عاجل/ لا امتحانات خلال الثلاثي الثاني..!    عاجل/ تحويل ظرفي لحركة المرور بهذه الطريق بداية من اليوم..    هذه أقوى عملة سنة 2025    تشوكويزي لاعب نيجيريا: كأس افريقيا يجب أن تحظى بنفس درجة احترام كأس العالم    عاجل: عاصفة مطرية وثلوج تتجه نحو برشا دُول عربية    كيفاش نقول للآخر ''هذا الّي قلّقني منّك'' من غير ما نتعاركوا    تحذير خطير للتوانسة : ''القفالة'' بلا ورقة المراقبة يتسببلك في شلل و نسيان    الاتحاد الإنقليزي يتهم روميرو بسوء التصرف بعد طرده أمام ليفربول    سهرة رأس العام 2026.. تفاصيل حفل إليسا وتامر حسني في هذه الدولة    اليك برنامج مقابلات كأس امم افريقيا غدوة الجمعة والتوقيت    عاجل/ كأس أمم أفريقيا: الاعلان عن اجراء جديد يهم جميع المباريات..    أستاذة تبات قدّام الجامع والفايسبوك مقلوب: شنوّة الحكاية؟    عاجل/ تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة..    قرار لم يكن صدفة: لماذا اختار لوكا زيدان اللعب للجزائر؟    كأس إفريقيا 2025: شوف شكون تصدر في كل مجموعة بعد الجولة الأولى    فخر الدين قلبي مدربا جديدا لجندوبة الرياضية    نيجيريا: قتلى وجرحى في هجوم على مسجد    عاجل/ منخفض جوّي يصل تونس غدًا.. وأمطار تشمل هذه الولايات..    عاجل: تقلبات جوية مرتقبة بداية من هذا التاريخ    ينشط بين رواد والسيجومي: محاصرة بارون ترويج المخدرات    نانسي عجرم ووائل كفوري ونجوى كرم يحضروا سهرية رأس السنة    قبل ما تشري عقار: 3 حاجات لازم تعرفهم    مصر.. دار الإفتاء تحسم الجدل حول حكم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد    عاجل : اليوم نشر القائمة الاسمية لرخص'' التاكسي '' بأريانة بعد شهور انتظار    النوبة القلبية في الصباح: علامات تحذيرية لازم ما تتجاهلهاش    عاجل: توافد حالات على قسم الإنعاش بسبب ال GRIPPE    بعد حادثة ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تعلن الحرب على مستهدفي نجوم مصر    رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    ويتكوف يكشف موعد المرحلة الثانية من اتفاق غزة    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    تطوير خدمات الطفولة المبكرة محور لقاء وزيرة الأسرة ورئيسة غرفة رياض الأطفال    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    قيرواني .. نعم    فاطمة المسدي تنفي توجيه مراسلة لرئيس الجمهورية في شكل وشاية بزميلها أحمد السعيداني    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    كأس افريقيا للأمم 2025 : المنتخب الجزائري يفوز على نظيره السوداني    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    الإطاحة بشبكة لترويج الأقراص المخدّرة في القصرين..#خبر_عاجل    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    من الاستِشْراق إلى الاستِعْراب: الحالة الإيطالية    عاجل : وفاة الفنان والمخرج الفلسطيني محمد بكري    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    في الدورة الأولى لأيام قرقنة للصناعات التقليدية : الجزيرة تستحضر البحر وتحول الحرف الأصيلة إلى مشاريع تنموية    عدّيت ''كوموند'' و وصلتك فيها غشّة؟: البائع ينجّم يوصل للسجن    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    عاجل/ العثور على الصندوق الأسود للطائرة اللّيبيّة المنكوبة..    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسسية الوطنية تحت عنوان توانسة في الدم    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات العربية في عيون الفلاسفة
نشر في المصدر يوم 13 - 09 - 2011

عمر الشارني” فيلسوف تونسي يدرس في إحدى كبريات الجامعات الفرنسية، وقد عرف بأعماله الرائدة حول فلسفة عصر الأنوار وتاريخ العلوم في العصور الحديثة، وعلى يده تتلمذت في سنوات التحصيل الأولى في الجامعة واستفدت منه أساس تكويني الفلسفي الجامعي.
