ترامب يعلن بدء العمل لإنهاء الأزمة في السودان فوراً    ألمانيا تناور تحت الأرض.. تدريبات عسكرية خاصة بأنفاق مترو برلين    وزير الصحة يؤكد الاستجابة لعدد كبير من مطالب الأطباء الشبان بينها الزيادة في الأجور بداية من 2026    أمطار مؤقتا رعدية وأحيانا غزيرة بالوسط والجنوب مع رياح قوية تتجاوز سرعتهتا ال90 كلم في الساعة    الفنان السوري قيس الشيخ نجيب أول سفير لليونيسيف في سوريا    رونالدو يخرج عن صمته.. وينشر صورا مع جورجينا وترامب    سيدي بوزيد : حجز 150 صفيحة من مخدر "القنب الهندي"    استعدادات مكثّفة لإعادة فتح المتحف الروماني والمسيحي المبكر بقرطاج يوم 2 ديسمبر 2025    أيام قرطاج المسرحية...مهرجان تجاوز الثقافة لينعش السياحة    المتحف المسيحي المبكر بقرطاج يفتح أبوابه من جديد يوم 2 ديسمبر 2025    وجوه الحبّ الأخرى    ماسك: خلال 20 عاما.. العمل لن يكون ضروريا والمال سيفقد قيمته    عاجل/ مباراة ودية بين النادي الافريقي والمنتخب الفلسطيني.. وهذا موعدها    للتوانسة: فجر وصباح السبت 22 نوفمبر...طقس بارد    عاجل/ تونس تنجح في تسجيل تمورها ضمن المواصفة الدولية للدستور الغذائي    اخر التطورات الصحية لتامر حسني    صادرات القطاع الفلاحي والصناعات الغذائيّة نحو المغرب تجاوزت 338 مليون دينار    مدنين: حركية هامة بالميناء التجاري بجرجيس ودخول نشاط تصدير الجبس الحجري وتوريد حجر الرخام    عاجل/ نتنياهو يتجوّل داخل الأراضي السورية    تطاوين: تواصل حملات التقصي المبكر عن مرض السكري والأمراض غير المعدية طيلة شهر نوفمبر    لماذا سمي جمادى الثاني؟ أصل التسمية والأحداث التاريخية    غرّة ديسمبر.. انطلاق حصّة التجنيد الرابعة لسنة 2025    مؤلم: تفاصيل صادمة لجريمة قتل أب طفلته بعد ''تعذيبها بوحشية''    عاجل-وزارة التجهيز: بلاغ هام للمترشحين المقبولين..كل ما يجب معرفته قبل 7 ديسمبر    قمّة تغيّر المناخ 30: تونس ترفع من أهدافها المناخية في أفق سنة 2035    كرة اليد: المنتخب الوطني للسيدات يلاقي نظيره الكوري الجنوبي وديا    عاجل/ قانون المالية: هؤلاء معفيون من ضريبة خدمات النقل    عاجل/ الكشف عن عدد الحجيج التونسيين لهذا الموسم    الترجي الرياضي: اصابة عضلية لكايتا وراحة ب21 يوما    ألعاب التضامن الاسلامي: مروى البراهمي تتوج بذهبية رمي الصولجان    إضراب وطني في المدارس الابتدائية يوم 26 جانفي 2026    انطلاق الدورة العاشرة ل" أيام المطالعة بالارياف " لتعزيز ثقافة القراءة والكتاب لدى الاطفال في المدارس الابتدائية بالمناطق الريفية    الديوان الوطني للصناعات التقليدية يشارك في الدورة الأولى لصالون الصناعات التقليدية والسياحة التونسي الايفواري من 05 إلى 08 فيفري بأبيدجان    هام/ انتداب 4000 عون بهذه الوزارة سنة 2026..#خبر_عاجل    اتحاد الفلاحة: سعر الكاكاوية لا يجب ان يقلّ عن 6 دينارات    شنيا يصير لبدنك إذا مضغت القرنفل كل يوم؟ برشا أسرار    فرصة باش تشري دقلة نور ''بأسوام مرفقة'' بالعاصمة...