بادئ ذي بدء أود أن اطرح سؤالا في حجم الثورة أو الانتفاضة و هو كالأتي : هل تعيش تونس حقيقة ثورة شعبية أو بصيغة اقرب إلى الفهم "هل قامت ثورة بكل مقاييسها و ضوابطها المتعارف عليها" إن كان الجواب بنعم: فمن قام بها و من أشعل فتيلها ، هل الثورة مستمرة آم نعيش حالة من الارتداد و الردة لماذا يرتد من قام بالثورة، أين هم الثوار لإنقاذ ثورتهم لما استحالت إلى ثورة مضادة، أم أمست فوضى و خراب أين هم الأغلبية الصامتة « لماذا غابت الدولة مع سقوط رأس السلطة ..لعل السؤال يذكرني بمقولة لويس 14 الذي قال ذات يوم بنرجسية متعالية « الدولة أنا « فحين تغتصب السلطات و كل المؤسسات في يد واحدة و تسلب كل مؤسسات المجتمع المدني تزول الدولة بزوال الماسك بها اجل لم تكن هناك دولة طيلة حكم « بن علي « بل كانت هناك عصابات و مافيا في السياسة و أخرى في الاقتصاد و حتى عصابات في الإعلام تلتف حول الشعب كالتفاف الثعابين حول عنق المرء و تضغط بشدة حتى ينفجر ماسكها أو قل الممسكة به. ذاك حال الشعب التونسي 56.. سنة و عصابات الثعابين تلتوي حول عصبه و أعصابه حتى انفجر مع ما يخلفه الانفجار من حالات كارثية نعيشها اليوم و كل يوم. قد لا يستسيغ البعض ما أقوله وقد ينعتني البعض بالجهل و الآخر بعدم فهم حركة و سيرورة التاريخ و أثار الثورات، لكن بعيدا عن التشدق بالثورة و التقدمية و حتى لا يزايد على أحد من الذين تهافتوا على منابر الإعلام و كل الذين اكتروا مقعدا خاصا بهم على القنوات التلفزية و حتى الذين أسرجوا للسلطة الركاب و الذين فرشوا السجاد والذين نظموا المتون في مدح الجلالة و الفخامة وسيدة المجتمع و البعض الأخر الذي جعل من سياط بن علي ريش نعام و من جعل عصاه «عصا موسى» أقول إني قضيت السجن في عهد بورقيبة محضنة النظام الفاسد لبن علي و تعرضت للتعذيب و لا انوي ملاحقة جلادي و لا الذين ضيقوا عليّ في عهد بن علي و لا اطمح لا لمنصب سياسي و لا دبلوماسي و لكن اعتبر ما تعرضت له في سجني كان « ضريبة الوطن» و لا مطية الأنا للتهافت على المناصب. لم تقم ثورة في تونس و لكنه انفجار شعبي كبير مازلنا نرى موجاته الارتدادية كل يوم من انفلات امني واداري و اجتماعي غابت الدولة عن احتوائه و أرادت هي ذلك ؟ المتفحص في الأحداث التي جرت منذ 17 ديسمبر وصولا إلى 13 جانفي لا يمكن له الجزم بالثورة و إنما كانت حالات من الاحتجاجات نتيجة احتقانات طويلة هدفها الأول خلق مواطن شغل ثم ما فتئت أن اشتدت اثر سقوط أوائل الشهداء في سيدي بوزيد ثم القصرين و انأ على يقين انه لم يكن احد لينتظر أو يطالب بسقوط النظام قبل أحداث مدينتي تالة و القصرين و كانت هذه الأحداث الفصل المنعرج للتحركات التي ركبتها أو سايرتها ( حتى لا أتجنى) المنظمات الأخرى كاتحاد الشغل ، المحامين و رجال التعليم وتحولت المطالب من استحقاقات للشغل إلى المطالبة برحيل بن علي و نظامه و رددت شعارات