لا تكاد تخلو ساحات العاصمة الأمريكيةواشنطن هذه الأيام من المظاهرات المعارضة لسياسة الرئيس باراك أوباما. مظاهرات أشعلت فتيلها قدرة أوباما على تمرير قانون اصلاح الرعاية الصحية المثير للجدل والذي استغرقت اجراءات تمريره عاما كاملا لما في ذلك من ضرر بالغ قد يلحق بشركات التأمين العملاقة والتي تشكل أحد "لوبيات" الضغط هنا في أمريكا. الى هنا والأمر لا يحمل جديدا فقد اعتادت أمريكا والغرب عموما على مثل هذه الطرق في التعبير عن الآراء السياسية والإجتماعية المختلفة، وهي حقوق كفلتها دساتير تلك البلدان.
الجديد هذه المرة - برأيي - هو المدى الذي وصلت إليه حدية هذه المظاهرات وشراستها تجاه رئيس الدولة الأولى في العالم وهو ما أثار اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية. فلم يكتف المتظاهرون - ومعظمهم من مؤيدي المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الجمهوري سارة بالين - لم يكتفوا بالإعلان عن مطالبهم بل ذهبوا أبعد من ذلك عبر جعل العنصرية وقود حملتهم ضد رئيسهم الأسود، فعبارات من قبيل "عد أدراجك إلى كينيا"، و"الحيوان الأفريقي"، و "الرئيس المسلم"، لم تكن أسوأ ما قيل في حق أوباما من قبل المتحلقين على بعد أمتار من مقر إقامته في البيت الأبيض. هذا التطور في أسلوب الاحتجاج وجد فيه الإعلام مادة مثيرة لنشراته الإخبارية وحلقاته الحوارية خاصة بعد التطور اللافت في معركة أوباما مع خصومه الجمهوريين والذين أفرز تعقبهم لأوباما وبحثهم في تفاصيل حياته عن حجر عثرة قد يطيح بخصمهم الشرس عبر ما أثير من لغط حول حقيقة ميلاد الرئيس الأمريكي على الأراضي الأمريكية من عدمه، فالجمهوريون المشككون في مسقط رأس أوباما يسعون بكل طاقاتهم لاستصدار قانون يضع حائلا بين أوباما وبين الترشح مرة ثانية لكرسي الرئاسة ما لم يحضر شهادة ميلاده التي تثبت مولده على الأرض الأمريكية. لكن وبعيدا عن هذه التفاصيل المشبعة بالعنصرية وبالخصومة غير الشريفة، ربما ما يستحق توقفنا أكثر هو المدى الذي وصلت إليه هذه المجتمعات من فهم عميق لطبيعة "عمل " الحاكم، ما يجعلها تعلن عن رفضها الصارخ لمجرد أن شيئاً ما لم يعجبها في أدائه، وأنا هنا أضع كلمة عمل بين قوسين لأذكر بأن الحاكم في الأساس هو موظف يقوم بعمله في خدمة شعبه قبل أن يتحول في مجتمعاتنا بقدرة قادر الى رمز بالغ القداسة والهيبة والرهبة إلى آخر أوصاف قادتنا الملهمين .