: اخر الأخبار الواردة علينا من الجمهورية التونسية تتحدث عن سلسلة شبه يومية من المحاكمات ذات الطابع السياسي استنادا الى قانون غير دستوري صدر سنة 2003 بدعوى محاربة الارهاب الذي لم تعرف الجمهورية التونسية له واقعا وخبرا مسندا الا نهاية سنة 2006 ومطلع سنة 2007 , وهو مايعني أن هذا القانون جاء ليستبق حدوث الارهاب فاذا به يوقع البلد في ويلات الارهاب حين فوجئ التونسيون بأحداث الضاحية الجنوبية أو ماعرف بقضية سليمان ! قانون لايختلف في تقديرنا المتواضع عن اعلان غير رسمي لحالة الطوارئ أو الأحكام العرفية ولكن باخراج وديكور يتساوق مع ارضاء بعض الجهات الدولية التي طالبت بلاد العرب والاسلام بالاصلاح السياسي والدمقرطة واحترام الحريات وكرامة الانسان , فقابلتها بعض الجهات الرسمية المرتجفة من محاسن الديمقراطية بهدية أو قل نوع من الرشوة طمعا في اسكات المطلب الديمقراطي داخليا وخارجيا عبر قانون جائر نسف أهم المبادئ الدستورية الضامنة للحريات العامة والأساسية ! وبالتزامن مع هذا الحدث الجلل أو المصيبة الجلل التي وقعت على رؤوس شباب تونس وجيلها الصاعد حين أصبحوا عرضة للاعتقال بناء على الشبهة والوشاية ومخالفة الروح العامة للدستور والقوانين الأساسية والمواثيق الدولية الضامنة للحريات وحقوق الانسان , وقع بعدها تجميد نشاط الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بدعوى قضائية غريبة هدفت الى تحويل منظمة عتيدة ومستقلة ورائدة عربيا وافريقيا ودوليا الى هيكل من هياكل الصمت على محاكمات جائرة أراد البعض من النافذين جعلها مدخلا للشرعية الخارجية كبديل عن الشرعية النابعة من الرضى والتفويض الشعبي ! بعد أن تم التخلص من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وتجميد هياكلها ومكافأة من حرك الدعوى القضائية ضدها بمناصب عليا في هياكل الدولة , مهد الطريق الى المحاكمات الماراطونية شبه اليومية في حق حوالي 1400 شاب تونسي ليس لهم من ذنب سوى التأثر بمنتجات العولمة الفضائية والسماوات المفتوحة ومن ثمة التأثر ببعض الرؤى السلفية التي لايمكن محاربتها بمنطق الاختطاف والتعذيب والمحاكمات وانما بمراجعة التجربة السياسية والثقافية والتعليمية وتحصين الناشئة بثقافة الابداع والحوار والاضافة وتعزيز الثقة في الرصيد الحضاري والابداعي للنخب التونسية على مدار تجارب الاصلاح والتطوير في التجربة الزيتونية والمعهد الصادقي والمؤسسة التعليمية الحديثة وصولا الى تجارب التنوير والتطوير في منطقتنا العربية والاسلامية وحتى المتوسطية ... نهضت في حالة الفراغ الحقوقي الذي تركته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان جمعيات حقوقية جديدة نشطت في تعرية المظلمة التي مازالت تمارس على أعضاء وأنصار حزب النهضة المحظور والطيف السياسي بمختلف ألوانه , فكانت جهود المجلس الوطني للحريات ومنظمة حرية وانصاف والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين , وهو مالم يرق لنفس هذه الجهات التي تجلد شعبنا وطموحاته من وراء حجاب , فكانت محاولات الاجهاض لمناشط المجلس عبر تشويه رموزه باستعمال صحافة الفضائح وصحف الأقلام المستعارة ومن بعد ذلك جاء الدور على الأستاذ المحامي محمد النوري رئيس حرية وانصاف فكانت المحاولات غير منقطعة لابرازه بمظهر الترويج للأخبار الزائفة ولعبت في ذلك جهات متسربلة باسم الحقيقة والدفاع عنها دورا في التشويش على جهود المنظمة الوطنية والصادقة في تعرية المظالم المتكررة ضد شباب تونس الصاعد من اليسار واليمين أو نشطاء الأحزاب والنقابات الطلابية أو حتى الالاف من المحجبات المتعلمات اللواتي يراد اسقاط أحلامهن في التعليم العالي والتمدرس بدوافع ثقافة الحقد لا التحديث ! سيناريو يتعزز بمحاكمة الزميل الصحفي سليم بوخذير واسكات صوته في البرية ووضعه في ظروف اعتقال بائسة لاتليق بدولة تقول بأنها رفعت الحظر عن نشر كل الكتب في الوقت الذي تغلق فيه وتسد كل مواقع المعارضة التونسية أو الصحف المستقلة أو حتى بعض الصحف الغربية أو مواقع منظمات حقوق الانسان العالمية - ماأجمله من تحديث وماأودعها وأروعها من ديمقراطية ! مواطنون يعدون بالالاف محرومون من زيارة الوطن ولقاء الأهل والترحم على أرواح الوالدين , والسبب أن جواز السفر التونسي أصبح مكافأة سياسية لأنصار الصمت والسكوت على ظلم تشهد به فصول مسرحية السجون التونسية التي كلما أوشكت على الفراغ من السياسيين وجب تعزيز زوارها باخرين من مئات مبتدئي المشوار السياسي !!! من يناضل من أجل الاعتدال والتوسط في الفكر والممارسة السياسية ينبغي معاقبته هو الاخر حتى وان دافع عن الوطن والمواطن والحكومة والرئيس وأنصف المعارضة في مطالبها المعقولة والمشروعة ودعى الى تأسيس مرحلة من الاصلاحات تعيد أجواء الأمل الى النخب النابضة والى شعب أصبح يهرب بشبابه باتجاه مشاريع اليأس والقنوط ! ممارسات تصدر عن جهات مسؤولة داخل الدولة لاتليق بمنطق الدولة حين يمنع الزميل والصديق المناضل صلاح الدين الجورشي من تنظيم ندوة فكرية في كنف الحرية بحضور راهب فرنسي ! ممارسات غير مفهومة وغريبة وشاذة حين يصبح الأستاذ أحمد نجيب الشابي محل تشكيك في وطنيته لمجرد أنه أبدى رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية , برغم أن التقديرات الأولية والمعطيات الميدانية في ظل وجود حزب حاكم ضخم يمتزج بأعصاب الدولة تؤكد على الفوز المريح للرئيس بن علي حتى ولو تم تعديل القانون الانتخابي ... ملفات لو فتحناها وأحصيناها في ظل تراجع وتقهقر النماء السياسي بالساحة التونسية , ربما أصبنا بالاحباط واليأس ! , ولكن يبدو أن ثمن دولة التحديث القسري والظلم اليومي لن يكون أقل من تعميم حالة التطرف والفوضى - وهو مالانتمناه مطلقا لوطننا - أو فرض مشوار ديمقراطي جديد يكون منقذا للحاكم والمحكوم في ظل تدافع حتمي بين قوى الغش والمحافظة وقوى الاصلاح والتجديد في بلد له من الرصيد الوطني والحضاري مايجعل أهله أعصياء على الخوف والترهيب . كتبه مرسل الكسيبي بتاريخ 29 فبراير 2008 للتفاعل مع الكاتب : [email protected]