الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    أولا وأخيرا: أم القضايا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    نابل.. وفاة طالب غرقا    مدنين: انطلاق نشاط شركتين اهليتين ستوفران اكثر من 100 موطن شغل    كاس امم افريقيا تحت 20 عاما: المنتخب ينهزم امام نظيره النيجيري    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    منتخب أقل من 20 سنة: تونس تواجه نيجيريا في مستهل مشوارها بكأس أمم إفريقيا    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عيد الشغل.. مجلس نواب الشعب يؤكد "ما توليه تونس من أهمية للطبقة الشغيلة وللعمل"..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    كأس أمم افريقيا لكرة لقدم تحت 20 عاما: فوز سيراليون وجنوب إفريقيا على مصر وتنزانيا    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    ترامب يرد على "السؤال الأصعب" ويعد ب"انتصارات اقتصادية ضخمة"    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    كرة اليد: الافريقي ينهي البطولة في المركز الثالث    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    عاجل/ اندلاع حريق ضخم بجبال القدس وحكومة الاحتلال تستنجد    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة النهضة بين الأمس واليوم ( 7 )
نشر في الحوار نت يوم 22 - 06 - 2010

في الذكرى التاسعة والعشرين للإعلان عن حركة النهضة التونسية.

حركة النهضة بين الأمس واليوم.

((( 7 ))).


نبهني أحد الأصدقاء مشكورا أن تأسيس الإتحاد العام التونسي للطلبة كان عام 1985 وليس عام 1986 كما ذكرت في الحلقة المنصرمة.


تذكير بالمعالجات السالفة :

1 إختيار الإسلام الوسطي.

2 إختيار الديمقراطية.

3 إختيار العمل مع المعارضة السياسية.

4 إختيار منهج إصلاحي جامع يحاول ملامسة كل الفضاءات.


5 الإنتظام ضمن إستراتيجية إصلاحية جامعة.

() عادة ما تكون الإستراتيجية إلا في المجال العسكري بسبب طبيعته الخاصة منهج تفكير يعتمل في النفوس وتترجمه الأيدي والأعمال ثم يدون مكتوبا موثقا إما في حال تطور الحركات إداريا وتنظيميا وتكاثر أعبائها أو حصول خلافات سياسية أو خلافات حول الإدارة أو غير ذلك مما يفرض التدوين لتجاوز المشاكل الداخلية. حتى في التاريخ الإسلامي وتراثه ذلك هو المسار الذي إتخذته حركة التدوين الفقهية مثلا حيث ظل الفقه أصولا وفروعا معمولا به فلما إستقر الأمر بالناس نزعوا إلى التدوين. تدوين الأشياء إيجابي وسلبي في الآن نفسه. إيجابي لتجاوز المشاكل والتفرغ للعمل سيما عند تنوعه وكثرة واجهاته ولكنه سلبي من جهة منزعه التلقائي الطبيعي لتأبيد المدون حيث تنشأ الأجيال مع مرور الأيام غير واعية بما يسمى اليوم الثقافة العملية قبل التدوين من جهة والأخطر من ذلك كله من جهة أخرى هو تأبي ذلك المدون على المراجعة والتقويم في النفوس وذلك هو منشأ التقليد المنكور.

() نشأت إستراتيجية الإصلاح والتغيير في الحركة منذ البداية بما وقر في عقل ثلة التأسيس الأولى أي : غلبة الطابع الحركي العملي والإنفتاح على الناس لدعوتهم ومواجهة التحدي العالماني ( كان في تونس في تلك الأيام تحديا شيوعيا إلحاديا عنيدا جدا) وتوظيف أي فضاء ممكن لتفعيل تلك الهموم في محاولة لإستئناف الحياة الإسلامية على أساس أكبر فكرة قامت عليها الحركة وربما الصحوة الإسلامية المعاصرة وخاصة الإحيائية منها على يد الشهيد البنا عليه رحمة الله سبحانه وهي فكرة : جماع الإسلام للحياة. كانت الإستراتيجة في تلك الأيام هي الدعوة إلى الإسلام في صفوف الشعب بصفة عامة وخاصة في صفوف الشباب سيما أن المؤسسين الأوليين ( الغنوشي ومورو) كلاهما مثقف : أحدهما ثقافة فلسفية فكرية شهدت تقلبات بين إنتماء عروبي ناصري عاطفي وإنتماء سلفي عملي مخفف وإنتماء دعوي حركي حثيث وإنتماء إسلامي إحيائي جامع والآخر ثقافة حقوقية معاصرة مع تعلق بتدين تونسي تقليدي ملتزم. لم تكن الإستراتيجية تحمل أكثر من عنوان الدعوة التي يغلب عليها الطابع العملي الفكري المفتوح ثم عركتها التجارب حتى تحولت من حادثة سوسة 1973 حتى الإعلان عن الحركة 1981 تحولات كبيرة جدا لم تكن تخطر على بال.

