صراعات الغرب الأخيرة بين الإخفاق والمقاومة(2) د الطيب بيتي العلوي إخفاق تغريب العالم ليس إخفاقا للشعوب المتخلفة،إنه على وجه التحديد إخفاق الغرب وسقوطه النهائي ،ويعني بالخصوص،اخفاق ادعائه للعالمية،والاستمراررية الأبدية والمعصومية ،التي هي مأساوية وبشاعة أوضاع فترة ما بعد الإستعمارالكولونيالي، بتدميرالهويات الثقافية للشعوب ودفعها إلىالتقليد الأعمى السخيف إلى الحد الأقصى،وتهديدها المستمربالخضوع أوالحروب - الأثروبولوجي "سيرج لاتوش"من كتابه -تغريب العالم Serge Latouche – L'occidentalisation du Monde نهاية الفكرالغربي أم نهاية الغرب؟ جميع فلسفات الغرب لها-في مسارها التاريخي الطويل-مؤسسوها ومدارسها واتجاهاتها وأتباعها من داخل الأنظومة الغربية ومن خارجها،وسيظل الغرب بسطوته الفكرية منذ الأغارقة إلىالغرب المعاصر، يبحث عن المسوغات لوضع الصياغات المتجددة والمتناقضة"للإنسان السقراطي العاقل"المبنية على حطام ركام الحيوان الإنساني"لما قبل التاريخ"بمفهوم الحضارات الروحية الشرقية،ذلك الإنسان الذي اعتقدت أمهات البشرية الثلاثةالأولى:الإغريقية والتوراتية والرومانية ،أنها وأدته"ليبدأ الغرب "التأريخ" والتأسيس للإنسان الكوني الجديد،على هدي وتوجيه وانتقائية"تاريخانية الغرب"المركزية،-بتقبيرتواريخ الأمم الأخرى"الدونية"-،مما أثارامتعاض واستغراب فلاسفة من داخل الغرب نفسه مثل"نتشه"الذي اعتبرأن"انشقاق سقراط "كان أول خطايا الغرب في سوء التوجيه البشري،والذي يمثل أول"بداية الإنحطاط الغربي"–حسب نتشه-وكان فسلة انحراف الغرب عن مسار"نقاءفطرة الإنسان"المتعارف عليها في حضارات الشرق القديمة، ودياناته ،وحضارات شعوب الأمريكيتين وإفريقيا والشعوب البائدة التي تم إسقاط ذكرها في التاريخ الغربي وفلسفاته وأصبحت نسيا منسيا الغرب بلاد المساء:"هيدغر"(1): إن استحداث الفلسفات الجديدة البراقة،واختلاق الأطروحات المصادمة عند حلول كل مساء–على حد تعبير"هيدغر"،لضرورة جوهرية من صلب الفكر الغربي-،كما أنها من مكونات إخفاقه أيضا-كلما تأزم هذاالغرب مع نفسه وفقد رشده،وتزعزعت ثقته بعدم تلاؤم قيمه الأساسية-التي بنىعليها تصوره الكوني منذ فجر حضارته-مع ممارساته التاريخية،أوعندما تتماس شطآن مكتسباته،وتتقلص آفاق تطلعاته،وتتكسرأمواج مصالحه على رمال العوالم البعيدة"عن التغريب"،أوكلما يُتهدد فشل فرض مشروع هجومي جديد حين تتصدع رؤاه الفكرية المتحولة والمتغيرة المستجيبة لهسترات متطلبات آنية"قانون عبادة شحنة المال والسوق"،وسادية الإستعباد وجشع الاستحواذ،التي حولت المفاهيم الغربية إلى مجرد آلة جهنمية تدميرية لإجتثات الحضارات واستأصال الثقافات،فتتقلص،بموجبها،فلسفاته الجديدة الموسمية لتتحول إلى مجرد"جعجعات عظمى Tautologie