شوفوا التفاصيل    عاجل/ منخفضات جوّية مصحوبة بأمطار خلال الأيام المقبلة بهذه المناطق..    عاجل/عثر عليها جثة هامدة في منزلها: تفاصيل ومعطيات جديدة بخصوص واقعة الوفاة المسترابة لمحامية..    أكثر من نصف المؤسسات الصغرى والمتوسطة واجهت صعوبات بين 2024 و2025!    ترتيب الفيفا: المنتخب الوطني يرتقي من جديد في التصنيف العالمي    عاجل: رجّة أرضية في الجزائر    عاجل: تامر حسني يفجر مفاجأة بخصوص حالته الصحية..شنيا الحكاية؟    مريض سكّري فاقد الوعي قدّامك: هاو كيفاش تنقذه    دراسة: التونسي ما يعرفش يتصرّف إذا تعرّض لإشكاليات كيف يشري حاجة    شنيا حقيقة فيديو ''الحمار'' الي يدور في المدرسة؟    الكحل التونسي القديم يترشّح لليونسكو ويشدّ أنظار العالم!...شنوا الحكاية ؟    وزير الشباب والرياضة: التزامنا ثابت بدعم أحمد الجوادي على غرار سائر الرياضيين ذوي المستوى العالي    عاجل: وزيرة المرأة أسماء الجابري تحسم الجدل و تردّ على مقترح تعدّد الزوجات    ترامب يصنّف السعودية حليفا رئيسيا من خارج 'الناتو'    اختتام مهرجان تيميمون للفيلم القصير: الفيلم الجزائري "كولاتيرال" يتوج بجائزة القورارة الذهبية وتنويه خاص للفيلم التونسي "عالحافة" لسحر العشي    كل ما يلزمك تعرفوا على حفل جوائز كاف 2025 : وقتاش و شكون المترشحين ؟    سيلفي'ثمين'من البيت الأبيض يشعل الإنترنت    تأهل كوراساو وهايتي وبنما إلى كأس العالم    التونسية آمنة قويدر تتوج بجائزة الانجاز مدى الحياة 2025 بالمدينة المنورة    العلم اثبت قيمتها لكن يقع تجاهلها: «تعليم الأطفال وهم يلعبون» .. بيداغوجيا مهملة في مدارسنا    الكوتش وليد زليلة يكتب: ضغط المدرسة.. ضحاياه الاولياء كما التلاميذ    المعهد القومي العربي للفلك يعلن عن غرة جمادى الثانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لابدّ من وجود رؤية استشرافية جادة وإرادة سياسية في التطبيق لتثمين المياه
نشر في الخبير يوم 08 - 01 - 2020

تشير الدراسات إلى أن تونس ستكون سنة 2030 من بين دول جنوب المتوسط التي ستعاني عجزا مائيا هيكليا وأن مستقبل الماء في تونس مرهون بقدر كبير بسلوك المواطن حاضرا ومستقبلا، ووثيق الارتباط بكيفية التصرف في هذه الثروة النادرة التي ما فتئت تزداد ندرة.
ويقدّر المختصّون نصيب كل تونسي من الماء في السنة حاليا بحوالي 450 متر مكعبا، أي أقل من نصف حد الفقر المائي الذي حددته المنظمات الدولية والمقدر ب 1000 متر مكعب للفرد. وتؤكد آخر دراسات المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية عن الماء في أفق سنة 2030، أن هذا المؤشر سيتراجع إلى 370 متر مكعب في السنة، بما يشير إلى أن الماء في تونس اليوم مسألة حياتية، وهو ما يفرض اعتماد سياسات تمكّن من تثمين المياه الشحيحة ومن حسن التصرّف في الندرة خاصة امام تنامي الطلبات على مستوى مختلف الاستعمالات من شرب وفلاحة وصناعة وسياحة وان وضع الحلول قصيرة وطويلة المدى أضحى من أوكد الأولويات.
