العقبة.. الإطاحة بعنصر إجرامي وحجز الات إلكترونية محل سرقة    النادي البنزرتي يفك الشراكة مع الاولمبي الباجي.. ترتيب مجموعة تفادي النزول من البطولة الوطنية    البنزرتي يعزّز صدارته والتعادل يحكم دربي الساحل    أريانة: إيقاف 4 مجرمين خطيرين    اخصائيون في علم النفس يحذرون من "مدربي التنمية البشرية"    وفاة 14 شخصا جرّاء فيضانات في أندونيسيا    تالة القصرين : الإحتفاظ بمروجي مخدرات وحجز قطع مختلفة الأحجام من مخدر القنب الهندي.    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    غدا الأحد.. الدخول إلى كل المتاحف والمعالم الأثرية مجانا    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    تمّ التحوّز عليه منذ حوالي 8 سنوات: إخلاء مقر المركب الشبابي بالمرسى    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    المدرسة الابتدائية 2 مارس 34 بالسرس: يوم تحسيسي تثقيفي حول داء الكلب    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    أهالي العامرة وجبنيانة يحتجّون مطالبين بترحيل المهاجرين    إنتخابات الجامعة التونسية لكرة القدم: لجنة الاستئناف تسقط قائمتي التلمساني وبن تقية    نابل: انتشار سوس النخيل.. عضو المجلس المحلي للتنمية يحذر    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي    عاجل/ تلميذة تعتدي على أستاذها بشفرة حلاقة    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    عدد من المهاجرين الأفارقة يفرون من حافلة كانت تقلّهم باتجاه الكاف وجندوبة    استثمارات بقرابة 2 مليار دينار طيلة الربع الأول من العام الحالي    بطولة الكرة الطائرة: الترجي الرياضي يواجه اليوم النجم الساحلي    جندوبة: احداث لجنة جهوية لمتابعة سير موسم الحصاد وتجميع الحبوب    «لارتيستو» الممثل صابر الوسلاتي ل«الشروق» «رقوج» رسالة في مواصفات الممثل الحقيقي !    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    القصرين: حجز بضاعة محلّ سرقة من داخل مؤسسة صناعية    الثنائية البرلمانية.. بين تنازع السلطات وغياب قانون    عاجل/ القبض على شاب شوّه وجه عضو مجلس محلي بهذه الحهة    القبض على امرأة محكومة بالسجن 295 عاما!!    هام/ التعليم الأساسي: موعد صرف مستحقات آخر دفعة من حاملي الإجازة    التوقعات الجوية لليوم    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    تونس تعول على مواردها الذاتية.. تراجع الاقتراض الخارجي بنحو الثلث    وفاة أحد أهم شعراء السعودية    أوجيه ألياسيم يضرب موعدا مع روبليف بنهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    دولة أوروبية تتهم روسيا بشن هجمات إلكترونية خطيرة    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    "التعويل على اطار فني تونسي على راس منتخب الاكابر هو الحل الامثل" (المدير الفني للجامعة التونسية لكرة اليد)    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه    بطولة القسم الوطني "أ" للكرة الطائرة(السوبر بلاي اوف - الجولة3) : اعادة مباراة الترجي الرياضي والنجم الساحلي غدا السبت    الرابطة 1- تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    إفتتاح مشروع سينما تدور    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    فيلا وزير هتلر لمن يريد تملكها مجانا    إنه زمن الإثارة والبُوزْ ليتحولّ النكرة إلى نجم …عدنان الشواشي    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستقلال وماحقّق للشعب التونسي من اعتزاز بالهوية العربية الاسلامية و كيفية الاحتفال به ؟

-وضع النقاط على الحروف للمحافظة على حقوق المواطنة للجميع في ظلّ الهوية العربية الاسلامية والحريات الشخصية .
-الحق في الاختلاف واجب واحترام المصالح العليا للبلاد والعباد. ضرورة.
-أيجوز للمسلم المغلوب ان يهاجرمن وطنه؟
-لا تقدم بدون ضمان حرية التفكير والتعبير.. ولا تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية دون حد ادني من الحريات والتنمية السياسية..
(سورة يوسف 108)
باريس في 25 مارس 2008
*احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
الحركة الاسلامية ومنشئها : لقد سبق ان أعلنت الدولة التونسية انتصار التيار العلماني في معركته مع التيار الاسلامي وقد مثل اليسار والتيار العلماني عموما تحالف طبيعي و موضوعي للدولة البورقيبية في الخمسينات.