immense–حسب وصف الفيلولوجي الفرنسي الكبير"رولان بارث Roland Barthes ،حيث تتسربل مرة بالعقل، ومرات باللاعقل-ليُصيَرها-بالترغيب أو بالترهيب- إلى صنميات"تُقدس لدىالمستضعفين مآلا،والمستغفلين عقلا،والمستدرجين طمعا ،والمهرجين تحذلقا،والمدهنين والنصابين فكرا،من الثالثيين عموما والعرب خصوصا ، وهكذا–وبمفارقة غريبة-نجد أنه ما من صيحة من الصيحات الفلسفية والفكرية والثقافية في الغرب منذ(فلسفة الكائن)لسقراط وأفلاطون وأرسطو،مرورا بفلسفة الأنوارلأواخرالقرن الثامن عشر(كانط-هيغل) وصولا إلى صيحات العبث،والعدمية،والوجودية،وكل التيارات اللاعقلانية التي جاءت كتمردعلى صرامة العقل(الكانطي-الهيغلي) وجفافه،ورفضه كأداة وحيدة للمعرفة،إلاويعبرعنها بشكل عقلاني صارم أيضا(وتلك من أعاجيب العقل الغربي)،منذ أن طرح نتشه تساؤله الكبيرفي كتابه"الفجر" قائلا:"كيف جاء العقل إلى العالم ،كاللقاء،...-بطريقة لاعقلانية-وعلينا أن نخمنه مثل"اللغز"..ذلك اللغزالذي أنتج: فلسفات اللامعنى واللاقصد واللاغاية واللامبدأ،والتأزم،والقلق،والطريق المسدود،والغثيان،والإنتحار،واللاإنتماء،إلخ ،..بعدأن فشل"العقل الدياليكتيكي الغربي القاهر"في ترشيد إنسانه ،ليقودعالمه"المتحضرحتى الثمالة"و"الديموقراطي حتى النخاع" والحداثي حتى اللاعودة،إلى حربين عبثتيتين لاعقلانيتين بشعتين جهنميتين،كان ضحيتها في الأولى والثانية،أكثرمن مائة مليون إنسان(حوالي40 مليون قتيل في الأولىو70 مليون في الثانية-حسب آخر إحصائيات اليونسكو-،ناهيك عن المعطوبين والتدميرالعمراني وبشاعاته) اللتان أنتجتا تلك الصيحات الفلسفية الجديدة المتناقضة واللاغية لما قبلها ،والتي ربت أجيال المتفلسفين الجدد الرافضين للأنظومة الغربية برمتها-حيث غرق الفكرالغربي ،بعدها،في مستنقعات أزماته الفكرية،..وصلت إلى ذروتها في الستينات والسبعينات،ليختلق الغرب،من جديد،أطروحات فلسفية هجومية جديدة، بدءاً من عام1989 ليفرض مفاهيم جديدة"لفهم العالم الجديد":نهاية التاريخ،صدام الحضارات،الفوضىالعالمية الجديدة"المسوغة للحروب الحضارية الجديدة على (الشرق /النقيض للغرب)التي تم اختيارالعراق ساحة اختبارلها،كبوابة للإكتساح الكامل لبلاد الله مشرقا ومغربا،فتحول (العالم العربي-الإسلامي )من جديد،عبرالهجمة على العراق وأفغانستان ،في الألفية الثانية،إلى مأدبة اللئام،لتتقاعص عليه كل هسترات تآمرات اللوبيات"الغربية: (العسكرية- الدينية- المالية-الإيديولوجية)-ولا تهمنا هنا تسطيحات آراء نفاة المؤامرة-ومرتعا خصبا للمشاريع السرية لمشاريع "الحكومة الخفية"عبرلصوصية الشركات المتعددة الجنسيات و"الإرتزاق الدولي"والنصب الثقافي،وعربدات برابرةعصرالتحضر والتمدن الغربي،بمساندة البغاء السياسي العربي،وخيانة وتخابث