فماهي أسباب ندرة المياه في تونس وفيما تتجلى السياسات او الحلول التي يمكن اعتمادها لإدارة المياه الشحيحة إدارة مستدامة خلال السنوات المقبلة؟

أسباب ندرة المياه

تعالت منذ عدّة سنوات أصوات الخبراء منبهة لأزمة المياه التي تزامنت مع قطع الماء لمدة طويلة عن عدة مناطق ريفية وأيضًا مع انخفاض نسب المياه في السدود الكبرى بالبلاد.
وتتواصل الأزمة وتتجلى انعكاساتها يومًا بعد يوم وتختلف تقييماتها بين من يعتبرها أزمة عادية ومرحلية عاشتها البلاد في مرات سابقة وهي نتيجة طبيعية للتغيرات المناخية في المنطقة وبين من يعتبرها أزمة عويصة قد تكون مآلاتها كارثية.
وتجدر الإشارة هنا الى ان وضعية قطاع المياه في تونس باعثة للانشغال أكثر تحت وطأة التغيرات المناخية، اذ تشير بيانات وزارة الفلاحة الى تراجع مرتقب لموارد المياه الجوفية والسطحية بنسبة 28 بالمائة بحلول سنة 2030.
واشارت التوقعات المناخية الوطنية التي تم انجازها سنة 2007، الى ارتفاع سنوي للحرارة ب 1،1 درجة بحلول 2030 و2،1 درجة بحلول سنة 2050 مع فرضية ارتفاع الوتيرة مع السنوات الجافة.
ويؤدي ارتفاع الحرارة الي تقلص المياه السطحية بنسبة 5 بالمائة سنويا في افق 2030 بفعل تسارع عملية التبخر مما سيفضى الى مزيد الطلب على المياه المستخدمة في الري، اما التوقعات المتعلقة بالتساقطات فإنها تفترض تراجعا بنسبة 5 الى 10 بالمائة في افق 2020 ومن 10 الى 29 بالمائة في افق 2050 مما سيسهم أكثر في مزيد نقص المياه في التربة.

ويعرف ارتفاع مستوى البحر، في تونس، من جهة أخرى، تسارعا مما سيؤدي الى تسرب المياه المالحة الى المائدة المائية الساحلية مما ستقلص المياه العذبة المتوفرة ويزيد الطلب.

وتجدر الإشارة هنا الى ان أسباب ندرة المياه في تونس يعود الى عدة عوامل، فمن الطبيعي أن تكون تونس تحت خط الفقر المائي، نظرا لموقعها الجغرافي ولطبيعة مناخها وتضاريسها لأن تموضع تونس الجغرافي وتوزع التساقطات فيها يبيّن أن مناخها يتميز بوجود ثلاثة أقاليم بمعيار التساقطات إقليم تلي رطب تتجاوز فيه كميات التساقطات 400 مم سنويا وإقليم سباسبي شبه جاف تتراوح فيه كمية التساقطات بين 200 و400 مم سنويا وإقليم صحراوي جاف لا تتعدى التساقطات فيه 200 مم سنويا وتتميز هذه التساقطات بعدم انتظامها. إضافة الى ندرة البحيرات والمسطحات المائية بالبلاد وتبخّر قرابة 55% من التساقطات الامر الذي يدمّر الموارد المتاحة ويعسر من تجددها.
وبالعودة لآراء الخبراء في المجال نجد أن العاملين في مجال الفلاحة يستغلون المياه استغلالا مفرطا، حيث بلغ معدل استهلاك القطاع الفلاحي للماء 3600 مليون متر مكعب، وهو معدل في ازدياد خاصة بعد التوجه النسبي من قبل الدولة لهذا القطاع والتعويل عليه للنهوض باقتصاد للبلاد من خلال التشجيع على الاستثمار فيه وما نتج عنه من انتشار مكثف وعشوائي للآبار الجوفية واعتماد أساليب بدائية في الري.

