يحب أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أن يخوضوا صراعاتهم السياسية من منطلق التكفير والتخوين والإقصاء، لأنه –وباعتقادهم- فإن الجماعة وحدها من يحتكر الدين الصحيح. ولذلك يعتبر أفراد الجامعة أن من يختلف عن منهجهم السياسي، يكون قد اختلف معهم في الدين، أو أنه يحارب الدين، بل ويصرون على تلك التهمة، حتى وإن رؤوا من يختلف معهم وهو يؤدي كل الطقوس الدينية. ولذلك يرى المتابع لمنصاتهم الإعلامية، أن لديهم تهمة جاهزة لكل من يختلف معهم، خصوصًا من الأنظمة التي يعارضونها، وأقل تلك التهم أن يشيعوا بأن "أم الرئيس يهودية"، وأن الرئيس الذي يعارضونه يظل متنكرًا فقط بالإسلام، وأنه في الحقيقة يتبع دين أمه، كون الديانة اليهودية تمنح من جهة الأم. وإذا راجعنا تهمهم سنجدها تمتد من بدايات نشأة الجماعة، فالإخوان في البداية تحالفوا مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ولما اختلفوا على من يحكم مصر، وخاضوا بينهم صراعات سياسية، حاولوا تصفيته جسديًا في حادثة المنشية، ولمّا فشلت المحاولة -التي أدت إلى قمعهم- حاولوا اغتياله معنويًا بأن قالوا: "أمه يهودية"، على الرغم من أن الرئيس جمال بن عبد الناصر بن حسين بن خليل بن سلطان التميمي ينتمي لقبيلة بني تميم من "بني مرة" العربية، وأهله معروفون في قرية "بني مر" التابعة لمحافظة أسيوط، التي ولد فيها؛ أمه وأبوه وأجداده معروفون لكل سكان القرية. إلّا أن البروباغندا الإخوانية، دائمًا لا تهتم سوى بأنساب من يتخاصمون معهم،. تماما كما فعل الاخوان في تونس مع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة حيث اتهم القيادي في حركة الاتجاه الاسلامي والنهضة الرئيس بورقيبة بانه من أصل يهودي . قبل قيام دولة إسرائيل على أراضي فلسطين، كان اليهود يعيشون كأقليات في الدول العربية، ويتمتعون بحقوق المواطنة كافة، مما جعل الإخوان يستغلون تلك الميزة، بإحالة أي من خصومهم إلى فكرة أنه تربى في صغره داخل أحياء اليهود، ثم أعلن إسلامه لكي يحارب جماعة الإخوان ويعمل لصالح اليهود! فحتى ألد أعداء إسرائيل من الزعماء العرب كانوا هدفًا لهذه الدعاية، مثل عبد الناصر الذي كان أول من أمد الفلسطينيين بالسلاح، وفتح لهم مخازن الجيش المصري، وحولهم من لاجئين إلى فدائيين، وأكثر من حرض عالميًا وباستمرار ضد إسرائيل. وياسر عرفات الذي رفع شعار الكفاح المسلح لتحرير فلسطين حتى اغتيل بالسُّم في عهد شارون، ولكن تلك النضالات لم تستثنِ الزعيمين من تلك التهم، فقد أشاع الإخوان أن ياسر عرفات من أم يهودية، بعدما تأسس فرع لجماعة الإخوان في فلسطين، وبدأوا ينافسون منظمة التحرير على مد شعبيتهم بين الفلسطينيين، فاستخدموا بداية شعار التكفير بأن قالوا إن المنظمة بكل أفكارها وفصائلها علمانية، وأنها ضد الإسلام، في الوقت الذي كانت فيه المنظمة تخوض حروبًا ضد دولة الاحتلال سواء من لبنان أو الأردن، أو من داخل الأرض المحتلة. وبعد عودة المنظمة إلى فلسطين، بدأت وشوشاتهم تزيّف نسب رئيسها، حتى اقتنعوا بالفكرة. إلّا أن البعض منهم راجع مواقفه بعد استشهاده، ربما لأن ورقة الشائعة احترقت، ولم يعد هناك من يصدّقها. على الرغم من الفارق بين اليهودي والصهيوني (فاليهودية هي دين مثل باقي الأديان السماوية، لا تعتبر تهمة، بعكس الصهيونية التي تحاول ضم اليهود لاحتلال أرض عربية) إلا أن هذا التصنيف الإخواني يضع الحد الفاصل بين من هو إنسان يهودي يُعامل بحسب إنسانيته وليس دينه، وبين الصهيوني الذي يحتل أرض فلسطين ويسطو عليها بالقوة المسلحة على حساب سكانها الأصليين. إلّا أن الإخوان يحاولون الخلط بين الأمرين ليبقى الصراع بين إسرائيل والعرب صراعًا دينيًا، ومن أجل أن يتصدروا المشهد والزعامة السياسية، لأنهم الوحيدون الذين يرفعون شعارات دينية. فهم يحاولون وضع أي مخالف لهم في خانة اليهود، حتى يغرروا بعناصر التنظيم لشحن عواطغهم الدينية، بإعلان الجهاد وإشاعة الإرهاب ضد الحكومات والأنظمة التي يطمحون إلى الحلول مكانها. فقد كان الإخوان أول من تحالف مع الرئيس الليبي معمر القذافي، ولكن بعد انقلابهم عليه، اتهموه بأن أمه يهودية، دون أن يجيبوا عن السؤال: "ولماذا تحالفتم معه من قبل؟". وكذلك الأمر مع الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، فهم اليوم شبه متأكدين من أن أمه يهودية، ويفتون بضرورة قتله، وإعلان الجهاد ضده، وضد النظام الذي يرأسه، وضد الجيش الذي يقوده! ويتناسون أنه وفي عهد الرئيس الإخواني محمد مرسي، رُقّيَ عبد الفتاح السيسي إلى وزير للدفاع، وكانوا يومها يكيلون له المديح باعتباره "وزير دفاع بنكهة الثورة"، أما بعد الثورة الشعبية التي حدثت ضد مرسي، ومطالبة الملايين للجيش بالتدخل، فقد انقلب موقف الإخوان 180 درجة، وأخرجوا من أرشيفهم ورقتهم الشهيرة وقالوا "أمه يهودية"!. وهو ما تكرر أيضًا مع الرئيس السوري بشار الأسد، إذ ينتشر على مواقع الإخوان شائعات بأن الرئيس السوري ذو أصول يهودية تعود إلى يهود أصفهان في إيران، ويذكرون كذلك الكثير من الأدلة التي تثبت وجهة نظرهم، مثل أنه "أشقر وعيونه زرقاء"! بينما وبالعودة إلى ما قبل 2011، فقد كان الإخوان من أشد حلفاء النظام السوري، وكانوا محسوبين كأهم حلفاء سوريا، وما زالت تسجيلات القرضاوي في مديح الرئيس السوري متداولة.