُلّ تونسي ؟    على المباشر، الجوادي لمسؤول بوزارة الرياضة: بابا يجيكم كل يوم حد ما يقابلو وانا نطلبكم ما تهزوش ....علاش!!؟    عاجل: وزارة الفلاحة تفتح مناظرة خارجية لانتداب 234 مهندسا...تعرّف على المجالات    مباراة ودية : المنتخب التونسي يختبر قدراته أمام العملاق البرازيلي قبل الاستحقاقين العربي والإفريقي    "بسبب السحر".. مشادة قوية بين مدرب نيجيريا ولاعبي الكونغو الديمقراطية    سينر يهزم ألكاراز ويحتفظ بلقب البطولة الختامية لموسم تنس الرجال    رشفة واحدة ولقطة بسيطة.. كيف يحرك رونالدو الأسواق دون إعلان    الديوان يشري زيتكم: إستقبال صغار الفلاحين يبدأ اليوم الاثنين    جامعة التعليم الثانوي تقرّر مقاطعة كل أشكال التقييم الجزائي بداية من الثلاثي الثاني    بنزرت: إنقاذ شابين من الغرق حاولا اجتياز الحدود البحرية خلسة    الحرس الديواني يحجز بضائع بقيمة ناهزت 30 مليون دينار..وهذه التفاصيل..    هام/ وزارة الفلاحة تنتدب..    عاجل: على موعد قريب مع الأمطار    التقييم الجزائي في التعليم الثانوي التونسي: شنيا وعلاش ستتم مقاطعته؟    بعد سنوات من القطيعة.. مايا دياب تكشف حقيقة خلافها مع أصالة    عاجل/ خمس سنوات سجن ضد هذه الشخصية..    ذاكر لهيذب يحذّر: بعد 3 أيّام من إضراب الجوع...القلب قد يتوقّف فجأة!    شوفوا علاش ''برشا التوانسة'' يكرهوا نهار الاثنين ؟    شوف شنيا يصير لبدنك كان تشرب الماء ''بالقارص'' كل يوم    عاجل: حضور عربي قوي في مونديال 2026... 7 منتخبات عربية ضمن المتأهلين رسميًا!    في ظل موجة جفاف هي من الأسوأ منذ عقود: إيران تباشر عمليات تلقيح السحب    أمريكا تدرج عصابة على قائمة الإرهاب.. وتتهم مادورو بتزعمها    الشكندالي يحذّر من هشاشة التعافي الاقتصادي: نموّ محدود، بطالة مرتفعة وعجز تجاري يواصل التفاقم    قلعة الأندلس... وفاة عون أمن خلال مطاردة منحرف خطير بقلعة الأندلس    ترامب يلمح: سنفرض عقوبات قوية على إيران لتعاملها مع روسيا    وزير التجهيز : رصد اعتمادات تناهز 600 مليون دينار لفائدة الجسور والطرقات    إعلام أمريكي يكشف عن تحضيرات ترامب لاستقبال بن سلمان    ما قصة الرضيع الذي أوقف موكب الرئيس التركي في مدينة أديامان؟    أريانة: تكريم محمد علي بالحولة    إطار الإيواء السياحي البديل    مع الشروق : هل يجد الفلاح ضالته في «الدواوين»؟    أولا وأخيرا «حديد يحك حديد»    المهرجان الدولي لأفلام حقوق الانسان .. .نجاح جماهيري كبير في عشرية المهرجان    "فاشن بوليس": اطلالات مُميزة لمشاهير تونس في حفل نجوم تونس و الهام شاهين تثير الجدل!    مصر.. القبض على فنان معروف بحوزته مخدرات في ميدان التحرير    تنبيه/ تدمر الذاكرة: مختصّة في مرض الزهايمر تدعو إلى تجنّب هذه العادات اليومية..    عاجل: غلق 11 محل ومطعم يهدّد صحة المستهلك في العاصمة    رأي: الإبراهيمية وصلتها بالمشروع التطبيعي الصهيوني    مع الشروق : خيارات الشراكات الاستراتيجية    شوف وقت صلاة الجمعة اليوم في تونس    ''حُبس المطر'': بالفيديو هذا ماقله ياسر الدوسري خلال صلاة الاستسقاء    كم مدتها ولمن تمنح؟.. سلطنة عمان تعلن عن إطلاق التأشيرة الثقافية    ديوان الافتاء يعلن نصاب زكاة الزيتون والتمر وسائر الثمار    عاجل : وفاة المحامي كريم الخزرنادجي داخل المحكمة بعد انتهاء الترافع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ظلال دوحة الفاروق ( 6 ) الفاروق يجر قميص دين ويعب من أقداح اللبن عبا
نشر في الحوار نت يوم 13 - 04 - 2010


في ظلال دوحة الفاروق.