هذا الى جانب الاستغلال السيء من قبل المواطن للمياه في الاستعمال المنزلي والذي يعتبر عاملا مسببا لهذه الأزمة، فالاستغلال السيء قوبل ببعض السياسات الخاطئة من قبل الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه التي اقتصرت على رفع سعر المياه وبعض البلاغات التحسيسية الموسمية على غرار البلاغ الأخير المتعلق بطلب ترشيد استهلاك المياه خلال عيد الأضحى.
روضة قفراج: خبيرة في الموارد المائية والتغييرات المناخية
غياب حوكمة الموارد المائية واللجوء إلى الحلول الترقيعية وأنصاف الحلول من أسباب ندرة المياه
وفي هذا الإطار أكّدت الخبيرة في الموارد المائية والتغييرات المناخية روضة قفراج أن من الأسباب أيضا تقادم البنية التحتية للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، وتدهور البنية التحتية للري وتحويل المياه، يتسبب في ضياع كميات هامة منه، تقدر بنحو 30 بالمائة من الكميات المحولة، إضافة الى الإشكال الجدي المتعلق بالتصرف وحوكمة الموارد المائية، واللجوء إلى الحلول الترقيعية وأنصاف الحلول.
وتساءلت الخبيرة هنا الى متى ستواصل الفلاحة السقوية استغلال 80 بالمائة من الموارد المائية رغم ضعف مردوديتها؟ واردفت انه في تونس كل متر مكعب من المياه المستخدمة في الري تحقق فقط ربحا في حدود 0،6 دولار.

وطرح السؤال المتعلق بعدم النجاعة الاقتصادية لاستخدام المياه في الري، كذلك، من قبل دراسة نشرها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية سنة 2019 وبيّنت ان المساحات السقوية تستهلك كميات كبيرة من المياه (زراعة الطماطم والعنب والرمان…).

واشارت الدراسة الى ان الزراعات السقوية تستحوذ على 25 بالمائة من حجم المياه المخصصة للقطاع الفلاحي لكنها لا تمثل سوى 11 بالمائة من قيمة الصادرات الفلاحية.

وأضافت قفراج انه بات من الحتمي اليوم مراجعة مجلة المياه التي يتم الاشتغال على تنقيحها منذ أكثر من 10 سنوات فهذا النص القانوني الذي يعد نسخة معدّلة من المجلة الصادرة سنة 1975 لا يستجيب الى الوقائع الحالية لدرجة انه لا يدرج بشكل كاف التصرف في التغيرات المناخية على غرار الجفاف والفيضانات.
الدكتورعادل الهنتاتي : خبير دولي في المياه و البيئة
90 بالمائة من المخزون المائي السطحي ملوث و غير صالح للشراب
وفي الإطار نفسه، أكد الخبير الدولي في المياه والبيئة عادل الهنتاتي أن البلاد التونسية تحتوي على أكثر من 263 مائدة مائية سطحية إلا أن 220 منها هي شديدة التلوث وغير صالحة للشراب وهو ما يمثل حوالي 90 بالمائة من المخزون المائي السطحي وفق ما أوردته دراسات علمية دقيقة للوكالة الوطنية لحماية المحيط. وأشار إلى أن هذا التلوث راجع بالأساس الى التلوث الصناعي بالمدن والفضلات التي تسكبها اغلب المؤسسات بطريقة قانونية أو غير قانونية بطريقة مباشرة على سطح الأرض دون المرور بمصالح التطهير ومعالجة والنفايات الصناعية وان حوالي 439 ألف متر مكعب من المياه الملوثة يتم سكبها يوميا في تونس مباشرة نحو الموائد المائية.
