بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يبعث فينا إستفتاء تركيا أملا جديدا في آفاق الإصلاح الديمقراطي
نشر في الحوار نت يوم 13 - 09 - 2010


موافقات عجيبة.
1 بالأمس تحتفل الأرض في غربها بالذكرى التاسعة لكارثة سبتمبر 2001 واليوم الأحد الثاني عشر من أيلول 2010 تحتفل الأرض ذاتها ولكن من شرقها بفوز حزب العدالة والتنمية التركي بحوالي ثلثي أصوات الأمة التركية ( 60 بالمائة) بإستفتاء التعديلات الدستورية وبنسبة إقبال لها دلالات فيما نستقبل من أيام ( 67 بالمائة).
2 عاشت القالة التركية الصحيحة ( يحكم مصطفى كمال أتاتورك تركيا حيا من قصره وميتا من قبره).. عاشت ردحا من الزمن لعلعت فيها العالمانية وعربد فيه صنوها الإستبداد حتى إذا أصيب في مقاتله عام 2002 بصعود نجم الزعيم الطيب رجب أردوغان ظل يحتضر في غيبوبة وإضطراب وإرتباك وإنتقل برفقة عشيرته العالمانية إلى القبر ذاته الذي يثوي فيه مؤسس العالمانية الشرقية المستبدة. رحلا غير مأسوف عليهما عشاء هذا اليوم السبت الثاني عشر من أيلول 2010.
3 وفي الوقت ذاته يواصل الشقي أبو مازن ومن معه من حراس المعبد الصهيوني جلسات ضحك على الذقون و إستسلامات عبثية كالدمى الصماء في حجور السفاحين الإسرائيليين. موافقات عجيبة بعضها في إتجاه التقدم والنهضة وبعضها الآخر في إتجاه الإنحطاط والتبعية.
ما هي الأسئلة الصحيحة بين يدي الزلزال التركي.
1 من المنتصر؟ في حركة التاريخ الماضية لا ينتصر الناس أو ينهزمون ولكن تنتصر القيم أو تخذل المثل تناسبا مع قانون التدافع الكوني والخلقي الماضي ودعك من التفاسير التي تقترب من الغباء الأحمق القائل بأن القيم والمثل ليست سوى إنعكاسات لجدلية المادة. ذلك غباء عفا عنه الزمن. ليس المنتصر في تركيا حزب العدالة والتنمية ولا حتى زعيمه أردوغان ولا مؤسس التجربة الإسلامية التركية المعاصرة المهندس أربكان. أولئك حمالو النصر وأدواته ولكن المنتصر في تركيا أمران :
أ دعوة الإسلام المعاصرة. هي مناسبة نسأل فيها العالمانيين العرب الذين كادوا يضلوننا قبل زهاء ثماني سنوات كاملات بزعمهم أن التجربة التركية بزعامة أردوغان تجربة عالمانية قحة قيما ورجالا.. نسألهم إن كانوا لن يزالوا في وهمهم العميق سادرين أم لعل صدمة هذا الإستفاء أيقظتهم مذعورين. وهي مناسبة نسأل فيها الواقفين على الشاطئ الآخر المقابل إن كانوا لن يزالوا متبرمين من الكفر الصراح الذي تحمله الديمقراطية على قوارب الحرية. لك أن ترثي بقلب خاشع هؤلاء وأولئك سواء بسواء وفي الكبار والعظماء دوما يضل من بضاعته في العقل مزجاة بمثل ما ضل في الإمام علي عليه الرحمة والرضوان من قبل ومن بعد خوارج كفروه وشيعة عبدوه. تلك سيئة الكبار والعظماء الوحيدة وأكرم بها من سيئة تقربك إلى الله زلفى.