أصدر الشارني مؤخراً بالفرنسية كتاباً مثيراً بعنوان “الثورة التونسية:الإمساك بزمام التاريخ”، يشكل قراءة فلسفية عميقة للثورة التونسية وشهادة فكرية سياسية على هذه الأحداث المحورية التي غيرت وجه عالمنا العربي .
يبدأ “الشارني” كتابه بحفر فلسفي متعمق في مفهوم الثورة ودلالته في السياق التونسي والعربي. وعلى عكس ما سار إليه الباحثون في الدراسات الاجتماعية والسياسية بالتفسير البعدي للثورات العربية بكونها آثاراً متوقعة أزمات سياسية ومجتمعية خانقة، يرى “الشارني” أن الثورة لا تكون أبداً منتظرة أو متوقعة، ولا تخضع لمبدأ السببية التاريخية، وإنما هي تحول جذري خارج التاريخ والعقل التعليلي والتخطيط الاستراتيجي .
إنها على عكس التصورات الميكانيكية الغائية – الموروثة عن البراديغمات العلمية الطبيعية والمهيمنة على فلسفات الأنوار انتهاء بالماركسية –
ليست نموذجاً منطقياً أو عقلياً للتطبيق والتجريب، بل هي أقرب للعمل الفني في إبداعيته وخروجه على مألوف التعبير والتواضع وفي جموحه وتوحشه. ومن ثم صعوبة تفسير الثورة لأنها حدث فردي متفرد لا يدرك بمنطق الكليات والثوابت. الثورة أقرب من هذا المنظور لمفهوم المعجزة الذي حاولت الفلسفة منذ سبينوزا إخراجه من دلالته الدينية إلى المجال السياسي والمنظور الاجتماعي، مع الميل دوماً لاستيعابه في حركة النمذجة العقلية البرهانية. وما لا يذكره “الشارني” هنا هو ما قد نبه إليه الفيلسوفان الألمانيان “ليو شتراوس” و”كارل شميت” من أن الفكر السياسي الحديث بنى مفاهيمه المحورية على أساس تمويه المعجزة وإخفائها وتغطيتها بالمصطلحات النظرية العقلانية. وفي مقدمة هذه المصطلحات فكرة “السيادة” التي تقنع المرور الخارق من حالة الطبيعة إلى حالة الاجتماع المنظم بالقانون والسلطة .
والواقع أن الفلاسفة أخذوا في الغالب موقفاً مزدوجاً من الثورة: رفضوها من منطلق كونها تشكل تحدياً معرفياً وفكرياً للقوالب النظرية، وتحمسوا لها من حيث كونها أفقاً للاستشراف والتأمل في ما وراء الوقائع التي تكرسها الثقافات السائدة وتعبر عنها .
حدثت الثورة الأولى في العصور الحديثة (الثورة الفرنسية) دون أن يتوقعها “فولتير” و”روسو” اللذان هتف ثوار “الباستيل” باسميهما .انتقد “فولتير” الاستبداد الديني والسياسي، لكنه لم يرد أو يتوقع القطيعة الحاسمة مع الحالة السياسية القائمة. أما “روسو”، فظل في حيرة من مسألة التغيير الاجتماعي: أراد حكم الشعب ورفض مبدأ التمثيل، وأدرك استحالة نهج الديمقراطية المباشرة .
لم تنجح أي من الثورات المبرمجة التي تمحورت حول المشروع الفلسفي الأيديولوجي الماركسي، على الرغم من أن الأنظمة المنتمية للمعسكر الشيوعي المندثر استخدمت شعار “الثورة الاشتراكية” للتعبير عن ديكتاتورية الحزب الواحد، كما هو الشأن في الثورات القومية التي عرفها العالم العربي .