وأضاف الهنتاتي ان من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية التناقضات المطرية، فثمَّة في السنة نفسها أمطار فيضانية وجفاف، لأن الكم المطري السنوِي الذّي يتساقط على مدى ستة أو سبعة أشهر قد يسقط أحيانًا في مدة وجيزة تتراوح بين يوم ويومين، لذلك أصبحت أغلب الأمطار شرسة (غزيرة) وتخلف أضرارًا ماديّة وبشرية.
وأوضح أنه منذ عام 1990 شهد مستوى البحر الأبيض المتوسط ارتفاعًا بمعدل 2 مليمتر لكل سنة إلى أن وصلنا اليوم إلى ارتفاع أكثر من سنتيمتر، وهذا الارتفاع يؤثر تدريجيًّا في المناطق السقوية (الزراعية) الساحلية إذ تصل مياه البحر إلى المائدة المائية (المياه الجوفية السطحية)، وتصبح مالحة وغير صالحة للزراعة.
الدكتورمحمد العياري: رئيس الجمعية التونسية للإعلام الجغرافي الرقمي
ضرورة إعادة النظر في البنية التحتية لنقل المياه
وفي هذا الجانب، اعتبر رئيس الجمعية التونسية للإعلام الجغرافي الرقمي محمد العياري أن الإشكال ليس في تساقط الأمطار بل في منظومة الحصاد المائي، وبيّن أن السدود لها عمر زمني معين، إذ امتلأت معظمها بالطين وأصبحت قدرتها التخزينية محدودة، بالإضافة إلى أنّ أنابيب نقل المياه امتلأت بالشوائب، وهذا ما يدعو إلى ضرورة إعادة النظر في البنية التحتية لنقل المياه.
وفي هذا الصدد اتفق العديد من الخبراء على أن الدولة ملزمة بوضع استراتيجية لتثمين المياه ومؤكدين وجود الأفكار والدراسات إلا أن التطبيق غير موجود، وأشاروا إلى أنه هناك استنزاف كبير للمائدة المائية من قبل.
اذ ارتأى عادل الهنتاتي أن الدولة يجب أن تضبط استراتيجية لمجابهة الفيضانات، ويجب استثمار مياه الأمطار وتثمينها فإن لم تكن قادرة على تغيير بنيتها التحتية وتوسيع قنوات صرف المياه فإنّ الوضع سيكون سيئا جدا.
حلول عديدة لمكافحة ندرة المياه
وبما ان التصرّف في الموارد وإدارتها وإيجاد الحلول لمكافحة قضية الفقر المائي هو أساس عمل أجهزة الدولة، فقد قامت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري بدراسة حول قطاع المياه في أفق 2030، بيّنت ضرورة التحكم والاقتصاد في الماء واللجوء إلى موارد غير تقليدية (تحلية مياه البحر والمياه الجوفية المالحة وإعادة رسكلة المياه المستعملة والاستفادة منها في بعض المجالات) والانتقال من إدارة العرض إلى إدارة الطلب لمجابهة كل التحديات ولضمان هذا المورد إلى أفق 2050 وتأمينه للأجيال القادمة باعتماد التصرف المندمج والمستديم في الموارد مع التأكيد على الجوانب الكمية والنوعية والأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية والبحث العلمي.
سمير الطيب: وزير الفلاحة
الدولة التونسية خصصت برامج وطنية متميزة واستثمارات هامة لتعبئة الموارد المائية واستحداث المناطق السقوية
وفي هذا الإطار، اكّد سمير الطيب وزير الفلاحة أن الدولة التونسية خصصت برامج وطنية متميزة واستثمارات هامة لتعبئة الموارد المائية واستحداث المناطق السقوية وترشيد الاقتصاد في الماء وبيّن أن هذا التوجه قد تجسم من خلال تخصيص ما يقارب 65% من مجمل الاستثمارات المبرمجة لكل القطاع الفلاحي للفترة 2016-2020، واضاف أن هذه الاستثمارات خصّصت لإنجاز مشاريع تعبئة الموارد المائية على غرار سد ملاق العلوي وخزاني القلعة والسعيدة وتعلية سد بوهرتمة وتدعيم التحويل إلى المناطق ذات الحاجيات المرتفعة.