ما كان حزب العدالة والتنمية شرقيا ولا غربيا ولكنه حضين الحركة الإسلامية التركية التي بعثها المهندس أربكان ثم إلتقطها أحد أذكى أشباله أردوغان وليس هو سوى لون من الألوان الكثيرة للحركة الإسلامية المعاصرة غير أنه لون يستمد قوته من الأرض التي أطيح فيها بالخلافة الإسلامية العثمانية ( أكبر حدث إسلامي ودولي طرا مطلقا منذ الإنقلاب الأموي ضد تراث النبوة أي الشورى السياسية منهاجا في الحكم والإدارة والعلاقات وأكبر حدث إسلامي ودولي في القرن العشرين) عام 1924. ألم تكن 85 عاما كاملة كافية للعق الجرح النازف وجعل مصطفى كمال يستريح في قبره من عناء حكم تركيا! إحتاج بنو إسرائيل في عهد موسى عليه السلام إلى نصف المدة لتطهير أرجاسهم وأنجاسهم وخروج الأتقياء من أصلابهم ( أربعين سنة يتيهون في الأرض). ليس في ذاك ريب ولكن الريب العجاب ريب بعض الإسلاميين الذين يعفون العالمانيين من تهمة العالمانية متمحلين على الصفة يكاد بعضهم أن يجعلها رديفا للإسلام القح الذي جاء به محمد إبن عبد الله عليه الصلاة والسلام في حين أن العالمانيين الأوفياء لا يبغون عنها فكاكا بل إنهم يقاتلون قتالا عجيبا لجعلها قرين الحرية وصنو العدل. هذه عالمانية شاملة جامعة منكورة أما تلك فهي جزئية تخاصم السياسة والدولة والشأن العام فحسب دون الحياة برمتها ولا بأس منها ولتكن مبحثا معاصرا في أصول الفقه ومقاصد الشريعة ومقامات المشرع يحل محل مباحث قديمة تقليدية من مثل : التمييز بين البشرية والبلاغ في شخصية النبي محمد عليه الصلاة والسلام ومن مثل نبذ العصمة عن الإجتهاد البشري في الشأن السياسي والمالي والإداري وغير ذلك مما لا ينبسط له المجال هنا.. أولئك فقدوا شرطا في البحث والإجتهاد والإصلاح إسمه : حفظ التخوم بالإجماع أو حفظ الصفة القيمية بعرفها المألوف.
عندما تتميز التجربة التركية المعاصرة بالذكاء والمقاصدية.
داءان ينخراننا عقب خروج الإنحطاط التاريخي عنا وتحررنا من جحافل الجيوش المحتلة : داء النظر الجزئي في مقابل إهمال النظر الجامع من جهة وداء النظر الكمي الموضعي في مقابل النظر الكيفي الموضوعي أو المقاصدي أو المآلي إستصلاحا ونشدانا للأحسن من جهة أخرى بما يكرم خليفة الله في أرضه والمستأمن على دعوته والمعلم بكلمته. داءان فيما رأيت ورثناهما بمثل ما يرث الولد عن أبيه الهالك سقط متاع يصنع الحنين ولكنه لا يسمن ولا يغني من جوع. بأي معيار تصنف التجربة التركية المعاصرة من مؤسسها وباعثها المهندس أربكان حتى فارسها المغوار أردوغان؟ المعايير هنا ليست كثيرة. بل هما معياران. معيار المنطوق بمثل من يلهج بالإسلام دعوة وتطبيقا للشريعة وأسماء وصورا وشارات وعلامات ولنا في التجارب العربية المعيشة نماذج بالغة السوء في ذلك. ومعيار المفهوم الذي يحسن فقه رسالة الإسلام ومراده من الناس ثم يحسن فقه نصه ومقصده ويحسن فقه واقعه زمانا ومكانا وحالا وإمكانا وصديقا وخصما وتجربة تالية وأخرى غالية وثالثة ناجحة ورابعة فاشلة ثم يختار لتجربته مسلكا وعرا دقيقا لا تلحق به الأفهام التي لا تنأى بأصحابها كثيرا عن أفهام العجماوات التي لم تكلف لإنتفاء شرط العقل والحرية والإرادة والمسؤولية. أما المعيار الأول فهو المعيار الأسهل ( ولكنه ليس الأيسر لأن اليسر صفة ملازمة للإسلام) والمعيار الأسهل معرض للإصابة بأول عدوى تترى. المعيار الأول قد تتحمله بعض البيئات الإفريقية أو الأسيوية البعيدة عن مركز الأرض بتعبير سمير أمير. معيار لا يحتاج لطويل قراءة وعميق نظر لأن الشخوص بادية والمصالح ظاهرة وليس هناك فوق الأرض عدو إلا الشيطان توقه بتقواك أو الذئب توقه بعصاك وكلبك. تجربة تركيا لا شك أنها تنتمي إلى المعيار المفهوم. المعيار المعقد والمركب. كيف لا وعين العالمانيين عليها بل وركابهم في خاصرتها. بل كيف لا وعين أروبا عليها. كيف لا وهي الموؤودة التي وأدها أتاتورك بمباركة غربية أروبية ولكنها موؤود يخشى في كل لحظة وحين من إنبعاثه. هل سمعت من قبل بموؤودة تخشى؟ أجل. في تركيا العجب العجاب : موؤودان يخشيان ( مصطفى كمال ظل الأتراك يخشونه وهو في قبره والخلافة الإسلامية العثمانية ظل الغرب يخشاها وأذياله العرب).