((( 6 ))).
الفاروق يجر قميص دين ويعب من أقداح اللبن عبا.

أخرج البخاري عن إبن عمر عليهما الرضوان قال سمعته عليه الصلاة والسلام يقول : بينما أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى أني لأرى الري يخرج في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر. قالوا فما أولته يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام : العلم.
في مشهد آخر يحضر الفاروق عمر عليه الرضوان في مشهد من المشاهد المنامية التي تعود قلب الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام. حضر بالأمس في مشهد دين يجر أرديته جرا واليوم يحضر في مشهد من مشاهد العلم. هل تجد شهادة لرجل في الدنيا من المؤيد بالوحي الكريم أعظم من هذه الشهادة؟ شهادة له بالدين وأخرى بالعلم. وهل السعادة في الدنيا غير دين وعلم؟
الدين يعدل المحرار النفسي للإنسان حتى يعتدل المزاج مع النفس ذاتها ومع خالقها سبحانه ومع الإنسان كيفما كان وحيثما كان. الدين بكلمة واحدة هو مخ جهاز المناعة النفسية للإنسان الذي فطر على مقتضى قوله سبحانه ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ).. أما العلم فهو المحرار الذي يهديك إلى حسن تفعيل جهاز المناعة من جهة بمثل ما يهديك إلى حسن التعامل مع الكون من حولك. ذلك الكون الذي لا يسخر إلا بسلطان العلم سوى أن ذلك العلم متاح للمؤمن والكافر سواء بسواء ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ).. بكلمة أخرى مقتضبة مختصرة شافية كافية : الدين محرار القلب وضامن فاعلية مناعته والعلم محرار العقل وضامن فاعلية مناعته. فمن أوتي الدين والعلم فقد أوتي الخير كله وكان خير الناس.. حضارة أروبا : عقل يسخر الأرض والسماء وما بينهما للإنسان تسخيرا وقلب إنما إستعير من صدور الوحوش الكواسر العادية من ذوات المخالب الحادة والأنياب المسمومة.. أما حضارة الشرق اليوم فهي عقل يحبو على شطآن العلم حبو الأطفال الصغار وقلب يتألم فما يزيده الألم إلا ألما.
القميص المجرور دين واللبن علم.
مشهد آخر من مشاهد تأويل الأحلام ( أو بالأحرى الرؤى الصادقة ).. فأي علاقة بين اللبن والعلم. قال سبحانه ( نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) كما قال سبحانه في موضع آخر ( وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ).. وعندما أسري به وعرج عليه الصلاة والسلام قدم له قدحان ملئ أحدهما لبنا والآخر خمرا فإختار اللبن عليه الصلاة والسلام فقال له ملك الوحي جبريل عليه السلام ( هديت وهديت أمتك ولو إخترت الخمر لغويت أمتك).. ومعلوم أن العرب تسمي الحليب لبنا وكذا القرآن الكريم والسنة على معنى تسمية الشيء ببعضه أو بجزء منه أو بشيء من عائلته فالحليب نسبة إلى طريقة كسبه واللبن نسبة إلى ماهيته وبذا تكون كلمة لبن أولى ولا مشاحة في الإصطلاح..
اللبن للبدن والعلم للعقل.
يشترك اللبن مع العلم في أمرين ذكرهما الكتاب الخالد. أولهما أن العلم بمثل اللبن إنما يتطلب جهدا لتمييزه عن الفرث والدم. يتخلص العلم ويتحرر من الفرث والدم بمثل ما يتخلص اللبن ويتحرر. لا يكفي طلب العلم وإنما لا بد من طلب الفقه إذ العلم يمكن أن يكون أكداسا مكدسة في الرؤوس ولكنه لا يعصم حامله من الوهم والخلط بسبب فقدانه للحكمة والميزان اللذين أنزلهما سبحانه جنبا إلى جنب مع كتابه العظيم. ثاني الأمرين اللذين يشترك فيهما العلم مع اللبن هو الصفاء الناصع والبياض اللامع إذ بمثل أن اللبن لا يتغير طعمه في الجنة لا يتغير طعم العلم كذلك فهو المطلوب لذاته كما قال العلماء بل لك أن تقول أن غذاء البدن لبن سائغ للشاربين لم يتغير طعمه بينما يكون غذاء العقل علما يفضي إلى الفقه والحكمة والميزان بمثل ما قال عليه الصلاة والسلام ( رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ).. وهو ما يميز المحدث وهو حامل العلم عن الفقيه الذي ينظر في الحديث ليحكم فيه الكتاب الخالد وينظر في مآلات تنزيله.
علم النبوة يورثه الفاروق.
