من المفارقات المضحكة في تونس أن قيادات في المعارضة تجد متسعا من الوقت للعيش في أحلام وردية لا يعرف أحد كيف تتراءى لها خاصة وأن أمامها متسع من الوقت في كل شيء لتنظر للمستقبل بتفاؤل. بدون مقدمات وبعد أن قام بكل أدوار المعارض الهمام في تقديم البدائل السياسية والاقتصادية الاجتماعية وإعداد فريق حكمه الجديد مثلما تفعل المعارضة في الدول الديمقراطية العريقة حيث يكون لها وزراء وحكومة ظل تحضر كل شيء في انتظار احتمالية فوزها في الانتخابات لتكون مستعدة للحكم، قفز القيادي في التيار الديمقراطي فوق كل ذلك وبتصريح نشره على صفحته الفيس بوكيه يدعو فيه إلى ارتفاع الأصوات للمطالبة الرئيس الباجي قايد السبسي بنشر تقرير عن وضعه الصحي أو مطالبته بالاستقالة معتبرا في نهاية التدوينة أن رئيس الجمهورية أنهزم وحكومته في تحسين أوضاع التونسيين وإشاعة التفاؤل بينهم ليقبلوا على الكد والجد. لا أستغرب هذا التخبط الذي يعاني منه مؤسس التيار الديمقراطي وهو يتابع دراجة حزبه الهوائية تتعثر وتفرغ عجلاتها من الهواء فلا يعرف هل يحملها ويسير أم يتركها ويمضي فبعد سياحة حزبية قادته ذات اليمين وذات اليسار يجد الحزب الذي يعتبره نفسه معارضا دون أن يحدد ماذا يعارض أو ماذا يريد سوى ما قالته النائبة عن الحزب السيدة سامية عبو في حوار إذاعي ردا على انتقاد غياب البرنامج في حزبها "اعطونا نحكموا وتوا تشوفوا". الدعوة برفع الأصوات للمطالبة بالملف الصحي لرئيس الجمهورية أو دعوته للاستقالة تعكس أن محمد عبو يصرخ وحيدا في واد غير ذي زرع فلو كان ما يتحدث به يثير اهتمام الناس لما كان قد دعا ولم يستمع له أحد متناسيا أن رئيس الجمهورية يقوم بما يمليه عليه واجبه كما أقر الدستور دون تجاوز لصلاحياته المحددة، وربما أثار نجاح الرئيس في القيام بمهامه غضب السيد عبو الذي يذكر جيدا كيف كان زعيمه والرئيس المؤقت الأسبق المرزوقي يؤدي مهامه محققا الفشل تلو الفشل فحاول أن يعبر قهراً لينفس قليل من الغضب. المضحك في الحديث أن من يدعون اليوم لانتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة دون سبب أو مبرر هم أخر المعنيين وأحزابهم بأي نجاح قادم فهذه المجاميع لا تملك اليوم لو توحدت أن يكون لها كتلة برلمانية تتحدث باسمها ناهيك عن صراع الديوك حيث يرى كل واحدا فيهم نفسه الزعيم الذي سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه عندما تتاح له الفرصة ليقف على مدرج المسرح البلدي وتحمله الجماهير على الأعناق إلى سدة الحكم. الرئيس وكما تنشر وسائل الإعلام يمارس مهامه المنصوص عليها في الدستور بكل هدوء بعيدا في كثير من الأوقات عن وسائل الإعلام ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة والمسؤولين الذين التقى بهم والقمم التي شارك فيها والدور الذي يقوم به في تعزيز المسار الديمقراطي يطرح تساؤلا في العمق عن ماذا يريد السيد محمد عبو من حديثه هذا خارج إطار البحث عن فرصة للظهور في ظل العجز عن طرح البدائل. نقطة ثانية مضحكة في التدوينة التي أتحفنا بها عندما قال "أن رئيس الجمهورية أنهزم وحكومته في تحسين أوضاع التونسيين" والمستغرب أن القيادي الذي شارك في صياغة دستور 2014 لا يفرق بين الرئيس والحكومة ويبدو أن تراكم الإحباط أنساه نصوص الدستور الذي شارك بصياغته، فالحكومة ليست حكومة الرئيس بل حكومة رئيسها يملك كل الصلاحيات الكبرى التي تمنح له بتصويت الأغلبية البرلمانية ولا يعينه رئيس الدولة ويمكن للسيد محمد عبو ان يتقدم عبر نواب حزبه بطلب سحب الثقة من الحكومة وإسقاطها خاصة وأنه واثق من الفوز ونيل الأغلبية المطلقة في حال جرت انتخابات تشريعية غدا وأيضا لما لا سيكون الرئيس القادم لو جرت انتخابات رئاسية بعد غد. مؤسف ما يجري من عبث وإضاعة للوقت وتحول المعارضة التي تصف نفسها بالديمقراطية لمعارضة تبحث عن أن تقول أنها موجودة دون ان تضيف للمعنى أية فائدة، والحديث الذي يرضي الغرور ويشعر قائله بقيمته أمام نفسه يسقطه أمام الآخرين، والتجربة الديمقراطية في أولى سنواتها بعد انتخابات 2014 تسير رغم الأزمات التي تخبطت بها البلاد جراء كوارث سنوات حكم الترويكا السيئة الذكر، ومن يعتقدون أن دعواتهم ستحقق لهم جزء من أوهامهم عليهم ان ينتظروا 2019 ويستعدوا ليكون لهم دور يناسب حجمهم في الانتخابات التي ستجري في موعدها لأن من يراهن اليوم على أوهامه لن يحصد غدا سوى الخيبة والسراب.