و هكذا يمكن القول ان دخول اليسار في صراع وتناقض مع النخب الحاكمة للدولة، تناقضا وصراعا تحت سقف واحد ومشترك ويمكن تصوير هذا الصراع بدخول الابن مع ابيه في صراع. اذ ان الدولة كانت تجدد نخبها الحاكمة بنخب اليسار وتطعم بها اجهزتها بشكل شبه دوري بحيث كانت بعض عناصر هذا اليسار تخرج من السجن كي تلتحق في مرحلة لاحقة باجهزة الدولة.
ومع بروز الحركة الاسلامية في الستينات خروجا عن معادلات انتاج النخبة التي صنعتها الدولة الحديثة. ان بروز هذه الآلية الجديدة على اساس انهزام التيارالزيتوني الاسلامي فكان بعودة التيار الاسلامي احياء لمعركة يظن بعضهم انها قد حسمت.
ومن هنا فان بروز هذا المولود الجديد اعتبر كتهديد مباشرا لمشروع الدولة الحديث وخروج عن قواعد الاجماع السياسي الذي وقع بناؤه وتاسيسه على نقيض الاجماع السياسي التقليدي والذي كان قائما ضمن المنظومة الثقافية الاسلامية التقليدية.
وبما ان اليسار كان الامتداد الطبيعي للنخب الحاكمة في الدولة فان هذه الاخيرة لجات في اول فرصة لتجديد نخبتها الحاكمة الى نخب اليسار من اجل ان تنهل من معينهم الى الثمالة وفي المقابل اعتبر اليسار ان الدولة الجديدة تمثل فرصة مثالية لهم خاصة مع اهتمزاز مشروعم الايديولجي بسقوط الاتحاد السوفياتي.
راى اليسار في الدولة الأداة الاخيرة التي من خلالها يمكنه تحقيق حلمه الايديولوجي والتخلص في ذات الوقت من خصم عقائدي عنيد يزداد عنفوانا وقوة يوما بعد يوم. كما مثل انضمام نخب من اليسار الى الدولة فرصة مشتركة للطرفين من أجل الاجتماع على تحقيق مصلحة سياسية مشتركة تتمثل في التصدي لخصم سياسي وعقائدي
وفي هذا الاطار لم يتخلف عن هذا الركب او المسار الا قليل من نخب اليسار ورموزه. وقد صمت اغلب الذين تخلوفوا غن الجرائم التي بادرت الدولة الى ارتكابها في حق المجتمع والحركة الاسلامية، الى ان حمى وطيس معركة الدولة ضد المجتمع ومسهم من شضاها ما آلمهم.
ومن أجل الانصاف فلا يمكن حصر النقد في ما يخص السلوك السياسي لليسار، اذ ان الجميع سارع الى الدولة وبحث عن منافذ لولوج ابوابها او طرقها وبذلك تمكنت الدولة من الاستفراد بالجميع كل منعزلا عن الآخر، ولم تشذ الحركة الاسلامية عن هذا السياق.
على ان الفارق الاساسي بين هذه الاطراف هو ان بعضها لجأ الى الدولة من أجل تجنب اذاها ودخول مساحة الاعتراف القانوني بينما لجأ الآخر الى الدولة كحصن وأداة وحيدة للتغيير وتنفيذ برامجه العقائدية باستعمال ادوات الدولة القهرية والعنفية.
وفي ظل هذا التحالف الجديد بين المؤسسة الأمنية الماسكة بمقاليد الدولة ونخب من اليسار وقع وضع برنامج ما يسمى بتجفيف ينابيع التدين هذا البرنامج الذي اشتغل لفترة لا تقل عن الخمس سنوات قبل ان يصطدم بعوامل فشله ويسارع الى انتاج تناقضاته.
الا ان الاستبداد سرعان ما تحول الى وسيلة ومقصد في ذاته ولذاته وانتج فئة جديدة من المنتفعين من ثماره ثم التفاته الى حلفائه من اجل تحويلهم الى ادوات قمعية وبذلك فشل الحلم العلماني الاستئصالي في بناء ديمقراطية بدون اسلام و بغياب الاسلاميين.
وانتهى التحالف بين الدولة ونخب اليسار الى احساس هذه النخب بازمتها مع بداية النصف الثاني من التسعينات فانقسمت بين الداعين الى الدفاع عن حقوق الاسلاميين الانسانية وبين الداعين الى تبني القضية سياسيا. ويبدو ان الساحة السياسية الرسمية والغير رسمية تعاملت مع النتائج السياسية لهذا الوضع الجديد. وهذا دليل اخر على فشل المنهج الاستئصالي الذي انتهجته السلطة وحلفاؤها ومن وافقهم في منهجهم.
وفي هذا الاطارلا احد قادر على انكار ان هذه الحركة من خلال اصرارها على خيار المعارضة السلمية هذا الخيار جنب البلاد عنفا قد يتسع. اذ المعلوم ان الذي يريد ممارسة العنف لا يحتاج الى اكثر من تلك الارادة خاصة في مساحة انتشر فيها السلاح والغضب.