() هناك إستراتيجية موثقة مدونة وهي التي سميت الإستراتيجية المؤقتة لحركة الإتجاه الإسلامي وهي ثمرة من ثمرات المؤتمر الرابع للحركة ( ديسمبر 1986) وهناك إستراتيجية عملية ظلت تتطور مع الأيام وتعالج التحديات الداخلية والخارجية بما يناسبها. معنى ذلك أن العمل سابق للتنظير وأن المعالجة سابقة للتدوين وأن المدون عادة ما يلجأ إلى أسسه القطعية الكبرى في حالات معروفة من التهديد والخلاف وغير ذلك ولكن للواقع سطوته وللمعيش سلطانه وذلك هو معنى ملاءمة الموثق للمعيش. ذلك هو المنهج الإسلامي القائم على محكمات هي الإستراتيجية الموثقة المدونة من شأنها العصمة في زمن الفتنة أو التراجع من جهة وعلى ما دون ذلك من إستراتيجية عملية تطبيقية ميدانية تعالج الواقع بما يناسبه.

() لو رصد راصد إستراتيجية الحركة كما طبقت حتى اليوم وليس كما دونت لألفى أنها إستراتيجية قوامها : رعاية المحكمات التي نشأت عليها الحركة أي بطاقة هويتها بالتعبير القديم للمهندس الجبالي وهي ( الصفة الإسلامية في مقابل الصفة التيوقراطية من جهة والصفة العنفية الإرهابية من جهة أخرى+ الصفة المدنية السلمية الديمقراطية + الصفة الجماعية التي تحاول معالجة آثار الآزمة في البلاد في كل المناحي قدر المستطاع + الصفة السياسية جمعا بين كون الإهتمام بالشؤون العامة للناس من لدن الإسلام عبادة تقرب إلى الله سبحانه وبين كون السياسة مفتاح من أهم مفاتيح الإصلاح والتغيير في زماننا بالرغم من تبعات ذلك في ظل الدولة العربية الحديثة التابعة وبين كون السياسة إجتهاد بشري تحاكم فيه الأعمال وليس النيات ولا يتلبس بالدين فيه لا لتكفير مجتهد مخطئ ولا لتقديس إلهي أو إسباغ عصمة على مصيب).. الإستراتيجية العملية المعيشة للحركة قوامها ذاك أي رعاية المحكمات التي شكلت بطاقة هويتها من جهة والتمحض لمعالجة آثار الواقع بقصد إصلاحه من جهة أخرى من بعد حسن فهمه وحسن فهم تطوراته وتعقيداته وما تيسر من مآلاته.

() ليس هناك من الأدل على ذلك من تطور الحركة بسرعة من جهة وبسبب تمحضها لمعالجة الأوضاع من جهة أخرى من الجماعة الإسلامية ( أول إسم ) المهتمة بالدعوة إلى الإسلام إلتزاما خلقيا وعباديا وغير ذلك ثم إلى الدعوة إلى ذلك إلتزاما فكريا عندما إعتلج الإشتباك مع الشيوعية والأفكار المادية بصفة عامة .. ثم إلى حركة الإتجاه الإسلامي ( الإسم الثاني ) أي حركة مهتمة بإعادة الإعتبار إلى الإسلام نظاما للحياة ومنهاجا لمعالجة الأوضاع في كل الحقول والميادين والمقصود هنا بصفة خاصة هو الحقل السياسي .. ثم إلى حركة النهضة ( الإسم الثالث الأخير حتى اليوم ) أي حركة تحاول المساهمة في معالجة الأوضاع المحلية مع رعاية إرتباطاتها الإقليمية والقومية والإسلامية والدولية.. أو قل : حركة تحاول المساهمة في توفير حل نظري وعملي في الآن معا لقضية الدولة بسبب أن الدولة هي الفاعل الأكبر من حيث الواقع وليس من حيث ما حقه ذلك إما في فتح آفاق النهضة الإسلامية الجامعة وإستئناف الحياة الإسلامية بحسب الأصول الإسلامية وتحديات الواقع أو غلق تلك الآفاق وتأبيد الإستلحاق والتغريب وهيمنة أعداء المشروع الإسلامي وأعداء الأمة على مقدرتها الثقافية والإقتصادية والإستراتيجية. ذلك دليل على أن إستراتيجية الحركة مبناها معالجة الواقع بحسب ما تسنى لها من عمق في التفكير وجماع في المعالجة وقصد في التخطيط وصبر على ذلك وغير ذلك. دعني أقول بكلمة واحدة : روح إستراتيجية الحركة هي الحركة والتغيير والإصلاح والمعالجة والفعل والبحث دوما عن المنفذ المناسب أو الأنسب لتثبيت محكمات بطاقة هويتها أي : الإسلام والديمقراطية والجماع وغير ذلك.