قال عليه الصلاة والسلام في رؤياه “ فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر “.. شهادة من الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام أن العلم الذي بثه الله سبحانه في صدره حتى خرج من أظفاره ( تعبير مجازي ) شرب منه ثم أعطى فضله الفاروق بما يجعل الفاروق عليه الرضوان وريث النبوة وجاء في الأثر أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا ولكن ورثوا علما من أخذ به فقد أخذ بحظ وافر.. لا بل إن الحديث الصحيح عند بعض أهل السنن يؤكد ذلك ( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ..).. عندما نتعرض للفتوحات العقلية للفاروق في حلقات قادمة بإذنه سبحانه يتبين أن الفقه الأصولي المقاصدي الذي ورثه الفاروق من النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام شيئ عظيم وكبير..
: قميص دين وقدح علم وعبقرية قوةالفاروق .
أخرج البخاري عن أبي هريرة قال سمعته عليه الصلاة والسلام يقول بينما أنا نائم رأيتني على قليب ( بئر) عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها إبن أبي قحافة ( أبوبكر الصديق) فنزع ذنوبا أو ذنوبين ( الذنوب بفتح الذال = نصيب وكفل ) وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه ثم إستحالت غربا فأخذها إبن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن ( العطن = مورد الماء الذي يجتمع فيه الناس بأنعامهم).
هذا هو الحديث الثالث الذي يخرجه صاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ( الإمام البخاري الذي إنتخب مما يزيد عن 850 ألف حديث ألفي حديث أو يزيدون قليلا ).. هذا هو الحديث الثالث في فضل الفاروق.
كان الفاروق عليه الرضوان يجر قمصان الدين جرا ثم أضحى يعب من فضلة محمد عليه الصلاة والسلام من أقداح العلم عبا حتى إنتهى به الحال اليوم عبقريا ينزع بقوة من دلاء ضخمة من بعدها دلاء ضخمة ملؤها ماء زلال يشرب منه الناس ويسقون أنعامهم وأرضهم.
= دين وعلم وقوةالإمامة .
ألا ترى أن الفاروق جمع من رؤى محمد عليه الصلاة والسلام أضلاع الإمامة الثلاثة : دين وعلم وقوة. أجل. والله.
نظرات في الرؤيا المنامية الجديدة.
مثل عليه الصلاة والسلام نفسه بصاحب إبل يرد بها قليبا ( بئرا شبه معطلة) فيظل ينزع منها الماء الطيب الزلال حتى يشرب الناس وتشرب أنعامهم وينصلح أمرهم فلما توفاه ربه سبحانه جاء من بعده الصديق عليه الرضوان فنزع بمثل ما كان عليه الصلاة والسلام ينزع وربما يكون ضعف الصديق بسبب محدودية الفترة الزمانية التي تولى فيها الخلافة ( أزيد من عامين بقليل) فضلا عما يعرف عنه عليه الرضوان من رحمة ولطف ورفق وليس أدل على ذلك مما قال فيه النساء عندما قدمه عليه الصلاة والسلام في مرضه للصلاة.. قلن فيه أنه كثير البكاء في الصلاة ولكنه عليه الصلاة والسلام أصر على تقديمه إماما.. فما إن إلتحق الصديق عليه الرضوان بالرفيق الأعلى حتى جاءت الأمة بالفاروق وتدبر معي كلام الحبيب فيه “ ثم أخذها إبن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن “.. شهادة كافية شافية من المؤيد بالوحي الصادق.. شهادة على قوة الفاروق الذي أخذ يسقي الناس بدوابهم عاما بعد عام حتى شربوا جميعا وسقوا جميعا وساد العدل وهيمن الإسلام وخيم الأمن بين الناس..حتى ضرب الناس بعطن فإستقر الأمر ولم يحدث رجل واحد نفسه بإدعاء النبوة أو شق صف الإسلام أو العدوان على أمته.. فاروق قوي ذو دين وعلم أظهر به الله الإسلام وحقق به مقاصده العليا من مثل العدل والقسط والعزة والكرامة والحرية والوحدة والهيبة وإرهاب أعداء الله ورسوله..
مما ساعد الفاروق على ذلك بالتأكيد طول فترة خلافته ( أزيد من 12 عاما من جملة حوالي 24 عاما هي عمر الخلافة الراشدة أي : نصف الخلافة الراشدة هي من كسب الفاروق عمر عليهم الرضوان جميعا ).. وهو مصداق لقوله عليه الصلاة والسلام ( طوبى لمن طال عمره وصلح عمله )..
هل تصدق أن رجلا يهابه الشيطان ويفر منه؟
أخرج البخاري عن سعد قال قال عليه الصلاة والسلام لعمر والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك ..
حديث رابع أخير للبخاري .. ولو كان لغير البخاري لتردد فيه المرء..
مصداق ذلك قوله سبحانه ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) وقوله على لسانه يوم القيامة كذلك ( وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فأستجبتم لي )..