تلك هي الشريعة الإسلامية وذلك هو تطبيقها.
درس نفيس جدا من أربكان وأردوغان. درس عنوانه : الإسلام والحرية صنوان لا يفترقان حتى تفارق روح جسدها فيكون الموت الزؤام. درس عنوانه : تطبيق الشريعة الإسلامية يبدأ من تطبيق مقاصد الإسلام العظمى ومراداته الكبرى وأصول رسالته السنيا ( كرامة الإنسان بالحرية والديمقراطية لإختيار الحاكم و محاسبته وعزله وفرض التداول + العدالة الإجتماعية وهي التي إكتسبها أردوغان من خلال رئاستة لأكبر بلدية تركية أسطنبول + حرية المرأة في لباسها إن شاءت إختمرت مريدة وإن شاءت سفرت مريدة + علاقات الندية مع الآخر وإن نسي التاريخ يوما فلن ينسى بالتأكيد موقف العز والشموخ لأردوغان في وجه السفاح القاتل رئيس الكيان الصهيوني في مؤتمر داغوس الأخير. موقف بدا فيه الرجل عملاقا أعاد الأمل في العزة والإباء لمليار ونصف مليار من المسلمين بينما بدا فيه حكام العرب أقزاما كالحة الوجوه شائهة المحايي تفعل بذلها قاعية صنيع من يقعى راقبا لقمة عيش يجود به صاحبه. + الإنحياز إلى القضية القومية الإسلامية الأولى : فلسطين بقدسها.. كل ذلك هو ما وطأ به الزعيم أردوغان لفوزه الكاسح في إستفتاء هذا اليوم. عمل يعكس فقها دقيقا صحيحا عميقا وجامعا بمقاصد الإسلام و شريعة الإسلام ودعوة الإسلام وجهاد لا يكل على مختلف الجبهات). ذلك هو تطبيق الشريعة في فلسفة الشريعة عندما يتجرد الرجال عن الأبهات الفارغة وينتهجون نهج حبر الأمة إبن عباس في حسن الفقه وحسن الإتباع وحسن الإبتداع وحسن الإجتهاد. أما الشريعة التي عندما تطبق تحرم المرأة من حق قيادة عربة.. أما الشريعة التي عندما تطبق تفتح أراضيها لقوات العدو تتخذها مسرحا للعدوان على المستضعفين والمظلومين.. أما الشريعة التي عندما تطبق تلغي في الإنسان بعده الذوقي فيكون النغم المطرب الجميل حراما.. تلك شريعة لك أن تنسبها لأي مشرع ولكنها لا تنسب لشريعة القرآن ونظام الإسلام إلا بالتجني والتجني حبله قصير.
ب قيم الحرية ومثل الديمقراطية. للنصر طعوم متعددة ولكن حمالة النصر واحدة. إن سميتها الإسلام ودعوته المعاصرة فما جانبت صوابا إذ الإسلام والحرية روح وجسد وإن سميتها الحرية والديمقراطية فما جانبت صوابا أيضا إذ الحرية مناط التكليف ولولا نشدان الحرية ما خرج محمد إبن عبد الله عليه الصلاة والسلام دامع العين من وطنه مكة ولولا الحرية ما إبتعث زهاء مائة إلا قليلا من الرجال والنساء من قبل ذلك إلى أرض الحبشة البعيدة ليعيش فيها الشهيد الطيار بأقليته الإسلامية في دار مسيحية بالكامل حتى فتح خيبر. عندما يريد المصلحون لأوطانهم الخير فإنهم يجاهدون على درب الحرية ويكافحون أضداد الحرية بحسبان الحرية المدخل الطبيعي الأول لتطبيق الإسلام وشريعة الإسلام ودعوة الإسلام وتحرير المستضعفين من الإستعباد والإسترقاق وفرض العدالة الإجتماعية وتحقيق كرامة الإنسان ليحيى من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة أو ليتبين الرشد من الغي. ليس هناك مدخل آخر يوازي ذلك المدخل. إذا كانت حضارة رومية الغالبة أوقرت فينا من قبل قالتها : كل الطرق تؤدي إلى رومة فإن المؤدي إلى الإسلام طريق واحد إسمه الحرية ولا شيء غير الحرية. لا شك أن تجربة تركيا المعاصرة ماتزال في طور الإمتحان فيما فشلت فيه تجارب إسلامية أخرى سابقة كثيرة. وهل نجحت تجربة إسلامية معاصرة واحدة في الوفاء للتعددية الفكرية والسياسية؟ تلك معضلتنا وبئس المعضلة هي. هي الحالقة وليست مجرد مرض عضوي أو نفسي أو عارض طارئ. تلك الحالقة التي تحلق دعوة الإسلام. لن تزال التجربة التركية في طور الإمتحان ولكن البشائر واعدة والله سبحانه يحفظها لعلنا نصحح قالة شوقي عليه رحمة الله سبحانه : يا خالد الترك جدد خالد العرب. خدع المرحوم شوقي في خالد الترك بمثل ما خدعنا نحن اليوم ولن نزال بسذاجتنا المفرطة نخدع في جيف قذرة رفعت رايات العروبة والإسلام وفلسطين والحرية حتى تمكنت من رقابنا ثم صلبتنا شر صلبة.
