لا يختلفان إثنان في إعتبار أن هيبة الدولة هي بكل بساطة ما يستنتجه المواطن في علاقته بالدولة عموما من حزم و جدية كبيرين في تطبيق القانون على كل معني بهذا القانون في مختلف الوضعيات و السياقات و الأطر و الحالات المدنية التي يعيشها المواطن في إطار حياته المدنية و كما يعلم الجميع أن الدولة تستمد تطبيقها للقانون من قوة القانون عن طريق سلطة القانون نفسه و كل هذا يستمد( بضم الياء ) من علوية الدستور الضامن الوحيد لمشروعية هيبة الدولة و إلزامية تطبيقها حفاظا على مفهوم و رمزية الدولة بصفة عامة و المكانة المعنوية لمؤسساتها بصفة خاصة . فعلى سبيل المثال عندما لايقع تطبيق قانون في وضعية ما أو عدم تنفيذ حكم قانوني في وضعية أخرى ، تكون ردة فعل المواطن على ذلك بتساؤله على غياب هيبة الدولة في مثل هذه الوضعيات ، كذلك يتساءل كل ملاحظ على مسألة هيبة الدولة عندما يقع مثلا إستباحة مؤسسة من مؤسسات الدولة أو مكسب من مكتسبات الدولة كالمس بمرفق عمومي أو حافلة عمومية أو ملعب عمومي أو حديقة عمومية قياسا بالمفهوم العادي و المألوف لهيبة الدولة و الذي يتسم بالمعنى القانوني و الجزائي بإمتياز ، بينما تجدر الإشارة بأن لهيبة الدولة مفهوم آخر مكمل و موازي للمفهوم الذي تعرضنا له في البداية و يتحدد هذا المفهوم في الوجه الآخر لعلاقة الدولة بمواطنيها و بشعبها ، فالدولة في مفهومها العام هي مؤسسات و قوانين من المواطن و إلى المواطن، و بذلك عن طريق هذه المؤسسات تعد الدولة مطالبة بتحقيق الخدمات التي يحتاجها المواطن كعنصر مكون للدولة بمنطق المواطنة و علاقتها بالحق و الواجب و بذلك يمكن لنا أن نستنتج بأن هيبة الدولة تتمثل أيضا في جودة الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة لمواطنها و في وظيفية الأليات التي يعالج بها كل مرفق عمومي كل مسألة من مسائل تهم المواطنة فعلى سبيل المثال يمكن أن يلمس المواطن هيبة دولته في جودة خدمات صحية من المستشفى الذي يعالج في أقسامه أو في الأريحية التي يحس بها عند استعماله لحافلة أو قطار أو مترو تابعين للدولة أو في استفادته من معادلة جيدة بين المقدرة الشرائية و مستوى المعيشة عن طريق مقاربة وطنية مدروسة و ناجعة في هذا المستوى . هذا على المستوى النظري و لكن للأسف الشديد على المستوى الواقعي في مشهدنا الوطني ، تشكو هيبة الدولة خللا على المستوى الإجرائي و العملي بالتلكؤ في تطبيق أحكام قانونية باتة و نهائية و الأمثلة عديدة في هذا الصدد أما على مستوى الخدمات المنتظرة من مؤسسات الدولة تجاه المواطن ، فالفساد الذي اكتسح كل المجالات هو الذي جعل هيبة الدولة في مأزق من مجال إلى آخر لأن الفساد يتدخّل بصفة مباشرة في حياة المواطن كالصحة و التعليم و النقل و الإدارة، و الدليل أن نسبة هامة من التونسيين يتجهون لشراء الخدمات مهما كان المقابل المادي في القطاع الخاص في المجالات التي ذكرتها مثلا و ذلك لتراجع الجودة بصفة كبيرة في المرافق العمومية إن لم نسلم بانعدامها تماما . وعلى هذا الأساس يمكن لنا أن نسلم بأن هيبة الدولة لا تتحقق بمعاقبة المتجاوزين و الفاسدين فحسب بل تتمثل أيضا في تحقيق مستوى مقبول أو حسن من الجودة و الحرفية و الاحتراف على مستوى مختلف الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة و مرافقها العمومية للمواطن ، و هذا في اعتقادي هو الوجه الآخر لهيبة الدولة ... ختاما صدق من قال " لن تحصل على غد أفضل ، ما دمت تفكر بالأمس ... "