مثل «تونس حرة حرة و بن علي على بره» «للأمام للأمام حتى يسقط النظام» ( في سيدي بوزيد) ثم أصبحت أكثر جرأة في بئر الحفي» ليلى ليلى يا حجامة يا اللي كليتي فلوس اليتامى» لما كانت سواقي الدم بالقصرين لم يستح الإعلام التونسي المرئي والمكتوب، المستقل و المأجور في التنديد بما سماه « أعمال العنف التي ترتكبها العصابات الملثمة « ولم تتردد الأفواه المأجورة إلى الدعوة إلى الضرب بيد من حديد لعصابات التخريب ، في حين كان أزلام وزبانية النظام يعمدون بصفة منظمة و مدروسة إلى حرق مراكز الأمن و المعتمديات والانسحابات الأمنية لخلق فراغ امني وإداري أديا إلى حالات من الانفلات الأمني المخيف. واذهب إلى ما ذهب إليه الأغلبية أن ذلك كان لغاية مدبرة من أجهزة لا نعلمها للانقلاب على بن علي و سرقة ثمرة الاحتجاجات ، بيد أن التحرك الحاسم للنخبة بشارع الحبيب بورقيبة يوم 14 جانفي كان الحدث الذي خلط أوراق كل الأجهزة التي سارعت إلى تهريب بن علي وعائلته خارج البلاد «و بأي ثمن « و لعل الارتباك البادي على الوزير الأول الغنوشي و»أعضاءه» يكشف مظاهر الصراعات المتناقضة المصالح التي حاولت خلافة بن علي... نخلص للقول أن تهاوي الدكتاتور كان نتيجة عوامل عديدة منها الظاهر كالانفجار الشعبي وأخرى لازالت خفية علينا و قد تكشفها الأيام أو القرون القادمة ساهمت فيها أجهزة بن علي.. الثورة بدأت مع أول اعتصام بالقصبة والذي فضه أعوان بن علي بكل وحشية .. الثورة بدأت مع جحافل الشباب الذي تنقل من أقصى الجنوب إلى العاصمة ليثور على بقايا بن علي و يطالب برحيلها و يطالب بمجلس تأسيسي و دستور جديد , لكن كان ينقص هذا التحرك قيادة فاعلة قادرة على تقديم قيادة بديلة «كمجلس قيادة الثورة « بل كانت حركة عاطفية غير مسيسة سرعان ما احتوى مفعولها و بعدها ما الذي تغير: قطفت ثمار (الثورة) التي لم تنضج نتيجة تهافت الأحزاب التي أطلت برؤوسها كالحلزون عشية يوم ممطر و تسلقها المنابر الإعلامية الأهداف الحزبية الضيقة أطفأت جذور (الثورة) حتي نالت منها فلول النظام السابق المتمرسة بأعمال سياسية و فنون المراوغة السياسية كان الأحرى بهذه الأحزاب أن تستوعب حركة الشباب الثائر في اعتصامات القصبة 1 ثم 2 ثم 3 و أحداث مجلس قيادة الثورة و لا أن تستلمها أعوان النظام البائد . أمام هذه التجاذب , اطرح سؤالي المبين بالطالع» ما العمل ؟ « سؤال يعمق تاريخ هذه البلاد ونريد جوابا يسكن النفوس التي يسكنها الألم, لماذا غابت الدولة ؟ لماذا هذا التراخي والانفلات الأمني والإداري والاجتماعي , أين الدولة من أحداث المتلوي واين ...و اين ؟ من يسرق أمل التونسيين البسطاء الذين لا يسعون إلى مجلس تأسيسي ولا على مناصب دبلوماسية وإنما غايتهم تونس أولا و أخيرا ؟ لماذا يريدون أن يغيم علينا الحزن والألم لما يحدث .. لماذا تغيب الدولة لتحل محلها القبلية و العروشية وغدا ماذا ؟ * حقوقي