المراسل : مصراته رويترز بعد ثمانية أشهر من الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام الحكم السابق في ليبيا باتت طموحات احلال دولة ديمقراطية يسودها النظام محل حكم معمر القذافي القمعي مهددة بميليشيات تعمل خارج سيطرة مؤسسات الدولة الضعيفة. وبينما تكافح الحكومة الهشة لفرض سلطتها لا يزال النظام القضائي مصابا بالشلل وترد تقارير عن عمليات اعتقال اعتباطية وحوادث خطف وتعذيب. كان الامين الساحلي في منزله عندما وصل أربعة رجال مسلحون في شاحنة صغيرة وطلبوا منه مرافقتهم الى مقر قيادتهم بدون إبداء أسباب. ووصل الساحلي موظف الحكومة البالغ من العمر 38 عاما والذي يقيم في مصراتة الى مقر المجموعة بعد نحو نصف ساعة. وقال إن الرجال اسنولوا على هاتفه ومتعلقاته ثم اقتادوه من باب خلفي الى مكتب تعرض فيه لضرب مبرح. وأضاف من فراشه بأحد المستشفيات حيث يرقد للعلاج "كلبشوا (قيدوا) ايدي وراي وغمضوا عيوني وغدوا ضرب في في الكعوات والطبوات وباللوح وفي كل حاجة عندهم. يضربوني على رجلي وعلى ظهري.. كل مكان حساس في جسمي يضربوني عليه." وذكر الساحلي الذي تغطي الكدمات أجزاء من جسمه أنه وضع بعد ذلك في زنزانة مع محتجزين آخرين بعضهم مصاب بكسر في الساق. وذكر الساحلي ان اعتقاله يرجع الى نزاع قديم على قطعة ارض وأنه لم يطلق سراحه الا بعد ان تدخلت ميليشيات اخري طالبت بالافراج عنه. ويحدث في كثير من الأحيان في ليبيا منذ الثورة أن يتبادل أطراف الخصومات والمنازعات اتهامات بأنهم موالون للقذافي بهدف تشويه سمعتهم. وتقول منظمات معنية بحقوق الانسان إنها وثقت سلسلة من جرائم الحرب ارتكبتها ميليشيات منها تعذيب محتجزين وإجبار سكان قرى بأكملها في بعض الحالات على الخروج من ديارهم. وقال عبد الباسط أحمد أبو مزيرق نائب رئيس المجلس الوطني للحريات وحقوق الإنسان في ليبيا "وصلتنا بعض الشكاوى من بعض المواطنين عن وجود حالات تعذيب أثناء احتجاز بعض المعتقلين. هناك بعض الصور. هناك بعض الشكاوى أحيلت الى مكتب النائب العام ونحن نتابعها مع النائب العام. نعرف ان سلطة الدولة لا زالت ضعيفة." وكانت الميليشيات في طليعة قوى الثورة التي أنهت حكم القذافي. وقلص العديد منها انشطته وعاد أفرادها الى بلداتهم أو انضموا الى أجهزة الامن الوطنية لكن ميليشيات أخرى نواصل حمل السلاح حتى الان. ويتيح غياب شرطة وطنية فعالة وقوات جيش لكثير من الميليشيات قوة أكثر من حكام ليبيا الرسميين في كثير من الأحيان. وكان عبد الناصر محمد رحومة نائما في سريره عندما اقتحم أفراد إحدى الميليشيات منزله في طرابلس. وأيقظ الصياح الرجل الذي يعمل بأحد المصارف الليبية فاندفع يهبط درجات سلم المنزل ليجد زهاء 40 رجلا يصوبون اسلحتهم إليه. وبعد لحظات بدأ المسلحون يضربون رحومة غير عابئين بتوسلات زوجته وأفراد أسرته. ثم اصطحبه المسلحون هو وعمه بعيدا. ونقل رحومة بعد أن تعرض للركل والضرب بكعوب البنادق الى مركز اعتقال مؤقت في ظلمة الليل. وقال رحومة "ما خلوا ما داروا في.. ضربوني بجميع الطرق ضربوني بأيديهم.. برجليهم.. بالموس.. بالسلاح.. بجميع الطرق." ويبلغ عبد الناصر رحومة من العمر 42 عاما وهو أب لصبيين وذكر أنه لم يطلق سراحه إلا بعد أن طلب ذووه المساعدة من قوات الأمن الحكومية التي عرفت المكان الذي تمارس فيه الميليشيا نشاطها وتمكنت من الإفراج عنه بعد بضع ساعات. وفي تذكرة مؤلمة بحالة غياب سلطة القانون التي تسود ليبيا بعد الاطاحة بمعمر القذافي لم يبلغ المسلحون رحومة بسبب اختطافه. وذكر الرجل انه خطف لأن قريبا له اراد الانتقام منه فطلب مساعدة مجموعة مسلحة. وقال "هذا قانون غابة.. ماهوش.. ما صارش قبل. نعقول الثورة تحدث ونحن فرحانين بالثورة.. 17 فبراير (شباط).. انه تطلعنا كلها عصابات." وذكر مصطفى ابو شاقور نائب رئيس الوزراء الليبي لروينرز ان الحكومة تزمع تكثيف الامن وزيادة نقاط التفتيش في الشوارع للحيلولة دون دخول اسلحة ثقيلة الى المدن. وقال "هذه الثورة جاءت حقيقة لإنهاء عهد انتهاك حقوق الانسان. ولكن للأسف طبعا تحدث هذه الاحداث. يعني هذه جرائم تحدث بين الحين والآخر. والحكومة طبعا الآن وضعت كل الجهد لان تمنع مثل هذه الحوادث. تمنع نهائيا طبعا صعب ان يقوم ذلك لكن على الاقل التقليل منها." وتقول منظمات حقوقية انها تشعر بالقلق من تزايد حالات الخطف وعلى مصير الآلاف الذين احتجزتهم السلطات والميليشيات خلال الانتفاضة وبعدها مباشرة. وتقول منظمة هيومان رايتس ووتش إن تقديرات مسؤولين في الحكومة والامم المتحدة تشير إلى أن سبعة الاف شخص على الاقل ما زالوا رهن الاعتقال نحو نصفهم تحتجزه ميليشيات في منشآت مختلفة رسمية ومراكز اعتقال سرية والباقون في منشآت تديرها الحكومة. واتهم مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة ومنظمات للإغاثة كتائب تابعة للميليشيات بتعذيب المعتقلين ومعظمهم من مواطني جنوب الصحراء الذين يشتبه انهم قاتلوا مع قوات القذافي العام الماضي. وتسبب الاتهامات باساءة المعاملة واختفاء اشخاص موالين للقذافي حرجا للمجلس الوطني الانتقالي الحاكم في ليبيا الذي تعهد ببداية جديدة بعد القذافي. ويسبب الأمر حرجا أيضا للقوى الغربية التي دعمت الانتفاضة وساعدت زعماء ليبيا الجدد. وتستعد ليبيا لإجراء أول انتخابات بعد الثورة يوم السابع من يوليو تموز لاختيار المجلس الوطتي الذي سيضطلع بكتابة دستور للبلاد.