وماذا كان الفكر العقلاني عاجز عن فهم الثورة في سيرورتها وتفردها (ولذا اعتبر هيجل أن الفلسفة تأتي دوماً في الهزيع الأخير من الليل بعد اكتمال الحدث)، فإنه يجد مصاعب جمة في بلورة مسالك الخروج من الثورة، الذي هو في الواقع مفارقة عصية بما هو خروج إرادي من حالة الحرية المطلقة المجردة إلى حالة الانتظام المؤسسي الذي يقتضي إضفاء الشرعية على علاقات السلطة والتراتب والتفاوت .
لقد ظل إشكال السلطة المؤسسة مشغلاً ملحاً للفلاسفة في مقابل اكتفاء الفكر القانوني والسياسي بالسلطة المكونة (بفتح وتشديد الواو)، التي تعني المؤسسات والنظم المسيرة للشأن الجماعي المشترك. في هذا السياق تشير إلى تقليدين بارزين : التقليد التعاقدي الذي يمنح العلاقة الترابطية الحرة فاعلية تكوينية مع ما يقتضيه هذا التصور من استناد لأسطورة الفعل التعاقدي الأصلي (المرور من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية)، والتقليد الصراعي الذي ينظر للحالة السياسية الاجتماعية بصفتها معترك صدام دائم وتناقض لا ينفك يؤدي إلى تسويات مرحلية تضفي الشرعية على هيمنة الطرف المتغلب، مع ما يفضي إليه هذا التصور من عدمية ضمنية (إما بتحويل أطر الشرعية إلى أيديولوجيا زائفة أو النظر إلى السلطة في بعدها القهري وحده ).
ولقد قرأنا مؤخراً لبعض فلاسفة اليسار الراديكالي من نوع الفرنسي “الان باديو” والسلوفاكي “سلافوج زيزك” احتفاء بالثورات العربية الأخيرة، بالنظر إليها كحالات قطيعة جذرية مع منطق الدولة الحديثة في “ديمقراطيتها الحسابية المزيفة” واقتصادها الاستهلاكي. هذه التصورات فضلاً عن زيفها، تكرس وهم الثورة الدائمة، دون الوعي بأن حدث الثورة لا يكون إلا خارقاً واستثنائياً، وكل محاولة لتثبيته تقود إلى تقويض الإمكانات العملية للمناظرة السياسية كفعل تواصلي حر .
لقد وقع الفيلسوف الفرنسي “ميشال فوكو” في هذا الوهم عند اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، التي رأى فيها تمرداً على العقل السياسي الحديث، في الوقت الذي راهن “سارتر” من قبل على الستالينية، باحثاً كلاهما عن أفق جديد للفعل التاريخي بعد أن خبت كل وعود التحول الجذري في المجتمعات الرأسمالية الليبرالية الغربية .
برز الوهم ذاته خلال انتفاضات الطلاب عام 1968 التي أطلق عليها فلاسفة الحي اللاتيني الباريسي تسمية “الثورة”، فتحمسوا لشعاراتها الطوباوية الساعية لهدم السلطة وتحرير الرغبة وصنع المستحيل، فلم تكن أكثر من انتفاضة استعراضية سرعان ما انمحت أثارها .
نشهد اليوم حالة مماثلة في البرتغال وإسبانيا واليونان، حيث الشباب المتذمر من انعكاسات الأزمة المالية الحادة التي عصفت بالبلدان الأوروبية يرفع شعارات القصبة التونسية وميدان التحرير المصري، على اختلاف الظروف والخلفيات .
لم تقم “معجزة” الثورة إلا في تونس ومصر، أما الانتفاضات الشعبية التي عرفتها البلدان الأخرى فهي من قبيل الفعل السياسي المنظم، حتى لو كان في بعض جوانبه تلقائيا ومن دون قيادة جامعة. فالحدث هو كما يقول دريدا “المستحيل الذي لا يمكن انتظاره ”.
عن موقع "حكمة"
http://www.hekmah.org


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.