من المنتصر؟ ليس المنتصر سوى تركيا والإسلام والحرية فهنيئا للمنتصر.
2 ما هي دلالات النصر وما هو نصيبنا منه. فهم التجربة التركية الإسلامية المعاصرة أمر مهم جدا وهو أولى من الطرب لهذا النصر أو ذاك ومن الحزن لهذا الإخفاق أو ذاك.صحيح أن التجربة التركية تحيط بها ميزات خاصة بها ولكن النأي بذلك بمثل ما يفعل بعض المحللين لا يستقيم بمثل ما لا يستقيم إستزراع التجربة وإستنساخها في أي بلد عربي أو إسلامي إستنباتا للجذور في الهواء كما يقال. فما يمكن من ذلك وما لا يمكن منه؟
أ من أولى خصائص التجربة التركية : خصيصة العنصر التركي ذاته أي حفظ حد أدنى من العصبية القومية المنصهرة تحت سقف العصبية الإسلامية العامة دون خيلاء ولا شوفينية ولا إزدراء للآخرين والإنتقاص من هوياتهم اللغوية والعرقية والمذهبية والدينية. مشكلة الهوية ومشكلة الولاءات والإنتماءات إزدواجا وإنصهارا مشكلة فكرية حقيقية لم يستقم أمرها عند كثير من مسلمي هذا الزمان. أكثرنا اليوم لا يستوعب إلا هوية واحدة صنمية نموذجية نحتت قبل قرون خلت كأنها قطعة حلوى صلبة سميكة كلما شعر المرء بالإرزاء ضمها إلى صدره. من منا اليوم يستوعب هوية تجمع بين الثبات والتطور من جهة وتحتوي على ولاءات داخلية كثيرة مزدوجة تحدودب في داخلها متدافعة لتلتقي في نهاية المطاف عند سقف جامع مكين من جهة أخرى؟ قليل ماهم. ما ذكره علامة الإجتماع السياسي إبن خلدون عن إستعصاء العنصر العربي إجتماعا وتآلفا وتوحدا وتكافلا بغير داعية الدين لا يصح كثيرا في شأن العنصر التركي. الأتراك أمة نجحت بعصبيتها القومية الإسلامية نجاحا كبيرا ولعل من يدرك ذلك معايشة في أروبا يكون أدرك بالمسألة حتى لو إستصعت عليه حلقاتها النظرية. هل هي خصيصة صنعتها الخلافة التركية وعقلية السلطان العثماني أم هي قبل ذلك. أمر أجهله بالكلية ولكن المؤكد أن لحقبة السلطنة العثمانية دورا بارزا في ذلك. العنصر التركي في هذا الجانب شبيه بالعنصر الألماني وهي الخصيصة التي أودت بالعرب وأمة العرب إلى قاع سحيق فما زادتها دعوات القومية العربية وليس بسبب المحتوي العالماني الإشتراكي لتلك الدعوات فحسب إلا تصرما. السؤال المهم جدا هنا هو : إلى حد تصمد قالة إبن خلدون في شأن العرب من جهة وأي دين يقصده إبن خلدون من جهة أخرى. أي : أي تدين وأي فهم وأي مسلك وأي إنعجام في الإسلام بين العروبة والإسلام حتى تصمد القالة ويكون الإسلام سفينة التحرير لأمة العرب؟
ب ثاني الدلالات والأسباب. عنصر الثأر وعامل الأزمة التي تلد الهمة. لا يهتدي مهتد في الشأن التركي المعاصر إلى نصيب من الحق والعدل حتى يسترجع الدور التركي العثماني على إمتداد قرون في ظل الخلافة الإسلامية الأخيرة إندياحا شرقا وغربا على أرض العرب كلها وجزء من إفريقا وآسيا من جهة ومن جهة أخرى تأثير ذلك إستراتيجيا في الحملات العسكرية التي هددت العاصمة النمساوية فيينا وجزء كبيرا من جنوب أروبا. بكلمة واحدة : الأتراك اليوم يتحركون ومما يحدوهم عامل الثأر الإيجابي لإسترداد مجد تليد كان هو العالم الأول بل كانت الآستانة عاصمة ذلك العالم الأول. ذلك ما يمكن أن يسمى اليوم الوعي الباطن أي الهمة التي تتحرك بما