وقد نجحت النهضة عموما في الحفاظ على خطها السياسي المعارض، فان الدولة ونخب الاستصاليين قد ساهموا في انتاج عكس ما ارادوا. وان رد فعل المجتع التونسي منذ النصف الثاني من التسعينات الى انتاج موجة جديدة من التدين ما فتات تتسع تناسبا مع اتساع المد الاسلامي الذي عم العالم العربي والاسلامي عموما.
فشل خطة المواجهة : لقد فشلت خطة السلطة في دفع اتباع هذه الحركة الى انتهاج العنف او الى التخلي عن معارضتهم السياسية وفشل في فل عزيمة المساجين او ارهابهم من اجل ان يتخلوا او يعبروا عن تخليهم عن قضيتهم او موقفهم المعارض لقمع السلطة واستبدادها بالسلطة وهم في سبيل ذلك قدموا ثمنا باهضا كان في بعض الحالات حياتهم وفي الكثير منها صحتهم.
لقد انتهى مشروع السلطة الى محاولة تابيد الاستبداد خوفا من اي تحول يكون لا محالة على حسابها وذلك ان الدولة في نمطها الحالي يصعب عليها تجديد نفسها. وللحقيقة انه لولا بعض الأصوات الوطنية التي تداركت سقوط اليسار والعلمانيين عموما في مأزق الاستبداد وذلك بوقوف بعضها عند مبادئها النضالية وتدارك البعض الآخر موقفه فتحول الى المساحة النضالية المتناقضة مع الاستبداد.
ان التنظيمات والتيارات الفكرية والسياسية لا تعيش وتنمو بنمو مواقعها في السلطة بل هي تتسع قواعدها في المجتمع بقدر خدمتها لمصالح الناس وتعبيرها عن طموحاتهم وعادة ما تكون السلطة او الحكم، خاصة في تشكله الحديث، سببا لهرم هذه التنظيمات والتيارات الفكرية وذلك عائد الى انفصال الدولة الحديثة عن مصالح شعوب المنطقة وطموحاتهم. ان فشل المشروع الاستئصالي واتساع المد الاسلامي وموجة التدين في البلاد عاد الى الساحة بحثا عن حل للأزمة السياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
علاقة الحركة الاسلامية بالسلطة : مثلت الحركة الاسلامية المشروع النقيض للمشورع العلماني بوجهيه الليبيرالي والاشتراكي على السواء، الا انها مثلت في نفس الوقت محاولة لاحياء السياق التاريخي الذي تواصل وحكم لفترة تجاوزت الاحدى عشر قرنا من الزمن.
وقد مثل بروز الدولة الحديثة، التي سمحت المنظومة الدولية الحديثة بتاسيسها محكومة بالنخب العلمانية المنتصرة، انتصارا للتيار العلماني على حساب التيار الاسلامي. الا ان هذا الانتصار لم يمثل قطيعة كاملة مع الارث الاسلامي للدولة من حيث النصوص التاسيسية وخاصة الدستور وكذلك المنظومة التشريعية التي قامت عليها الدولة.
الا ان القطيعة التي حاولت الدولة تكريسها وفرضها على المجتمع تمثلت في الجانب السياسي وذلك ان نخبة الحزب الحاكم البورقيبي التي سعت الى تكريس انتصارها من خلال تهميش ومنع كل من له نفس اسلامي او عروبي من خلال علاقته بالمشروع الزيتوني الذي حضن التجربة الاصلاحية الاسلامية في تونس و التيار اليوسفي الذي عبر في مرحلته الاخيرة عن الشعور القومي العربي المتحالف مع الخط الزيتوني من الحركة الوطنية.
وفي مقابل ذلك عملت دولة بورقيبة على مد الاواصر مع النخب العلمانية الناتجة من المؤسسات التعليمية الفرنسية من اجل تجديد الدولة الحديثة وتركيز قواعدها واسسها. وقد اشتغلت هذه المعادلة لفترة لم تتجاوز عقدا من الز من اذ سرعان ما انتج المجتمع التونسي جيلا من الشباب رفع راية الاسلام من جديد وبدأ العمل والنضال من اجل تحقيقه.
ليس المجال الى التوسع في تاريخ الحركة الاسلامية في تونس ولكن يسعنا القول بأن مشروع الاصلاح الاسلامي ومنذ المنتصف الاول من القرن التاسع عشر ثم القرن العشرين عادة ما كان ينشط ويتسع كلما اتسعت رقعة الحرية النسبية في البلاد.