نخبهم ومثقفيهم الدائرين في الفلك الغربي وطرقه السيارة المؤدية إلىشعب المطاوح وسراديب المهالك المرحلة الإنتقالية للحضارة الغربية من التسمم الى المسخ الحضاري: ثم تأتي المرحلة الإنتقالية الأخيرةللفلسفات الغربية وأطروحاته الهجومية التي خلقت الحروب والأزمات المالية والاجتماعية والأخلاقية،مخلفة وراءها"الفراغ"و"الفوضى"التي لا مخرج منها،سوىالمزيد من"عبقريات الأزمات والحروب"المؤدية إلىالترنح البشري والإنتحارالكوكبي،علىهدي أكذوبات التوليفات الغربيةالجديدة : ادعاءات أوباما(التغييرية –الإصلاحية)-التي أصبحت المنقبة الأمريكية الكونية الجديدة- وساديات ناتانياهوالتوراتية،وأكاذيب وترقيعات مجموعة بروكسل،يلخصها لنا المفكرالفرنسي الإستراتيجي الكبير"فيليب سولرس"برصده لمجريات الأمورالدولية،بعد الهجمة على العراق،بهذه العبارة الشهيرة:"لقد قيل لنا أن الديموقراطية انتصرت،والمستقبل سوف يكون للعلم ولحقوق الانسان،وأن العقل انتصر،والتاريخ بلغ نهايته،وحالما ننظر من حولنا،نلاحظ أن الواقع لا يتوافق البتة مع الشعارات المرفوعة :فالتزمت انتشربشكل مخيف،والخرافات والمعتقدات الزائفة اكتست القلوب والعقول والأزمات تفاقمت، وكل الأطروحات تبخرت ،لتعلن موت لانسان... وإلى الأبد.."حيث انتقل العالم بعيد الهجمة على العراق من"التغريب" Ooccidenatalisation إلى التسمم الغربي Occidenttoxication ليصل إلى المسخ الحضاري عبر مشاريع الحروب المقبلة–التي هي مطلب حيوي للولايات المتحدة وإسرائيل-والتي لا مناص منها لاستمرارية الحضارية الغربية وهاهي الأحداث اليومية الدولية الخطيرة تتدفق في أيامنا هذه تباعا،وتتلاحق التحولات بيننا سراعا،وبأشكال فجائية غيرمسبوقة يصعب استيعابها والسيطرةعليها،أوإستجلاء تبعاتها المهولة علىالبشرية،..مقابل غياب أية ادعاءات حلول مطروحة لهذه المستجدات المربكة في مراكز البحوث،سوى إمطارنا بشلالات اللف والدوران،وطرح أشتات رؤىً لا راتق لها،واجتهادات مجزَأة لا جامع لها،وترقيعات سياسية وثقافية واقتصادية لاسند لها سوى الشتات الفكري والتحايل السياسي،فبدأت التنظيرات الغربية-على جميع المستويات- تتراجع حثيثا عن يقينياتها،وتتحول إلى شوارد وأنظارهجينة لاناظم لها سوىالهجانة،وممارسة الشطح ،والهلوسة"النرفانية،والقفز "السوبرماني"على المشاكل والمعضلات إلى الأمام-بتصديرها إلى الخارج لخلق مشاكل وتوترات خارجية هنا وهناك،بنفس الأخطاء التاريخية الفادحة وهاهم خبراء الفكروالإقتصاد والسياسة والأناسة والبيئة في أوروربا الغربية(ونحن في عام 2010)،يتخارسون أمام أزمات دولهم،بعيداعن عجائب وغرائب ادعاءات علوم أناسة الغرب منذ القرن الثامن عشر،التي لم يعد لها أي أثر في الغرب منذ السبعينات،(إلا عند نخبنا) فإذا بالغرب