"التاريخ يعيد نفسه، إن ليس في شكل ملهاة فإن ذلك يكون في شكل المأساة."... في روح هذه الحكمة الماركسية ، تستعيد اليوم المأساة السورية أو بالأحرى مأساة الشعب السوري. فهاهي الأحداث تؤكد صحة هذه الحكمة التي وردت ذات يوم على لسان الفيلسوف كارل ماركس مأساة الشعب السوري يلخصها مسألتان.فإن كانت الأولى هي هذا الحجم من الدمار والتقتيل اليومي، ففي آخر الإحصائيات الرسمية عن الهلاك، الصادرة عن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 110 مدنيا قتلوا الخميس 8 فيفري 2012 نتيجة العنف في سوريا،معظمهم في حمص وأريافها المجاورة. إذا كانت هذا هو المعدل اليومي لتقتيل في أحد أهم مدن البلاد السورية، فإن السلطات السورية مازالت تتشبث بروايتها القديمة والتي تدّعي عبرها أن "الإضطربات التي تعيشها البلاد وأسفرت عن مقتل أكثر من ستّة آلاف قتيل منذ منتصف مارس هي عمل مجموعات إرهابية مسلحة تسعى لزرع الفوضى في البلاد في إطار مؤامرة يدعمها الخارج" هكذا يقوم النظام السوري الدّموي ليس بالتقتيل والدّمار لشعبه. بل وأيضا التعتيم والحصار الإعلامي عليه.هكذا تصبح قنوات الجزيرة وفرانس 24 وغيرها من الفضائيات المحترمة،إضافة للصحف اللبنانية والعربية المحترمة مثل "القدس العربي" متآمرين على بشار الأسد ورجاله الأشاوس في فنون التقتيل. ما أشبه الأمس باليوم،فمنذ ثلاثين سنة تحديدا ، يوما بعد يوم، كتب الإعلامي المتميز وصاحب عديد الجواز العالمية في ميدان الصحافة الاستقصائية ما يلي عن نفس الوضع الدموي الذي كانت تعيشه سوريا تحت إمرة حافظ الأسد هذه الحمل: "...وكان النظام السوري عندئذ قد نعرض لسلسلة هجمات قام بها الأصوليّون في حماة وحلب. وفي إحدى المناسبات أطلقت النار على المتظاهرين في شوارع حلب، وأرسلت وكالة رويتزر تقارير من بيروت تشير إلى أن هذه المجازر أخذت تتفاقم أخذت تتفاقم. وكان ان أحدثت هذه التقارير ضجيجا. لكن بعضها أسند إلى " شهدت مسافرين من سوريا" لم تكشف عن هويّاتهم، بالإضافة إلى أن هذه التقارير المتتالية غير الصحيحة لابد أن تكون جزءا من مؤامرة على الأسد، إنها المؤامرة مرة أخرى. ويلات وطن "صراعات الشرق الأوسط وحروب لبنان " ص 19 طبعة مجددة بفصول إضافية وإذا كانت أهم المدن الأولى التي شاركت في اندلاع الثورة السورية الحالية والتي هي استكمال لحلقات الربيع العربي، نجد مدينة حماة، فلنقرأ كيف وصفها روبيرت فيسك في مطلع الثمانينات من القرن الفارط : "وحماة مدينة جميلة تقع على نهر العاصي وعلى بعد 120 ميلا من بيروت.وقد حافظت بعناية فائقة على أسوارها الحجرية القديمة ونواعيرها المشهورة ذات الصرير المتواصل. وغالبية سكانها من السّنة. وتقضي الأسر الحموية عطلات نهاية الأسبوع على ضفتي النهر ويبردّون البطيخ في مياه النهر والدواليب الخشبية تدور حول محاورها. وكنت قد زرت حماة في ست مناسبات خلال السنتين الفائتتين، وتناولت الغذاء أحيانا على ضفة النهر وأنا أراقب الأطفال وهم يتعلقون بالنواعير ويصعدون عليها ثم يلقون بأنفسهم في النهر. وفي حماة كما في المدن السورية الأخرى التي يزورها المرء بعد أن يقطع الحدود اللبنانية قد تكون الظواهر خادعة،فقد قضيت ليلة في خريف 1981 في الفندق الوحيد بالمدينة. وكان هذا حقيرا وأرض دهاليزه من الإسمنت. ولم يقطع صمت ساعات الليل سواء إطلاق النار. وعندما زرت بيوت ثلاثة من العاملين في المساعدات الأجنبية، وهم استراليان وهندي ، كانوا يشعرون بخوف شديد، مما أكد إشاعة منتشرة في دمشق وهي أنّ حماة على حافة الثورة على النظام.(صراعات الشرق الأوسط...)ص 224 . في الحلقات القادمة من هذا المقال المطول،نتابع تطورات الأحداث المشكلة لأحد أهم حروب الإبادة التي شنتها الأنظمة العربية الحديثة، وهنا النظام البعثي السوري كنموذج ضدّ شعوبها العربية المسلمة. وهي الحرب التي يشنها حاليا وراثة عن أبيه الدكتور، الديكتاتور بشار الأسد نيابة عن أبيه حافظ الأسد. قراءة وتعليق: منذر شريط