يشبه اللاإرادة بسبب المعاناة التي سلطها عليهم من خلع على نفسه ( أتاتورك = معناها أبو الأتراك). أزمة حلت بالعنصر التركي المتميز أصلا بالعصبية القومية الإيجابية فكانت عاقبتها همة عالية بمثل ما نحت الإمام محمد عبده قانونه التدافعي : الأزمة تلد الهمة. سؤالي الآخر المحرج جدا هو : أين دفن العرب همتهم أم أن الذي حل بنا لا يساوي الذي حل بالأتراك! بكلمة أخرى جامعة : جهاد من فقد مجدا تليدا كان يحمل ذكره لقرون ذهبية طويلة من العز والشموخ لا يساوي جهاد من لم يطعم مثقال ذرة من ذلك المجد. ذاك ملتاع وهذا ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين.
ج ثالث المعاني. للمقاصدية الإسلامية فقها وتنزيلا بمثل ما أنف ذكره معنى آخر إلتقطته للتو منقدحا. غربة عموم الأتراك عن اللغة العربية حمالة الإسلام من قرآن وسنة فيه خير وفير.كيف ذاك؟ ينعكس ذلك الخير عندما تقارن بين عربي يتقعر في لغته ويظل يفسر حروف الوحي حرفا حرفا وكلمة كلمة ويتباهى ببيانها وبديع نظمها وهو في كل ذلك غافل عن رسالة تلك الحروف ومقصد تلك الكلمات وهو الأمر الذي باءت به بعض التفاسير والتآويل التي لا تكاد تجاوز رسالتها الخاتمة أن الإسلام دين معجز البيان وصافي اللسان وأكمل عجائبه أنه تحدى العرب الأقحاح فكبتهم وإنتهت القصة وصاحبنا ينسى أنه يخاطب عاربة مستعربة إنقطعت كل صلاتها أو تكاد باللسان العربي درسا وحياة.. عندما تقارن بين ذلك العربي وبين التركي الذي لجهله بتلك التفاصيل فإنه يتشبث برسالة الإسلام في ثوابتها ومقاصدها ومبادئها وعزائمها ومحكماتها يلتقطها ويشد عليها بالأيدي والنواجذ فيفجر فيها طاقاته ويعمل مجتهدا لتحقيقها.. عندما تقارن بين الرجلين تدرك معنى المقاصدية الإسلامية التي عض عليها الأتراك بالنواجذ كرامة وحرية ووحدة وعصبية قومية إسلامية إيجابية وإعتصاما وتواصيا بالحق والصبر والمرحمة وعدلا وقوة ودعوة ( فتحا في العهد العثماني لا يقل شأنا عن العهد الراشدي الأول) وغير ذلك. مع إعتماد النسبية بطبيعة الحال فيما تقدم فما كل العجم والأتراك هم ذاك ولا كل العرب هم ذلك. ولكن العبرة بالمنهج العام والأغلب. ومهما يكن من أمر فإن المقصود هنا هو أن الأتراك أدركوا أن للإسلام منهم مرادا ومقصدا ورسالة يجب أن تتحقق قدر المستطاع وليس ما دونها من نصوص وأدلة جزئية بالتعبير الأصولي وبيان لغوي عربي مبين وجزئيات وفرعيات ومتشابهات سوى مساعدات ومعينات منها ما يجب إقراره بمثل التعبدي ومنها ما لا يبالى بوضعه نشدانا للوسيلة الأعصر والأنسب والأرفق والأيسر والأحكم والأرشد. لك بكلمة واحدة مختصرة أن تقول أن تجربة أربكان وأردوغان شبيهة جدا بتجربة الفاروق الذي فقه مخ الرسالة ولب الشريعة ومقصد الدين فجعل ذلك مآل عمله الإجتهادي العظيم المعروف تحقيقا لمصالح العباد التي سوى لأجلها نزل التشريع وإحتوى التدريج واليسر والمقاصدية ورفع الحرج ورعاية المصلحة العامة قبل الخاصة. المنهج هو المنهج ودعك من الأخطاء هنا أو هناك والخطأ ضجيع الإنسان إذ ماتت العصمة ودفنت مع محمد عليه الصلاة والسلام إلا عصمة لأمة الإسلام قاطبة جمعاء فيما تهتدي إليه فإنها لا تهدى إلا لحق ومظنة حق.