ليس في القضية طلاسم غير معقولة بل هي عين العقل.
ألا ما أسرع ما يهرع كثير من المسلمين اليوم إلى التأويلات الباطنية المبهمة في مثل هذه الأمور. إذا كان الشيطان يفر من الفاروق ويسلك فجا غير فجه فلا بد أن يكون عمر مزودا بجهاز غيبي خارق للعادة خصه به الله أو ربما خصه به غيره سبحانه.. ذلك هو منطق التفكير عند كثير من المسلمين اليوم ( ولعلني لا أكون مخطئا إذا قلت : أكثرهم )..
القضية أبسط من ذلك بكثير ولا تحتمل كل ذلك. القضية كلها هي أن الشيطان كائن ضعيف بشهادة خالقه سبحانه وبشهادته هو نفسه علينا يوم القيامة وبما أنه كذلك فإن المعركة بينه وبين الإنسان إنما تحسم بمدى صلاحية القوى الدفاعية للمؤمن فإذا هاجم الشيطان الحصون فألفاها خاوية نام عنها عسسها وخدرت الدنيا والنساء والغفلات حرسها نفذ إليها دون عناء وأما إذا ألفاها محروسة يقظة محصنة فإن ضعفه لا يقوى على إختراق تلك القوى الدفاعية الحية. تلك هي القضية بكل بساطة. يؤكد ذلك قوله سبحانه ( قل هو من عند أنفسكم ) وقوله ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) وغير ذلك..
بماذا تحصن الفاروق ففر منه الشيطان؟
ليس لعمر قرآن غير قرآننا ولا سنة غير سنتنا ولا تكوين عقلي أو نفسي أو روحي غير الذي حبانا به وإياه الرحمان سبحانه. إنما تميز عنا بشيء واحد هو : منهج تناوله للقرآن الذي هو بين أيدينا اليوم ومنهج فقه السنة التي هي بين أيدينا اليوم ومنهج التعاطي مع الدنيا التي هي دنيانا اليوم ومنهج التعامل مع الناس الذين هم أناسنا اليوم.. الشيطان نفسه هو الشيطان ذاته اليوم.. لا يتغير في الأمر سوى الزمان والمكان وبعض الظروف الأخرى التي سماها العلماء موجبات تغير الفتاوى.. يؤكد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام ( إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم وإنما الصبر بالتصبر ومن يتصبر يصبره الله ..) أي أن المنهاج العلمي السلوكي النبوي قائم على الجهد الذاتي وليس على الجهد الموضوعي إلا قليلا.. الجهد الموضوعي قد لا يزيد على التوجيه المنهجي وتوفير المناخ الملائم ولكن الجهد الذاتي هو المحدد في الفشل والنجاح سواء بسواء..
هل ينفك الشيطان عن الفاروق؟
طبعا لا. لأن التعبير النبوي في حديث البخاري مجازي وليس حقيقي. إذا قلنا أن الشيطان ينفك عن فلان أو علان فمعنى ذلك أن فلانا ذاك إرتفع عنه التكليف بفقد عقل أو سفه. الشيطان لا ينفك عن إبن آدم أبدا مطلقا ( إلا الأنبياء الذين لا نعرف عنهم شيئا من ذلك سوى ما ورد إلينا من إسلام شيطان محمد عليه الصلاة والسلام فلا يأمره إلا بخير).. لا ينفك الشيطان عن آدمي لأن الشيطان ضلع من أضلاع قانون الإبتلاء والإنسان مادة إبتلاء مادام حيا عاقلا مكلفا مسؤولا. إنفكاك الشيطان عن مخلوق معناه = خروج طالب من قاعة الإمتحان لعجز فاضح عن خوض الإمتحان. ولا يخرج الإنسان من قاعة إمتحان الدنيا حتى يموت..
ولكن الشيطان يهاب الفاروق لقوة الفاروق في وجه ضعف الشيطان.
تلك هي الخلاصة في العلاقة بين الفاروق وبين شيطانه الذي لا ينفك عنه ولكنه لسوء حظه أقامه ربه سبحانه في حظيرة رجل جمع بين أصول الإمامة الثلاثة : الدين والعلم والقوة.. فهو مهزوم لا محالة ولكن ليس لأن عمر فقد غرائزه وفطرته وجبلته وشهواته وحبه الدنيا والنساء والبنين وغير ذلك مما ذكره سبحانه في موضعه المعروف ولكن لأن عمر أعد لذلك يقظة نفسية دائبة وتقوى خاشعة وأحاط نفسه بعسس أمين قوي وحرس شديد لا ينام.. وكما قال فيه الناس : عدلت فأمنت فنمت يا عمر.. قل فيه : ذكرت فأمنت فهابك الشيطان يا عمر..
وإلى لقاء قابل.
الهادي بريك المانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.