كلما أوشكت فترة نيابية من حكم رئيس عربي بن علي مثالا على النفاد صدرت الأوامر من أعلى هرم في السلطة إلى الأذيال لتهش من جديد في وجه التمديد للرئيس ليحكمنا فترة نيابية أخرى ويظل ذلك المشهد البئيس لأصوات النفاق في البرلمانات الأحادية المزيفة ومن ورائها من جندتهم ميليشيات القصر من القُصّر(جمع قاصر) وهي تستدر عطف الرئيس لعله يمنّ علينا بحكمه الرشيد مرة أخرى.. يظل ذلك المشهد يشنف آذان الناس في وسائل الإعلام التي تهيمن عليها السلطة ثم يفرض الأمر الواقع تحت حراب الحرس والشرط ثم تختم المسرحية الرديئة بإخراج أفواج من الناس من بيوتهم للمشاركة في "مظاهرة شعبية تلقائية" تطالب الرئيس بالتمديد لنفسه دون أن يغيب عن مشهد النفاق مرق كريه الطعم اسمه: إصدار أمر من الهرم ذاته إلى بعض الأحزاب "المعارضة" التي صنعها الهرم ذاته لترشيح فلان بالذات ليؤدي دورا لئيما في مهرجان انتخابي يكره فيه الشعب على أمره ويظهر فيه الرئيس الأسبق السابق والواحد الأحد منقذا للبلاد ومعصوما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه في ثوب تيوقراطي بغيض. ثم يسدل الستار الأسود على آخر مشهد من مشاهد المسرحية القذرة وتمضي الحياة هنيئة!!! حتى موسم تجديد آخر للرئيس الأوحد الذي ويا للأسف لم يلد من الذكور من يؤمّن العيش من بعده للبلد.
ذلك هو ما تعيشه تونس في هذه الأيام إثر تدشين موسم المطالبة بالتجديد لبن علي الذي تنتهي ولايته الخامسة عام 2014.
الرئيس عمره اليوم: 74 عاما (3 سبتمبر1936) وقد اغتصب الحكم انقلابا ضد بورقيبة عام 1987 أي أنه يحكمنا منذ: 23 عاما وبانتهاء مدته الحالية يكون قد حكمنا 27 عاما وبقراره الأخير بالتمديد لنفسه خمس سنوات أخرى (أي حتى 2019) يكون عمره: 83 عاما ويكون قد حكمنا: 32 عاما. ومن المفارقات الكريهة جدا أن يكون بن علي قد حكمنا أكثر مما حكمنا بورقيبة (1957 1987) وفي كل الحالات تكون إرادة المجتمع التونسي مغتصبة على امتداد (1957 2019 62 = عاما).
أول من طالب رسميا في هذه الأيام بالتمديد لبن علي هو أحد أعضاء اللجنة المركزية للحزب الحاكم بما يعني أنّ الرئيس نفسه أذن بتدشين حملة التمديد.
هل نحن في جمهورية يحكمها دستور أم ملكية عائلة وعرش وسلالة؟
تبدأ حملة التمديد منذ الآن لأنّ المهمة أمام المغتصب عسيرة بسبب أنّ الدستور حوروه قبل سنوات على نحو لا يتمكن فيه الرئيس من الترشح مرة أخرى بعد استنفاد دورتين (لما ظهر عور دجلهم الذي بنوا عليه مشروعية الانقلاب ضد بورقيبة ولبه: القضاء على الرئاسة مدى الحياة وأعيتهم الحيلة لتأمين رئاسة مدى الحياة للرئيس الجديد جاؤوا إلى الدستور وحوروه على ذلك الشكل لعلهم يستعيدون ثقة الناس) بما يقتضي إنتاج كذبة جديدة تحاول إقناع الناس بضرورة تحوير الدستور مرة أخرى حتى يستوعب عجوزا هرما لا يجد له مكانا فوق الأرض وتحت الشمس إلا على رقابنا حيث تستأثر عائلته وأصهاره بثروة البلاد ولأهل الرديف والمناطق المحرومة في شمال غرب البلاد وجنوبها الفقر والذلة، وللمعارضة من كل لون السجن والنفي والعصا.
من يعارض التمديد ولماذا؟
1 عشرة ملايين تونسي يعارضون التمديد قطعا ودون أدنى ريب وليس هناك فيصل بيننا وبين الكذابين والمنافقين والمداحين في ذلك سوى تنظيم استفتاء شعبي حر ديمقراطي ولكن في مناخ ديمقراطي حقيقي يبتعد فيه البوليس بعصاه الغليظة والقطط السمان من ميليشيات القصر والحزب وقوات القمع والمصالح المالية. إذا صوت الشعب ولو بنسبة العشر على التمديد فنحن الكذابون وأنتم الأحق بمواصلة الاستئثار بخيرات البلاد ولنا الحجر والسجن والنفي والبطالة ولتأكلنا قروش المتوسط التي أكلت منا آلافا مؤلفة.