وفيما يخص الماء الصالح للشرب، أفاد وزير الفلاحة أن البرامج شملت إنجاز محطات تحلية المياه الجوفية المالحة خاصة بالجنوب التونسي وإنجاز محطات تحلية مياه البحر بجربة والزارات وسوسة وصفاقس وقرقنة والمحاور الكبرى ببنزرت وباجة وسجنان والتزود بالماء الصالح للشرب بالوسطين الحضري والريفي، وأنه تمت برمجة تطوير مردودية شبكة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه إلى 80% سنة 2021، واعتماد سياسة سعرية تحفز على الاقتصاد في الماء والتعامل مع ارتفاع تكاليف الاستغلال.
وبالنسبة للمناطق السقوية، قال الطيب انه تم برمجة تجديد المناطق السقوية الكبرى وإعادة تأهيلها لتحسين دخل الفلاح مع ترشيد استهلاك المياه حسب مقاربة تشاركية مع المنتفعين بالمشاريع وباعتبار النواحي التنظيمية لضمان ديمومة المنظومات المائية وتحسين التصرف فيها، وان مخطط إنجاز برامج المحافظة على المياه والتربة يشمل كذلك مشروع الحماية من الفيضانات بوادي مجردة.
وعلى المستوى التشريعي، أفاد السيد سمير الطيب أنه تم إعداد مشروع مجلة مياه جديدة لتعويض مجلة المياه لسنة 1975 نظرا لعدم استجابتها للظروف الحالية، وأن المجلة الجديدة ستكرس تعزيز مشاركة المجتمع المدني وإدراج مفهوم التشارك ومفهوم اللامركزية في التصرف عبر إرساء المجلس الجهوي للمياه للتخطيط في مجال المياه من المستوى المحلي إلى الجهوي ثمّ إلى الوطني مع اعتماد البعد البيئي في إطار التنمية المستدامة على مختلف المستويات.
التركيز على الفلاحة البعلية باعتبارها تشكل أكبر خزان طبيعي قادر على المحافظة على المياه
وفي نفس السياق، اكدت الخبيرة روضة قفراج انه من الضروري اليوم التركيز على التحكم في الطلب على المياه وليس العرض فقط وكذلك التركيز على الفلاحة البعلية باعتبارها تشكل أكبر خزان طبيعي قادر على المحافظة على المياه.
ودعت الخبيرة كذلك الى الترفيع في معلوم استهلاك المياه قائلة انه » يجب رفع هذا المعلوم مع حماية الفئات الضعيفة من خلال ارساء نظام دعم على غرار ذاك المطبق في الهند وهذا من شانه ان يساهم في ترشيد استهلاك المياه وتقليص اهداره ».
وفي الإطار نفسه، اكدت الدراسة التي نشرها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية سنة 2019 على ان تونس « مدعوة اليوم الى توريد حاجياتها الضرورية من المواد الفلاحية كثيرة الاستهلاك للمياه لتعديل النقص المحلي على مستوى الغذاء والمياه مع تصدير المنتوجات الاقل استهلاكا للمياه وذات القيمة المضافة العالية « .
وشدّد معدو الدراسة على ضرورة » مزيد تثمين الفلاحة البعلية التي لها دور مرتفع في الصادرات لكن انعكاسها المباشر على الموارد المائية ضعيف ».