() أما الإستراتيجية المدونة فلم تكن سوى تدوين لما وقر في العقول سيما بعد تجربة ثرية غنية نسبيا. رغم ذلك فإن تلك الإستراتيجية كانت تعبر عن رشد وحكمة. وهذه هي أهم ما في تلك الورقة المصادق عليها في مؤتمر 1986 :

1 المقدمات المعروفة التي تثبت طبيعة الحركة أو بطاقة هويتها.

وهي مقدمات فصلت في ذلك تفصيلا ربما وبحسب إطلاعي ونظري بمثل ما لم يفصل في أي وثيقة أخرى. من مثل تلك التفصيلات التي لا تكاد تجد لها اليوم ذكرا في هذا المضمار وليس في غير هذا المضمار تثبيت معاداة الحركة للخيار الأمريكي في المنطقة. وهو أمر له معناه ومغزاه بسبب أنه يرمز مباشرة إلى تفعيل إحدى أهداف الحركة المثبتة أي : الإنحياز إلى حركات التحرر ومناصرة المستضعفين فضلا عن كونه يرمز بعد ذلك وليس قبله إلى أن المشروع النهضوي الجديد ينطلق من تفعيل الوعي بأن المشكلة مع الغرب ( الغرب الفلسفي الثقافي وأجندته البشرية والتخطيطية ) مشكلة فكرية ثقافية فلسفية في المقدمة من جهة وأنها مشكلة إستلاب وهيمنة من جهة أخرى وأن تونس واقعة بالضرورة تحت ذلك التأثير بكل مستوياته وخاصة الثقافية منه بسبب أن البلاد فقيرة بل تكاد تكون معدمة من حيث المقدرات العسكرية والإستراتيجية ( وبأقل من ذلك المقدرات الإقتصادية المسيلة للعاب الغرب النهاب أي : الذهبين الأصفر والأسود ) بما لا يجعلها محل تطاحن دام على مائدة الخصومات الغربية ولكن مجرد قاعدة إرتكاز خلفية لتأمين بعض من ذلك بصفة عامة ولضمان الولاء الثقافي والسياسي والإستراتيجي لأطماع الغرب بصفة خاصة .

2 شروط النهضة التي ترصدها تلك الوثيقة وهي شروط خمسة :

أ تأهيل جيل إسلامي يؤمن بالفكرة الإسلامية الصحيحة معتدلة بين أصلها وعصرها.

ب توفير حمالة تنظيمية تحتضن ذلك الجيل وترعى تلك الفكرة.

ج إعداد قيادات رواحل توجه مشروع النهضة صوب خياراته الصحيحة واقعيا.

د توفير المدد المالي اللازم لدفع الإستثمار في الإنسان والفكرة والجيل والحمالة ورواحلها.

ه توفير المناخ الملائم لتحقيق التقدم على درب النهضة المنشودة إجتماعيا ونفسيا وسياسيا وإقتصاديا وثقافيا وإستراتيجيا قدر الإمكان من خلال محاولة التأثير في موازين القوى لتعديلها لصالح المشروع النهضوي الإسلامي المعاصر.

3 مراحل الإستراتيجية النهضوية الإسلامية المعاصرة :

حددت تلك الوثيقة مراحل ثلاث لبناء مشروع إسلامي نهضوي معاصر يستعصي عن الإقتلاع ويتأبى عن الإستئصال على نحو تتشبع فيه الأرضية التونسية سيما في شبابها وأجيالها القابلة بالفكرة الإسلامية المتوازنة بين أصلها وبين عصرها والمنفعلة مع واقعها بغية إصلاحه وفق مناهج التدرج والتلطف والرعاية والتربية. تنبع تلك الإستراتيجية كما سنرى بعد قليل بإذنه سبحانه بأن المنهاج الحركي للحركة مبناه التربية والتعليم والتثقيف والتنوير والتزكية وإعداد البنى الذهنية والعقلية والنفسية والروحية التحتية وتشييدها على نحو تستقبل فيه تحديات الواقع ومشاكل التغيير وأثمان الإصلاح بصبر ومصابرة. تنبع تلك الإستراتيجية من أن الإنسان هو خليفة الله في أرضه وهو المستأمن على عهده وهو المعلم بعلمه وهو المستعمر في كونه بل هو قدر من أقداره وسنة من سننه وسبب من أسبابه به يهتدي من يهتدي ويضل من يضل وينصلح من ينصلح ويفسد من يفسد. غير أنه قدر عاقل مريد مختار حر لا يكره على ذلك حبة خردل ولكنه يحرر بالعقل ثم يخير بين الرشد والغي وهو وحده من يتحمل مسؤولية إختياره الحر اليوم وغدا سواء بسواء.