3 كيف نستنسخ التجربة أو نستزرعها. الإستنساخ والإستزراع عمليتان عضويتان لا شأن لهما بالإقتباس المنشود ولا بالإستفادة من تجارب الآخرين. صحيح جدا أن التجربة الإسلامية التركية مدينة في نجاحها إلى الدولة التركية القائمة على حد أدنى من الأخلاق الديمقراطية المعروفة. سوى أن النأي بذلك يفضي بأصحابه من حيث لا يشعرون إلى القول بأن الدولة العالمانية الحديثة المعاصرة التي أنشأها مصطفى كمال كانت ضرورية للقطع مع تجربة الخلافة العثمانية الإسلامية الأخيرة بحسبانها دولة الجور والرق. صحيح أن هناك دولة عصرية ولكنها عصرية شكلا إداريا وقروسطية قيما وحضارة وثقافة وهي سمة تشترك فيها دول عربية كثيرة مع مراعاة الإختلاف. مديونية التجربة التركية المعاصرة إذن للدولة العصرية ذات الرصيد الديمقراطي في حده الأدنى مع خروقات وتجاوزات عكستها الإنقلابات العسكرية الكثيرة ضد أربكان مرات ومرات.. تلك مديونية صحيحة وذلك هو العائق الوحيد أو يكاد يكون الوحيد الذي ينأى بالتجارب الإسلامية في بقية الدول العربية والإسلامية أن تحقق النجاحات التي حققتها التجربة التركية المعاصرة. بكلمة : شرط توفر المناخ شرط لازم من شروط التحول الديمقراطي. وهو ما تنكبت وعيه تجارب إسلامية عربية كثيرة أو تحكمت وتعسفت في صنع ذلك المناخ فكان أشد وباء من المناخ السابق. إستزراع النجاح التركي يتطلب من العرب بعضا مما يلي :
أ رسم ثابت محكم غير قابل للمراجعة عنوانه : لا قوام للإسلام ولحركة الإسلام ولدولة الإسلام إلا بقدر ما تحتضنها مناخات مناسبة من الحرية وبذلك يكون جهاد الحركة الإسلامية العربية الأول هو الجهاد على درب الديمقراطية وليس على درب الأسلمة ولا حتى على درب الهوية بمعناها الأولي التلقائي غير المعقد ولا المركب أو الهوية الثقافية دون مقتضياتها الإجتماعية والسياسية والقومية وغير ذلك. بكلمة لا ثاني لها : تقديم التحرير على الأسلمة وهو وضع لا ينأى عنه حتى الوضع الفلسطيني نفسه فما بالك بمن دونه. أي تحرير؟ التحرير الإجتماعي والتحرير السياسي والتحرير الإقتصادي والتحرير الثقافي سيما في المجتمعات متعددة الثقافات والأديان والمذاهب والأعراق.. الهوية الإجتماعية اليوم والهوية السياسية والهوية الإقتصادية هم المطلوبون الأول من جهد الحركة الإسلامية العربية. الهوية الثقافية بمعناها التقائي الأولي البسيط غير المركب ليست مهددة ولم تكن يوما مهددة بسبب أنها محفوظة بالوعد الرحماني الصادق ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). حفظ الذكر لا يعني حفظ المصحف لأن القرآن ليس هو المصحف فالمصحف شيء والقرآن شيء آخر. حفظ الذكر لا يعني حفظه في المصاحف والصدور فحسب ولكنه يعني أول ما يعني حفظه دينا في الناس.