2 بعد عشرة ملايين تونسي يعارضون التمديد فإنّ المعارضة كلها تتخذ الموقف ذاته. الإسلاميون الذين لم تر جريدة الصباح التي يملكها صهر الرئيس بدا من الرجوع إلى ذكرهم بهذا الاسم الذي لم يطأ ساحتها ولا ساحة أي صحيفة تونسية موالية للحكم على امتداد عشرين عاما كاملة. فلم تجد الصباح الموالية لبن علي وميليشياته (وليس لبن علي حزب سوى حزب العائلة وحزب قوات القمع وحزب المصالح المالية بخلاف بورقيبة نسبيا على الأقل)، لم تجد بدّا من ذكر الإسلاميين بالإسم...
3 ومع الإسلاميين معارضة عالمانية منها بالتأكيد هيئة 18 أكتوبر وغيرهم من مثل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والنخبة التونسية من حقوقيين ومحامين (المحامون التونسيون عبروا عن موقفهم من التمديد من خلال صفع الحزب الحاكم ورئيسه مرتين متواليتين في غضون أيام قليلة بين مؤتمري العمادة الوطنية وفرع تونس).
لماذا نعارض التمديد؟
1 لأنه خرق لأعلى سلطة في تونس أي الدستور. فإذا عبث العابثون بالدستور فإنه لا معنى لدولة القانون والمؤسسات. المجتمع هو المستأمن على الدستور الذي هو مكسب لتونس سيما أنه يرعى في أول بنوده الهوية الوطنية والسياسية للبلاد: هوية وطنية قال فيها بوضوح: "تونس دولة.. العربية لغتها والإسلام دينها". وهوية سياسية قال فيها بالوضوح ذاته: "تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة.. والجمهورية نظامها".
2 لأنّ بن علي أصبح عبئا على البلاد والمجتمع. من مظاهر ذلك العبء أنه كلما أراد زيارة منطقة في البلاد وهو قليل الخروج من قصره جدا إذ لم تعد تستقبله من الدول الأروبية مثلا سوى إيطاليا لأسباب معلومة فرض البوليس حالة من الطوارئ المغلظة جدا على تلك المنطقة وأحوازها فقيدت الحركة وأخضع كل شيء للتفتيش خوفا على الزائر من انتقام "طائش" من مواطن جائع أو مغضوب عليه. تكرر ذلك المشهد مرات رغم ندرة زيارات بن علي لمناطق البلاد. كثير من الناس يتساءلون عن عدم زيارة بن علي لفرنسا مثلا وأمريكا وغيرها. أنى لأمريكا مثلا أن تستقبل بن علي وهي التي أصدرت قبل أيام قليلات موقفا سلبيا من وضع الحريات في تونس في إثر فضيحة القانون الاقتصادي الجديد وهي فضيحة بكل المقاييس لكل من يتابع تداعياتها في الإعلام الدولي.
3 لأنّ حصائل الميزان العام بعد حكم دام ربع قرن كامل تحيلك على ملفات سوداء داكنة في الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان الدكتور الصادق شورو مثلا يقبع في السجن لأجل انتمائه السياسي منذ 1991 فضلا عما سمي بقانون الإرهاب الذي يقبع بمقتضاه آلاف من الشباب المتدين خلف القضبان وآخر المساجين الإعلامي الفاهم بوكدوس . 4 لأنّ الوضع الاجتماعي يضيق مع كل يوم جديد عن استيعاب المواطن العادي ويتسع لعائلة بن علي وأصهاره وعناصر المافيا التي تحكم البلاد. هذا أمر يدركه كل تونسي بسبب امتداد أيدي العائلة المالكة والحاكمة عبثا في ممتلكات الناس وثروات البلاد واستئثارا بالمشروعات الوطنية الواعدة والناجحة.
5 دعك من أكذوبة ظاهرها حق وباطنها باطل. أكذوبة سمجة يرددها من استبدل كرامته بغريزته. أكذوبة ظاهرها حق وهي أنّ البنية التحتية في تونس شهدت تطورا ملحوظا على ما كان عليه الأمر في العهد البورقيبي. أما باطنها فهو باطل بسبب أنّ الثمن الباهض لذلك هو تكميم الأفواه والسجن والتعذيب والنفي وفرض الصمت على كل الناس دون أدنى استثناء وهو وضع لا يليق بالتونسيين الجديرين بحياة ديمقراطية مثل شعوب كثيرة فوق الأرض. وكيف لا تتطور بنية تحتية بعد عشرين عاما؟ ولكن ما هو ثمن تطورها؟ ألست أنت نفسك عندما حكم عليك بالنفي عشرين عاما كاملة؟
ممّ يخاف بن علي بعد القانون الشهير الذي يؤمن له ولعائلته حياة؟
بن علي سنّ قانونا قبل سنوات مفاده أنّ الرئيس السابق المقصود هو يظل يتمتع بمنافع الرئيس العادية ومعه عائلته حتى بعد فترة حكمه من مثل الراتب والسيارة والمسكن والحراسة والحماية من المحاكمة.. ورغم ذلك يتحصن بالتمديد لنفسه مرة بعد مرة على أنقاض دستور أضحى في يده لعبة أطفال.
أجل... عشرة ملايين (لا) و(لا) أخرى زائدة للتمديد لبن علي!!...