يتحدث اليوم عبر صحفه ومجلاته اليوميةعن :"الشرخ الخطير"و"سقوط برج بابل العظيم"و"البوكاليبس"و"المصير المحتوم"و"الكابوس الثقيل"و"جحيم الحضارة"و"نهاية السراب"و"المستنقع العفن"وغيرها من التوصيفات التي لاعلاقة لها بالنزعات الكارثية، والإرتعاب من المجهول،ونهاية العالم (التوراتية) التي سادت أدبيات مفكري ما بعد الحربين الذين وصفوا-زمنها-ب"الرجعيين"والمرتعبين والمهزوزين والحالمين والرومانسيين ذوي الأرواح الحزينة،والمبشرين بالدراما الكونية ونهاية البشرية،أوأولائك المثاليين الذين كانوايبنون التاريخ على مبادئ روحية،وعلى ضوء استقراءات واستنتاجات عبر(جمع عبرة)التاريخ مثل"بليزباسكال"أو"زفالد شبلنغر"أو"سويدنبرغ"أو"أرنولد توينبي"وغيرهم، حيث تحققت"سوداووية تنبؤاتهم"عبرصرخات تحذيرات الإقتصاديين والصحفيين والإعلاميين، والمفكرين، والتحليلات النقدية اليومية للجرائدوالمجلات الأكثرانتشارا،والأكثرجدية ،البعيدة عن الإفتتان أوالتباكي أوالتلذذ"بكفكفة نحيب الرجل الأبيض"حسب تعبيرالمفكروالأكاديمي الفرنسي الكبيرالثاقب النظر"أليكسيس دوطوكفيل"الذي حث الأوروبيين بعد تجربته(كباحث أنثروبولوجي في الولاياتالمتحدة بعد اختبار تجربتها"الديموقراطية الجديدة")علىالتفكيرالجاد بالكف عن متابعة حلم الإفتتان بخلود الحضارة الغربية التي انهارت حصونها في جحيم بلاد "العم سام"، بعد أن انتقل إليها مشعل "حكمة الرجل الأبيض"الذي اكتسح القارة الجديدة(أمريكا) ليخطط لنظاميه :الحضاري والاجتماعي الجديدين،على أساس ارتكاب"الخطيئة الأصلية الكبرى"حسب تعبير-غارودي-التي اقترف بموجبها منقبتين أساسيتين هما: -الإبادة الجماعية للسكان الأصليين، الذي وصفه "طوكفيل"Tocquevilleبدعابة مريرة ب"الزحف المنتصر الوحشي لحضارة الرجل الابيض" عبر الفلاة" حيث لم يتبق من مجموع 100 مليون من الهنود الحمر في الامريكيتين سوى 10 ملايين حيث تمت ابادتهم في ظرف اقل من قرن واحد -منقبة التأصيل المذهبي للعنصرية والقهر"ضد مواطنيه من السود الذين ساهموا في حروب التحرير ضد الانجليز مع جورج واشنطن(الذي الذي تنكر لهم وقلب لهم ظهر المجن فور التحرر)، حيث ستكون هذه "الخطيئة الأصلية"السياسة الثابثة والرسمية للولايات المتحدة منذ واشنطن،إلى أوباما،مع التغيير والتعديل في الفروع لا في الأصول، بذلك النهج الذي ألهم"الدولة العصرية الديموقراطية (العبرية-الغربية): إسرائيل"،اللتان ترتبطان –بحكم تاريخ نشأتهما وعقيدتهما(التوارتية-البروتستانتية)-بأواصرعقدية وفلسفية لن تنفصم عراها، إلى أن يأتي الله أمرا كان مفعولا للبحث صلة (1)-انظر:Martin Heidegger ما هو التفكير:؟ Qu'est ce que pencer حيث يعتبر ان الغرب هو تلك البلاد الأسطورية التي تولد فيها الفلسفات مع حلول كل مساء