ب بعث الأمل يوما بعد يوم في التغيير الإصلاحي الهادئ المتدرج على منهاج قالة يعقوب لبنيه ( لا تدخلوا من باب واحد وإدخلوا من أبواب متفرقة). تلك قالة يجب أن تلتقط على أنها منهاج للتغيير الإصلاحي الإسلامي. نحن العرب سرعان ما نقتنع بذلك نظريا ثم نعمل له بحماس لسنوات أو حتى عقود ثم سرعان ما نيأس منه بعد ذلك لأنه لم يستخلص لنا الدولة كاملة أو سبب لنا من المتاعب كثيرا. من آفاتنا الحالقة التي تحلقنا وتحلق التجربة معها هي أن كثيرا منا لا ينقصه إخلاص ولا حكمة ولا صبر ولكن ينقصه شيء واحد إسمه : يحرص حرصا عجيبا على أن يكون النصر بيديه هو وفي عهده هو. هل يصرم ذلك حبال الإخلاص؟ ليس بالضرورة ولكنها في كل الأحوال حالقة. من آفات منهاجنا أنه أحادي الإتجاه فإما إنقلاب عسكري أو تعويل على ديمقراطية لن تأتي لا بقليل ولا بكثير أو إنتظار ثورة شعبية أو إستقالة من بعد عقود من العمل عن العمل .. الواقع أشد تعقيدا وأكثر تركيبا في كل زواياه من أن ينفع معه منهاج أحادي الإتجاه. المنهاج أحادي الإتجاه لا يضم إليه بالضرورة إلا أصحاب ذلك الإتجاه ويعزل بالضرورة طاقات أخرى وفعاليات أخرى وحقول أخرى ونقع في النخبوية من حيث لا نشعر ولا نريد.. من مشالكنا الكبرى في قضية المنهاج التغييري الإصلاحي كذلك عزوفنا إن نظرا أو مسلكا أو بكليهما على إستخدام الدولة ومؤسسات الدولة أدوات وحقول للتغيير والإصلاح.. حينا بحجة إستحكام إنغلاقها وحينا آخر بحجة اليأس منها..
ج إستخدام الحقل الإجتماعي ضمن المنهاج مزدوج الحقول. تنبهنا إلى ذلك ولكن ليس في الوقت المناسب أو قل ليس منذ بداية الطريق وصحة البداية كما يقال شرط كبير وإن كان ليس محددا مائة بالمائة في صحة سلوك الطريق وصحة النهاية. الفارق بيننا وبين الأتراك أنهم يستخدمون ذلك بغير لافتة إسلامية بل هي لافتة العدل وليس سوى العدل. كاتب هذه الكلمات عاش عاما كاملا بين الأتراك في عهد أربكان ولازمهم عن قرب وإستمع إليهم في سرهم وعلنهم ولم يستمع يوما واحدا إلى غير شعار واحد هو : دولة العدل والمساواة والحريات وغير ذلك. لا تسمع كلمة دين وإسلام وإيمان وغير ذلك. كنت ذات مرة في مدينة كبيرة معروفة بها لحزب الرفاه وجود تبعد مسافة ساعة بالحافلة عن أنقرة ( مدينة تشنكري) وحضرت صحبة صديق معروف إجتماعا شعبيا عاما بمناسبة قرب إنتخابات عامة وفي غمرة حماسة النائب البرلماني عن حزب الرفاه إستخدم كلمة إسلام إستخداما عابرا جدا يصح فيه حقا أنها زلة لسان فما كان من خصومه العالمانيين إلا أن صوروا المشهد بالصوت والصورة وتقدموا ببلاغ إلى النائب العام في سلك القضاء ونال الرجل جزاءه. سؤالي لنفسي ولك : هل يستطيع عربي أن يصمد ردحا من الزمن فلا يقع لسانه في أي زلة لسان تفسق به من الحديث عن العدل إلى الحديث عن الإسلام في حمى المنافسات الإنتخابية؟ لا أظن ذلك. تصور بنفسك برهة زمنية صغيرة أن آلافا من رجال الرفاه ثم من رجال العدالة والتنمية يجوبون تركيا شرقا وغربا فلا ينبس واحد منهم ببنت شفة عن الإسلام والإيمان والكلمات المحرمة قانونيا تحريما قطعيا.. ذلك أمر لا يجنى لكل من هب ودب. ذلك يعكس صبرا عجيبا و إنضباطا أعجب وإيمانا بالقضية حتى لو كان في التعبير عنها إجحاف ليس له مثيل حتى في دولة قريش. أدنى ما يمكن أن تسمعه من بعضنا نحن اليوم عندما نتحدث عن العدل بدل الإيمان وعن الحرية بدل التقوى وعن فلسطين بدل وحدة أي قبيلة عربية .. أدنى ما يمكن أن تعير به هو أن خطابك لا يختلف في شيء عن خطاب العالمانيين.. والذنب ذنب من إذا كانت مطالبي هي مطالبهم.. هل أقصر عن الإسلام الجامع دين الحرية والوحدة والكرامة والعدالة إلى الدين بمعناه الضيق حتى أحقق التميز عنهم وأنتج لك أغنية لكل مستمع!!!
