من العوامل المؤثرة التي يسرت لبن علي الانقلاب ضد بورقيبة عام 1987 فضلا عن عوامل خارجية تصنعها الدوائر الغربية المتنفذة التي تبسط استكبارها على بلدان العالم الثالث أول انتفاضة شعبية في تاريخ تونس المستقلة سميت ثورة الخبز وذلك عام 1984 أي: 3 سنوات فحسب قبل الانقلاب ضد بورقيبة. بنقردان تنتفض في إثر إنتفاضة الرديف تحمل إلينا الأنباء بالصوت والصورة حمدا لله على ثورة الاتصالات الهادرة التي دوخت الأسر الحاكمة في بلداننا العربية بعدما عجزت عن إخماد صوت الكلمة التي تعبر القارات اليوم بالصورة وهو ما نعده أكبر متآمر على عروش تلك العائلات التي ستطيح بها ثورة الاتصالات وليست ثورة الثكنات ولا ثورة الديمقراطية التي علبوها تعليبا على مقاسهم تحمل إلينا ثورة الاتصالات إرهاصات انتفاضة في مدينة بنقردان الحدودية مع جماهيرية ليبيا احتجاجا على إغلاق العائلة المالكة في تونس للمنفذ الوحيد لسكان المنطقة ولكثير من أبناء الشعب في البلاد كلها. منفذ يدر على من سحقتهم العائلة المالكة والمافيا التي تمتص دماء الشعب بسلطانها بفتات من الطعام والشراب من أثر التجارة مع السوق الليبية. واجهت العائلة المالكة كالعادة دوما المحتجين والمتظاهرين بالرصاص والاعتقال وفتحت لهم سجن حربوب بمركز الولاية التي تتبعها مدينة بنقردان إداريا. قبل أشهر حدث شيء شبيه بذلك في مدينة جبنيانة بوسط البلاد ولكن أشهر انتفاضة في تاريخ تونس المستقلة بعد انتفاضة الخبز آنفة الذكر هي انتفاضة الرديف والحوض المنجمي بالجنوب الغربي للبلاد وما زالت آثارها عالقة بالنقابيين الذين قادوا تلك الانتفاضة وسجنوا وعذبوا وطردوا من وظائفهم. السنن الاجتماعية لا تجامل عصابات النهب ولا الحثالات. إذا ساقتك الأقدار إلى شهود حلقات النقاش لدى النخب فإنك ستلحظ أول ما تلحظ تركيزهم على مقولة محورية يحكمونها وهي: موازين القوى منخرمة لصالح العائلة الحاكمة المغتصبة للسلطة والثروة في تونس ولذا يستحيل شهود انتفاضة شعبية. أما الحثالة منهم فإنّ لهم خطابا آخر أدنى أسى وأشد سفسافا وحمالته أنه لا يناسب الوضع التونسي سوى الإنحناء وإلجام الأفواه والأقلام وممالأة النعجة التي تسير مع القطيع المسوق بعصا الراعي وهي تدرك أنها إن لم تؤكل اليوم فستؤكل غدا. لا تكاد تجد ذكرا عند تلك النخب التي استغربت إلا من رحم الله سبحانه حديثا عما هو أولى من موازين القوى أي السنن والأسباب والأقدار والوعود والمواعيد (جمع وعيد) التي بثها الخلاق في كونه وخلقه ليسير الكون عليها والخلق بها فمن وافقها أفلح ومن خالفها داسته. تلك سنن يغفل الناس عنها بسبب أنها تنتمي لعالم الروح وليس لعالم المادة حتى لو كان أثرها ماديا قحا. تلك سنن نغفل عنها لأننا لا ننظر في التاريخ إلا قليلا ولو التفت المرء إلى ما خلفه وراءه لوجد عبرا ثمينة. الداء ذاته الذي ذهب ببورقيبة سيذهب ببن علي. عبر عن ذلك شاعر مصري في قصيدة يحفظ الناس منها كلهم قوله: دار لقمان على حالها والقيد باق والطواشي صبيح. دار لقمان هي السجن الذي اعتقل فيها قائد الحملة الغربية ضد مصر يومئذ وصبيح هو إسم الطواشي والطواشي هو الحارس أو السجان. الشاعر يهدد من تحدثه نفسه بالعودة إلى مصر غازيا. ما هو الداء الذي ذهب ببورقيبة؟ أليس هو الفساد وخاصة في آخر أيامه حين تسللت إلى قصره عصابات نهب وسلب ظلت تسول له الأمر حتى أردته في معركة طاحنة حول الخلافة وليس الرجل وقد أفضى إلى ربه بريئا إلا أنه لم يدخر دينارا واحدا لنفسه ولا لأسرته ولكن السرطان الذي تمكن منه مبكرا جدا هو سرطان التأله في الأرض . ألم يكن يتحدث الشارع التونسي يومها كله على أنّ حظوظ محمد الصياح الرجل القوي المقرب هي أكبر الحظوظ للظفر بخلافة بورقيبة؟ دارت الأيام وأصبح أقوى رجل حبيسا في بيته سجينا ومثله كل مخلص لبورقيبة ممن رفض الانحناء لبن علي على حساب التنكر لبورقيبة. أما قائمة العار فمأواها مزبلة التاريخ. قائمة العار من زهاء ثمانين فنان و"مثقف " ورياضي تونسي ممن أكرهوا على التوقيع على مناشدة بن علي ليطحننا خمس سنوات أخرى.. تلك قائمة معروف مآلها وستكون ببغاواتها من أول المنادين بحياة خليفة بن علي بمثل ما حدث لجزء من النخبة المهترئة يوم الانقلاب ضد بورقيبة وجريدة الأنوار شاهدة على ذلك إذا توقفنا دقيقة واحدة لنلتفت إلى الوراء. العائلة المالكة في تونس: من قمع الشعب إلى التمكين لذريتها. ليس من باب التجني إطلاق صفة العائلة المالكة على بن علي الذي يحكمنا بأصهاره وعائلته. بورقيبة مثلا لم يكن يحكمنا بعائلته ولم تعرف له عائلة أصلا... وزوجة من عائلة معروفة ميسورة حاول استخدامها بعض رجال بورقيبة من مثل محمد الصياح في معركة الخلافة وتقوية النفوذ فساء حالها قليلا ولكن لم يكن لها عشر معشار الدور العبثي المشين الذي تقوم به زوجة الرئيس الحالي بأشقائها وعائلتها الطرابلسية عموما. لا يصدق على الحكم الحالي سوى أنه حكم عائلة اغتصبت الجمهورية بقوة السلاح والتعامل الاستخباراتي مع أصحاب المصالح الغربية في تونس ثم تمكنت بمافيا المال ومافيا ميليشيا القصر الاستخباراتيه وعصا البوليس الحارة وكممت الأفواه وألجمت الأقلام وتحولت البلاد إلى سجن دون أدنى مبالغة . سجن يشعر به كل حر يأبى الضيم ويعتبر أنّ له دورا وطنيا وليس رقما مرعيا في مملكة يهيمن عليها راع يسوس الناس بعصاه ولسان حاله يقول: لا أريكم إلا ما أرى. آخر مثال من التمكين لذرية العائلة المالكة. إذاعة خاصة رابعة جديدة تسند تأشيرتها لسيرين بن علي ابنة الرئيس من الزوجة الأولى. إذاعة (شمس FM)... حركة التحرر في العالم تفرض بتضحياتها ونضالاتها تحرير الإعلام من سلطان الدول والحكومات سيما في عصر ثورة الاتصالات التي تنسج خيوط الانقلاب ضد الإمبراطوريات والدكتاتوريات والملكيات المستبدة يوما بعد يوم في وضح النهار وليس في جنح الليل.. أما عندنا في تونس فالأمر مختلف: الإعلام تؤممه الحكومة بما يخدم مصالح العائلة المالكة. ومن قبل ذلك أسندت العائلة لبلحسن الطرابلسي صهر بن علي تأشيرة إذاعة اسمها (موزاييك). حتى الإعلام الديني تحتكره العائلة المالكة حيث أسندت كما هو معروف لأول إذاعة خاصة لصهرها صخر الماطري تأشيرة إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم وهو الشخص الذي ترشحه بعض الدوائر لخلافة بن علي، ولكن بعد 2019 إلا أن يسبق إلى الرئيس الحالي من ربك سابق ما له من دافع، وذلك بعدما تأكدت مواصلته لحكمنا في ولاية جديدة من 2014 حتى 2019. سؤال الكلمة الحرة: هل تسير تونس نحو انتفاضة شعبية. إذا سألت النخبة تجيبك بالنفي قطعا ضمن معادلات تجريدية بنوها لأنفسهم وسجنوا فيها أنفسهم ومؤداها أنّ التغيير في تونس يملكه بن علي كما ملكت أمريكا أوراق القضية الفلسطينية بحسب تعبير المرحوم السادات في انهزامية متخاذلة بئيسة. فما جاد به بن علي تفضلا ونعمة نلتقطه كمن يلتقط فتات مائدة المترفين وما ضنّ به نتوب عن المطالبة به توبة نصوحا. أما انتفاضة الشعب بأي شكل من أشكالها فهو أمر مضحك عندهم لا يبخلون عليك بالسخرية منه ومنك . ليس يعني ذلك أننا على أبواب انتفاضة شعبية في تونس ولكننا لا نسلم باستحالتها ولكن الأقرب ترجيحا عندنا هو أن تمادي العائلة المالكة في البلاد بطشا وقمعا وسلبا ونهبا سيما بعدما سقطت هيبتها في عيون الناس وبأثر أكبر متآمر على عرشها أي: ثورة الاتصالات سينمي نقمة الشعب يوما بعد يوم ويملأ وطابات صدره غضبا بما يذوق من كراهية الحرمان وهو يرى بأم عينيه عصابات النهب والسلب التي تجندها العائلة المالكة ترفل في الذهب والحرير.. تلك نقمة ستتحول بفعل التراكم إلى تململ ثم إلى انتفاضة تتبعها انتفاضات متفرقة يخمد البوليس بعضها بالرصاص الحي ويعتقل ويعذب ويسجن ويبسط الخوف حينا.. ثم ما يلبث ذلك أن يتوسع ويمتد أثره.. سيثبت الشعب بإذنه سبحانه أنه لن يساوم في لقمة عيشه حتى بعد أن فقد ذراعه الواقي أي اتحاد الشغل. ذاك هو اتجاه الأحداث في تقديرنا في تونس في الأعوام القابلة بإذنه سبحانه. والله أعلم. الحوار.نت