أصبحت بعض المنتزهات العمومية التي تمثل عادة المتنفس والملاذ الوحيد لفئة هامة من العائلات التونسية تثير الاستياء... إذ بات هذا المتنفس يفتقر إلى الصيانة في غالب الأحيان مما جعلها أماكن شبه مهجورة... ويبدو أن هذه الفضاءات التي استنفدت أموالا طائلة تفتقر إلى الرقابة الكافية لاستقطاب العائلات... مثل هذه الملاحظة ساقتها السيدة جميلة القاطنة بضاحية المروج حيث تؤكد أن منتزه «المروج «العمومي هجرته العديد من العائلات.. وتخجل جارتها السيدة مبروكة من اصطحاب أبنائها إلى نفس المنتزه بمنطقتها لا لشيء إلا لأنه أصبحت تسوده مظاهر مخلة بالأخلاق بعد أن كان متنفسا من ضغوطات الحياة اليومية... ومن جهته أبدى السيد عمار تذمرا كبيرا من المنتزه المجاور لحديقة البلفدير حيث يقول أنه غادر المكان بعد دقائق من وصوله للاصطدام بالمشاهد ذاتها... ولئن ذكر السواد الأعظم ممن تحدثنا إليهم أن الحدائق العمومية أضحت مأوى للأحبة فان البعض الأخر أشار إلى أنها تفتقر إلى الصيانة اللازمة لجعلها مكانا ترفيهيا بامتياز... وفي هذا السياق يؤكد السيد محمد أن الحديقة العمومية بمنطقة العمران أضحت «شبه حديقة عمومية» اذ سرعان ما وقع تحطيم جميع الألعاب... ويتساءل في هذا الصدد لماذا يقتصر دور الهياكل المعنية على بعث العديد من الفضاءات مع تغييب كلي لجانب المتابعة والمراقبة؟ أما السيد منير فقد أبدى امتعاضا من حديقة الباساج العمومية التي تحولت إلى مأوى للمنحرفين على حد تعبيره... استنادا إلى التقرير الوطني حول وضعية البيئة لسنة 2009 تم في سنة 2009 انجاز العديد من «الحدائق والمنتزهات» في الكثير من المناطق الداخلية بكلفة جملية ناهزت 52 مليون دينار. ويشير التقرير في جانب آخر إلى تهيئة فضاءات خضراء وترفيهية بالعديد من الأحياء الشعبية،كما تتكفل وزارة البيئة بالمساهمة في إعداد الدراسات الفنية وتهيئة المناطق الخضراء والترفيه المدرجة ضمن البرنامج الإضافي للإحاطة بالأحياء الشعبية بالمدن الكبرى على امتداد سنوات 2010 و2011 و2012. هذه المعطيات تدفع إلى التساؤل لماذا يقع تجاهل هذه الفضاءات بعد بعثها لتتحول إلى مرافق عمومية تشوبها نقائص عديدة سيما أنها تمثل الملاذ الترفيهي الوحيد للعديد من العائلات التونسية... وردا عن هذا السؤال أوضح مصدر مسؤول من وزارة البيئة والتنمية المستديمة أن مسالة صيانة ومراقبة الحدائق العمومية تعود بالنظر إلى البلديات التي تتولى إعلام الوزارة بالإصلاحات التي يتطلبها منتزه ما نظرا لوجود خطة كاملة على مستوى الوزارة تعمل على مساندة البلديات في هذا المجال... وفي هذا الصدد بين السيد نوري السوسي رئيس بلدية بومهل ومدير المرصد التونسي للبيئة والتنمية المستديمة أن هنالك آليات مراقبة دورية للحدائق العمومية تعمل على تقييم المساحات الخضراء والصيانة وغيرها... وحول تفعيل آليات المراقبة أفاد رئيس البلدية أن الإشكال الذي تواجهه الفضاءات العمومية اليوم هي انسياق بعض المنحرفين إليها ويشير في هذا الصدد الى ان في غالب الأحيان هناك حراسا خاصين لهذه المنتزهات... تنشيط... مثل هذا الطرح جعل السيد طارق بالحاج محمد الباحث في علم الاجتماع التربوي يوضح أن الفضاءات العمومية اليوم هي عبارة عن مرفق عمومي أنفقت عليها المجموعة الوطنية الكثير من أجل إحداثها وصيانتها وتطويرها علاوة على أن العالم يتكلم اليوم لغة واحدة هي «المحافظة على البيئة والجمالية الحضرية « الأمر الذي يعطيها قيمة مضافة... ومع ذلك يشير الباحث إلى أننا نقف اليوم إزاء فضاءات ترفيهية تضعف فيها الرقابة الاجتماعية والقانونية لتتجاوز بذلك هذه الفضاءات بعدها الترفيهي وتتحول إلى بؤرة تسودها سلوكيات محفوفة بالمخاطر... ولتجاوز هذه النظرة السلبية للحدائق العمومية باعتبار أن شريحة هامة من المجتمع التونسي جعلتها اليوم وجهتها الوحيدة وحتى لا تتحول إلى فضاءات مهجورة يؤكد الباحث في علم الاجتماع التربوي انه يفترض اليوم أن نتعامل مع هذه الفضاءات على أساس أنها مرافق عمومية تقدم خدمات للمواطن وتخضع للمراقبة المستمرة... إلا أن تشتت المسؤوليات وقلة الصيانة والتعهد جعل العديد منها فضاءات مهجورة... ويقترح الباحث في هذا الصدد ضرورة انتداب منشطين لهذه الفضاءات وحراس قائمين على جميع المنتزهات العمومية لتكون فضاءات عائلية وترفيهية بامتياز علاوة على ضرورة الترويج لهذه الفضاءات...