كفى التجربة فخرا أنها تجدد الأمل في التغيير الديمقراطي.
يمكن أن نختلف في التجربة نشأة وحصادا إختلافا كثيرا وما يكون عندي إيجابيا تراه بعينيك قذى ولكن هل نختلف في أن التجربة بمرحلتيها الأربكانية والأردوغانية تبعث فينا الأمل نحن معاشر العرب الذين يئس كثير منا ( لا أظن أن الكثرة هنا مبالغة) من التغيير الإصلاحي الديمقراطي . الذي يجعل كثير منا ييأس من ذلك هو بطش الأنظمة البوليسية وعصابات المافيا العربية التي ترثنا بسلالاتها الدعية القذرة كما ترث متاعا عن أبيك. الحديث عن بطش تلك العصابات يجب أن يكون حديثا إيجابيا على نحو يجدد فينا الأمل في التغيير الإصلاحي الديمقراطي على طول طريقه وكثرة شوكه ومرارة ثمرته. أما التعلل بأن المناخين التركي والعربي على طرفي نقيض فهو تعلل المقعدين ونهاية التمشي هو أن الإنسان ريشة في مهب الريح والعقيدة جبرية بإمتياز. الأمل في الإصلاح الديمقراطي ليس لأن طريق الديمقراطية يسير مفتوح ولكن لأن البدائل الأخرى أشد تعاسة وبؤسا وأشد إنغلاقا وأثرا فاسدا من جهة ولأن الطريق الديمقراطي يعلمنا كثيرا مما إفتقدناه من التربية الإسلامية التي قوامها الصبر والشكر والرضى بالحال رضى عامل على تغيير ما بنفسه ليتغير ما حوله من جهة أخرى. الطريق الديمقراطي ربما نستفيد من عطايا دربه الطويل الشائك أكثر من إستفادتنا من ثمرته الأخيرة وفي ذلك خير وفير وكبير. الطريق الديمقراطي يضطرنا إلى التكافل والتعاون على إختلاف مشاربنا وذلك هو خير صمام أمان لنبذ الإنفراد والإستبداد. بكلمة الطريق الديمقراطي ذو عطايا أخلاقية كثيرة ومتنوعة يحتاجها العامل بصفة عامة والمسلم بصفة خاصة. الطريق الديمقراطي قنطرة إلى الدولة في الطريق إلى الدولة أو عبور إليها مرحلة من بعد مرحلة كمن يتأهل في معارج العلوم والمعارف بشهادة من بعد شهادة وليس كمن سبق إلى ذلك بإثر إنقلاب عسكري ( لا تستثني فيه إلا رجلا واحدا فحسب لا ثاني له هو سوار الذهب وليس لسوار الذهب من شقيق على وجه الأرض وما ينبغي له أن يكون) أو بإثر ثورة شعبية سرعان ما ينقلب ثوارها إلى فراعنة ( حالة الجزائر شبيهة بوجه ما) أو يمتص النظام الدولي المستحكم غضبتها ويلهيها بتلبية بعض المطالب الثانوية.
الأمل ليس في الديمقراطية فحسب ولكن الأمل في أن عصابات النهب العربية لا تقاوم الديمقراطية أو لا تصبر على مقاومتها عقدا من بعد عقد من بعد عقد. الحقيقة أننا نحن هم الذين يفشلون في مواصلة المقاومة الديمقراطية بالوتيرة المطلوبة وبالتضحيات المطلوبة وليس صحيحا أن الأنظمة العربية قادرة على الصبر على مواجهة المطلب الديمقراطي سنوات طويلات دون أدنى إستجابة أو تنازل. يمكن أن يحبط النظام العربي إنقلابا عسكريا أو ثورة شعبية ولكنه عاجز بالتمام والكمال على أن يحبط الثورة الديمقراطية الإصلاحية الهادئة متعددة الحقول على قاعدة المنهاج المعروف ( أدخلوا من أبواب متفرقة) .. غير قادر على إحباطها كل الوقت.. يسحقها يوما ثم تنبت غدا ويفرقها ثم تجتمع ثم يعجز عن إستئصالها بالكلية بحيث لا تنبت مجددا..
لو لم تنسب إلى تجربة تركيا حتى مع إختلاف المعطيات العربية عنها إختلافا كبيرا وهو أمر صحيح ومعلوم وله آثاره المعروفة سوى أنها تبعث فينا الأمل في الطريق الديمقراطي لكفاها فخرا..
الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.