هل ماتت جامعة الدول العربية؟ إن مثل هذا السؤال بدأ يطرح منذ سنوات وبإلحاح وخاصة بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في جويلية ... 2006 وانحازت فيها هذه الجامعة لما يسمى ب "دول الاعتدال العربي" أي تلك التي تحكمها أنظمة مهمتها تنفيذ الاجندا الأمريكية وهي بالأساس مصر والأردن والمملكة العربية السعودية وكان في نية أنظمة هذه الدول القضاء على "حزب الله" بعد اتهامه باستفزاز إسرائيل عند خطف جندييها وجر المنظمة العربية كلها إلى حرب لا طاقة لها بها والعمل على امتلاك السلاح الذي أصبحت معه هيبة الدولة اللبنانية في الميزان إضافة إلى اتهام حزب الله بأنه ذراع ايران الطولى في لبنان وقد كانت أنظمة هذه الدول قد قادت حملة إعلامية ضد حزب الله تزامنا مع العدوان الإسرائيلي على لبنان وكما ساعدت أمريكا والغرب عموما في الحملة ضد تجريد هذا الحرب من سلاحه وساندت القرار 1559 وفي أواخر عام 2008 لم تحرك الجامعة ساكنا إزاء العدوان الإسرائيلي على غزة كما انها التزمت الصمت ازاء الحصار الظالم على غزة بل تواطأ أمينها العام عمرو موسى مع نظام حسني مبارك لاحكام الحصار على غزة التي تحكمها حماس وكان في نيتهما إضعاف هذه الحركة والإطاحة بإسماعيل هنية ومساعدة سلطة محمود عباس على بسط نفوذها على القطاع. واليوم بعد طرح مثل هذا السؤال ربما بأكثر إلحاح وبعد اتخاذ الجامعة العربية وبضغط أمريكي صهيوني قرار تجميد عضوية سوريا فيها من قبل وزراء الخارجية العرب الذين أصبح رئيس الحكومة ووزير الخارجية القطري الشيخ جاسم بن حمد يتزعمهم ويقودهم إلى حيث ترتضيه قوى خارجية تتربص بسوريا بوصفها قلعة المقاومة العربية. ولئن كان السؤال واحدا فإن الأجوبة عنه جاءت متعددة: فهناك شق عربي يقول إن قرار الجامعة الأخير هو عنوان صحوتها وتم وصفه من قبل هذا الشق "بالجريء" لأنه تضمن وحسب قوله "مبادرة لانقاذ سوريا من حمام دم مستمر على يد عصابات الأسد". أما الشق الثاني فأكد أن الجامعة العربية "ميتة سريريا منذ سنوات والقرار المتخذ ضد سوريا من قبلها مؤخرا إنما يأتي في إطار الصراع مع سكرات الموت وكما قال أعضاء هذا الشق أن القرار المتخذ من قبلها تطلب من هذه "المؤسسة الكسيحة" شهورا من الأخذ والرد وجاء في نهاية المطاف بضغط خارجي لا لبس فيه في اطار تصفية حسابات قديمة بين النظام السوري وأمريكا وإسرائيل من جهة على خلفية دعم حزب الله وحماس وبين النظام الليبي وبعض دول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في إطار الشد والجذب على الزعامة في الشرق الأوسط من جهة أخرى. اتباع النظام السوري أجمعوا ومن خلال ظهورهم على الفضائيات العربية ان القرار كان متوقعا في ظل المناخ العام الذي يسود الوضع الدولي وخاصة الوضع الأمريكي والذي جاء ليحجب صورة آخر جندي أمريكا مهزوم وهو يغادر العراق في أواخر ديسمبر 2011 أنصار الأسد تساءلوا وبنبرة لا تخلو من التهكم عن "الخطوات السلحفاتية" الطويلة والمحلية التي اتصفت بها كل أعمال الجامعة العربية فيما يتعلق بمصائر شعوب عربية أخرى وعلى رأسها الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني واليمني والبحريني وغيرها والتي تعاني غما من العدوان الإسرائيلي المتكرر عليها أو من قهر أنظمتها. والملاحظ أن هناك شبه إجماع اليوم من قبل النخب العربية وحتى الرأي العام العربي على ضرورة تفكيك الجامعة العربية هذه المنظمة التي أدمنت الفشل عبر تاريخها كلها والعمل على إعادة هيكلتها من جديد وبصورة مختلفة جذريا عما كانت عليه هيكلة تعمل على تخليصها من دائها العضال وخاصة على مستوى مبدإ الإجماع العقيم الذي شل حركتها وأفقدها فاعليتها ازاء المواقف الحاسمة والمتعطفات الفصلية في تاريخ الشعوب العربية وأتاح لبعض الدول الأعضاء من التي لها مساهمات كبيرة في تمويل الجامعة من التحكم من قراراتها التي ظلمت شعوبا عربية كثيرة وارتهنت مصائرها لدى الأمريكي والإسرائيلي. أيضا ملت الشعوب العربية قرارات الجامعة اللفظية التي لطالما اقتصرت على الشجب والإدانة الكلامية الببغاوية المكررة واستحقت بذلك في نظر كل العرب السخرية والازدراء. ولعل مساعي مجلس التعاون الخليجي التي لاحت بوادرها قبل أشهر لتوسيع دائرة هذا المجلس ليضم المملكة المغربية والأردن كانت بمثابة تعبير عملي عن الحاجة الماسة إلى تكوين بديل ايجابي للجامعة العربية المريضة والعليلة. ولا يفوتنا في هذا السياق ملاحظة جوهرية غالبا ما تغيب عن المشهد العربي في حمى النقاشات الملتهبة وهي أن اي منظمة إقليمية او دولية ليست سوى مرآة عاكسة لواقع أعضائها ومن بينها جامعة الدول العربية التي هي صورة واقعية عن بنية النظام السياسي لدولها الأعضاء وهذه البنية شهدت تحولات تاريخية منذ مطلع عام 2011. وفي صورة اكتمال مشهد الربيع العربي كما تأمل الشعوب العربية فإن الجامعة سوف تتغير حتما نحو الافضل. ولئن اتخذ بعض الحكام العرب اليوم من جامعة الدول العربية عطاء لتمرير قرارات الأمريكان والإسرائيليين على سوريا في محاولة يائسة وبائسة لإعادة البريق لعمل الجامعة فإن هؤلاء الحكام كما أكد امين عام الجامعة نبيل العربي أنهم بقرارهم تجميد عضوية سوريا في الجامعة عقابا لنظامها على "تقتيل شعبه" ورفضه والإصلاحات التعامي عما يقوم بها النظام في البلدين والنظام في اليمن ضد شعبيتها وشلالات الدم التي تجري كل يوم في هذين البلدين إنما أطلقوا الرصاص على العمل العربي المشترك وكرسوا الجامعة لتصفية الحسابات والكيل بالمكيالين.