أ مرحلة الإنبثاث :

المقصود منها إنبثاث الجيل الإسلامي برواحله وجنوده في الشعب وفي المؤسسات بقصد بث الفكرة الإسلامية بريئة من اللوث التيوقراطي بقدر براءتها من الشغب العالماني إذ كلاهما شطط ويستوي الشطط أن يكون في إتجاه اليمين إخسارا أو في إتجاه اليسار طغيانا. مرحلة الإنبثاث معناها : أولوية الدعوة وأسبقية الفكرة ومركزية الإنسان ومبدئية الحرية والمراهنة على قوة الحجة وليس على حجة القوة كما فعل بورقيبة وبن علي لوأد المشروع النهضوي الجديد المعاصر.

ب مرحلة التأهل :

المقصود منها إستصحاب مرحلة الإنبثاث في سعيها لإشاعة الفكرة الإسلامية وتوظيف حصائلها تأهلا للولوج بها إلى النخبة التونسية في أي موقع كانت وخاصة نخبة المؤسسات بكل أصنافها وأنواعها تأهيلا للفكرة الإسلامية ذاتها أن تتصدر مواقع التوجيه في تلك المؤسسات التي خربتها العالمانية من جهة والإستبداد السياسي من جهة أخرى فضلا عن الفساد المالي وغير ذلك. منشأ فكرة التأهل هي أن الإنبثاث وحده لا يكفي وهو ما يميز حركة النهضة عن جماعة الدعوة والتبليغ مثلا على فرض أن أولئك يبثون الفكرة الإسلامية ولكن يغلب عليهم بث الخلق الإسلامي وهو فعل محمود ولكنه لا يكفي بسبب أن الإنسان كائن متعدد الأبعاد فإذا شبع بعد بوجبة جاع بها بعد آخر في ذلك الكائن ذاته .. عندها لا يستقيم أمر الكائن كله . الإنبثاث لبث الفكرة الإسلامية وإنتخاب رواحل جدد لها ورجال ونساء وشباب خطوة أولى على الطريق الصحيح ولكنه لا يكفي في المشروع النهضوي المعاصر الجامع. فكان لا بد من التفكير في تأهيل المجتمع الفاعل بمؤسساته المدنية أو من المرتقب أن يكون فاعلا في تحقيق التحول النهضوي. منشأ تلك الفكرة هي أن أخطر داء يمكن أن تصاب به حركة نهضوية هي عزلتها عن المجتمع ومنه المجتمع المؤسساتي الذي هو حلقة بين المجتمع وبين الدولة ومعلوم أن الدولة العربية الحديثة هي عدو المجتمع بالضرورة بسبب تبعيتها اللازمة حبا أو كرها لقوى التأثير والهيمنة في العالم. ( لك أن تراجع أهم كتاب في ذلك أي الدولة ضد الأمة للدكتور برهان غليون الكتاب بالفرنسية بمثل مراجعتك لمقال قديم نسبيا للدكتور عبد المجيد النجار عن تعويق الدولة للنهضة العربية ). معنى ذلك هو أن تأهيل الجيل الإسلامي ورواحله لخوص غمار المؤسسات ومعالجة مشاكلها وتحدياتها سبب من أسباب تأهل ذلك الجيل لقيادة البلاد وتسيير دفة النهضة على درب التقدم والتوجيه والريادة. معنى ذلك هو ترويض ذلك الجيل الإسلامي على العمل الجماعي العلني من خلال المؤسسات القائمة. معنى ذلك هو ترويض ذلك الجيل على قيم الديمقراطية وإحترام الرأي الآخر المخالف. معنى ذلك هو إختبار الرواحل من ذلك الجيل أيها يتقدم لمهمات أشق وتحديات أعسر. معنى ذلك هو توفير الصيغة الواقعية الميدانية لملاءمة الفكرة المجردة مع واقعها المعيش لإمتحانها وإمتحان حاملها وإمتحان ملاءمتها لتلك المؤسسة.