الدول التي تشبهنا من حيث ندرة المياه فرضت على كل فرد يريد إقامة منزل خاص او عمارة تجهيزه بخزان كبير لتجميع مياه الأمطار
وقال الخبير الدولي عادل الهنتاتي ان الدول التي تشبهنا من حيث ندرة المياه فرضت على كل فرد يريد إقامة منزل خاص او عمارة تجهيزه بخزان كبير لتجميع مياه الأمطار وذلك على غرار ما كان موجودا بمنازل التونسيين في القديم وهي « المواجل »، واكد ان أهمية هذه « المواجل » تكمن في توفير مياه عذبة يمكن استعمالها في شتى المجالات بما في ذلك ريّ الحدائق الخاصة وتنظيف السيارات والفضاءات المنزلية فبإتباع مثل هذه السلوكيات يقلّص تكاليف استغلال المياه على المواطن، ويجنّب المدن الفيضانات بمناسبة تهاطل الأمطار حيث أنّ جزءا كبيرا من هذه المياه سيُستغلّ للخزن عوض أن تمتلئ به بالوعات الشوارع.
وأضاف انه يجب على الدولة تعبئة أكثر ما يمكن من المياه السطحية في السدود التلية والبحيرات الجبلية وتعبئة المياه الجوفية من خلال حفر الآبار العميقة واستكشاف الموارد المائية الجوفية غير معروفة.
« المياه الذكية » احد الحلول لإشكالية ندرة المياه في تونس
اعتبر الجامعي والباحث في العلوم الجيولوجية، محمد هيثم مصدق أنّ اعتماد تقنيات « المياه الذكية » تعد من أهم الحلول لإشكالية ندرة المياه في تونس وأوضح مصدق ان تقنيات المياه الذكية تتجلى من خلال التصرف في الموارد المائية باستعمال أجهزة رقمية حديثة متصلة بالأقمار الصناعية لتسجيل الوضع الحيني لهذه الثروة في تونس.
كما تحدث في هذا النسق عن إمكانية تجهيز كل من السدود وقنوات التوزيع والري وعدادات المنازل بهذه الأجهزة وتجميع المعطيات وبالتالي رصد كل الإخلالات والتدخل السريع لحل أي إشكال يتعلق بالضغط أو سرقة مياه الري أو ضياع المياه في القنوات…

استخدام التكنولوجيات الحديثة في قطاع المياه
وفي نفس المجال، يعتقد المسؤول عن قطاع الأرض والمياه بالمكتب الاقليمي لمنظمة الامم المتحدة للأغذية والزراعة لشمال افريقيا عبد الرحمان مكي ان مجابهة التغيرات المناخية التي تغذي الشح المائي في تونس تتطلب استغلال وتوفير مصادر المياه غير الاعتيادية على غرار المياه المعالجة والتجفيف نظرا لأنها تشكل موارد متاحة الى جانب استخدام التكنولوجيات في قطاع المياه.
وهذا التوجه التكنولوجي أوصت به الدراسة التي أعدها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية والتي أشارت الى ان تونس ليس لديها خيار آخر في قطاع المياه الا بالدخول في العصر التكنولوجي لضمان التوازن بين العرض والطلب في قطاع المياه.
واقترحت الدراسة على سبيل المثال، تحلية المياه من خلال استخدام الطاقة الشمسية وجهر السدود وترشيد الخارطة الفلاحية وذلك لضمان توفير امدادات المياه.
وقد تسمح هذه الحلول بتخطي الأزمة أو التخفيف من وطأتها لكن تبقى رهينة إرادة سياسية في التطبيق، ووعي شعبي بقبولها وتفعيلها استشرافًا لمخاطر متعلقة بحياته وبحقوق الأجيال القادمة في الموارد المائية والعيش الكريم.
ولذلك يجب على رجال السياسة والسلطة التشريعية وصانعو القرار إيجاد رؤية استشرافية للمستقبل تأخذ بعين الاعتبار ثلاثة متغيرات وهي عدد السكان ومستوى المعيشة والتغيرات المناخية والتي تؤثر مباشرة على الموارد المائية. كما ينبغي تكريس مبادئ التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد المائية للأجيال المستقبلية. بالإضافة إلى ضرورة التعاون بين دول الجوار في وضع استراتيجيات موحدة للمحافظة على الموارد المائية الجوفية المشتركة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.