ج مرحلة التمكين.

المقصود منها إستصحاب مرحلتي الإنبثاث والتأهل وحصائلهما في المجتمع ومؤسساته بقصد التمكين لتلك الحصائل الفكرية والبشرية في الدولة والمجتمع والمؤسسات. 3 مستويات من التمكين لشروط النهضة آنفة الذكر : مستوى المجتمع من خلال الإنبثاث الذي لا ينتهي حتى يوم القيامة بسبب أنه دعوة إلى الإلتزام الفكري والخلقي. ومستوى المؤسسات من خلال التأهل فيها وبها لتحقيق ضرب من التوازن بين الدولة والمجتمع تحريرا للمجتمع من هيمنة الدولة وإستعبادها لأحراره وعبثها بحقوقه وكراماته. ومستوى الدولة من خلال تطويعها يوما بعد يوم لخدمة المجتمع وتحقيق مهماتها الأساسية أي : تثبيت الحرية والكرامة والعدل والقسط بين الناس ورعاية ثوابت الدستور العليا وتعميق الإستقلال حتى يكون إستقلالا حقيقيا جامعا وليس مجرد إستقلال عسكري بجلاء آخر جندي عن قاعدة بنزرت عام 1962 بل المطلوب جلاء آخر فكرة وآخر تأثير وآخر هيمنة ولا مانع من بعد ذلك وليس قبله من التعاون على قدم الندية والمشاركة والتبادل الحر والتعاون على قضايا الحق والعدل والحرية في العالم كله.

وهم خاطئ سكن بعضا من أولئك وبعضا من هؤلاء.

1 وهم ظن به بعض من هؤلاء أن المراحل الثلاث مستقلة بعضها عن بعض فلا تنتقل الحركة من مرحلة حتى تنهي الأخرى. والحقيقة أن تلك المراحل الثلاث في تواز مستمر وهل تتخلى حركة تمكنت من ناصية الدولة مثلا عن واجبها في الإنبثاث أو في تأهيل الناس لخوض غمار المؤسسات لتفعيلها؟ طبعا لا. ومن يفعل ذلك يلعب بمستقبله . من يفعل ذلك يجني إنزياحه عن محطات التأثير ومواقع الفعل إلا أن يتحول من الديمقراطية إلى الإستبداد وعندها يكون المصير المحتوم معروفا طال الزمن أو قصر.

2 وهم ظن به بعض من أولئك وهؤلاء معا أن التمكين معناه الإنقضاض على الدولة كما تعبر عن ذلك التقارير الأمنية التي حوكم بمقتضاها الناس. أول ما ينقض ذلك هو شرط توفر المناخ الملائم لذلك التمكين فضلا عن كون التمكين لا يعني التمكين من الدولة ولكن يعني التمكن من الإنبثاث أولا وليس الإنبثاث أمرا ميسورا بسبب المتابعات البوليسية والملاحقات الأمنية ومن التأهل ثانيا وهو أمر كذلك ليس ميسورا بسبب ذلك وبسبب غربة الإسلام عن أكثر تلك المؤسسات إلا تدينا لهذا أو ورعا لذاك ولكن التوجه العام للمؤسسة عادة ما يكون خادما لتوجه الدولة التي بسطت ذراعيها على المجتمع ومؤسساته حتى إبتلعتهما أو تكاد . إذا تم ذلك بأقدار معلومة حصل التمكين من مناطق التأثير والتوجيه في المجتمع وفي تخوم الدولة سواء بسواء.

3 وهم ظن به بعض من أولئك وهؤلاء معا كذلك أن التمكين المقصود يعني الإستيلاء بالقوة على الدولة أو عبر إنقلاب عسكري أو غير ذلك من الأوهام التي لا يأتيها إلا السذج في الحقيقة ومن يأتيها من غيرهم فهو عدو المشروع الإسلامي الذي يريد تشويهه لعزل الإسلام وقيمه عن الدولة والمؤسسات والمجتمع ويبقى فارس الساحة الأوحد يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل.

إنما التمكين المقصود هو : إستثمار حصائل مرحلتي الإنبثاث والتأهل للتأثير بهما على الدولة في المحطات الإنتخابية ومع مرور الأيام بقصد واضح جلي هو : التأثير في ميزان القوى المنخرم لصالح الدولة بنسبة تكاد تصل حدا أقصى غير مسبوق. تلك هي السياسة كما يعرفها أهلها.

وحتى لقاء قابل.

الهادي بريك المانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.