اذ صحيح القول بان العلمانية هي انتاج ضروري لعملية التحديث ويبرز هذا خاصة في الرقعة الاوربية من العالم او لنقل في الرقعة المسيحية المرتبطة بالارث الامبراطوري الروماني. الا ان هذه المعادلة لم تشتغل بنفس الطريقة في العالم الاسلامي بل ساهمت الحداثة في تجديد الفكرالاسلامي ذاته مع ما تنتجه من مساحات علمانية تشتغل وتنتعش في المنطقة الاسلامية بفعل التاثير الاوربي خاصة.
و يكفي القول في هذا السياق ان التجارب التي مرت بها المنطقة ساهمت في تنشيط عملية الاسلمة وان انتجت علمنة ضيقة الانتشار تناسبا مع حركية وانتشار التيار الاسلامي، ومن نتائج هذه الآلية ان باءت محاولات تهميش واستئصال التيار الاسلامي الى الفشل والى ضرب بنية الدولة الحديثة خاصة في علاقتها بالمجتمع اذ لم يعد التحديث ممكنا بالغاء وتهميش التيار الاسلامي الا ان يكون متمثلا في علمانية استبدادية منغلقة.
وفي ما يتعلّق باحالة التونسية فقد بينت التجربة الاصلاحية منذ نهاية القرن الثامن عشرالى مرحلة تاسيس الدولة في الخمسينات ان الاسلام بصفته مشروعا حضاريا بابعاده المختلفة لا تعرقله او تعطله عمليات التحديث بقدر ما تعينه وتوفر له ادوات للفعل والتاسيس.
كما تبين التجربة انه ليس من الممكن تهميش المشروع الاسلامي الا من خلال تعطيل الدولة في مستوى علاقتها بالمجتمع ومن عملية النمو. ومن المهم القول بانه تبين بعد عشرين سنة من المواجهة للتيار الاسلامي ان المشروع الذي تاسس من اجل الوقوف في وجه نمو التيار الاسلامي، لم ينجح وان هذا المشروع وعاد ليعبر عن نفسه بطرق واساليب جديدة اكثر نجاعة للوضع الاستبدادي الذي تعرفه البلاد.
وان المشروع الاستئصالي ساهم عمليا في بناء شرعية نضالية عميقة وواسعة لرموز وقواعد الحركة الاسلامية الامر الذي سيشتغل لصالح هذه الحركة لعقود لاحقة. بحيث اصبح الحجم الرمزي والموضوعي، اليوم واكثر من ذي قبل، من الكبر بحيث يصعب مزاحمته.
ولا شك ان هذا سيطرح ويطرح مجموعة من التحديات على الحركة ذاتها من اجل حسن التعامل مع راس المال هذا كي لا ينقلب مفعوله الى عكس نتائجه المفترضة، اذ من البين ان الحركة الاسلامية لم تعد حزبا سياسيا تقليديا بقدر ما هي تنظيما وتيارا اجتماعيا واسعا ومنتشرا بالبلاد.
وراس المال هذا وان مثل تحديا للحركة الاسلامية الا انه يعني انه سيكون من الصعب على اي حاكم لتونس ان يسير مصالحه بصفته حاكما دون ايجاد صيغة مناسبة للتعامل مع هذه الحركة. ولا شك ان هذه الصيغة كي تكون عملية وناجحة
وكي تضمن الاستقرار لهذا الحاكم فانه يجب ان تتجنب منطق الاستئصال و التهميش والا فان الوضع سيتجه لا محالة اما الى الانفجار او الى التحلل الكلي بحيث يستحيل وضع الدولة بما هي مؤسسة مديرة لمجموع المصالح المتوفر في رقعة جغرافية وبشرية.
كيف حوّل الاستئصاليون تونس ؟
تعد تونس مضرب المثل في الاستئصال وتجفيف المنابع، في مواجهة ما أسمته ''تطرف ديني''، وعبأت لذلك النخبة العلمانية، بشيوعيها وحداثييها من أجل محو آثار الإسلاميين، باستعمال كل الوسائل اللاإنسانية، بدءا باعتقال آلاف الناشطين من الحركة الإسلامية وقيادييها، والزّج بهم في السجون لسنوات طويلة بدون محاكمات، وتفكيك بنيتها التنظيمية، ثم نهج سياسة تجفيف المنابع ثقافيا، من خلال تغيير مناهج وبرامج التعليم الديني، بعد إفراغ المؤسسة الدينية من دورها والتحكم فيها، والتضييق على كل رموز الثقافة الإسلامية، ومحاصرة جميع مظاهر التدين في المجتمع.
وهكذا أصبح الخيار الاستئصالي، بدعم ومساندة من النخبة العلمانية، نموذجا للشمولية السياسية التي تضيق بالرأي المخالف وبكل المخالفين سياسيا. ومع تطور الأحداث، انتبه اليسار الوطني التونسي وجزء من النخبة إلى حدة وشمول الخيارالأمني الرسمي، فبدأت في التحول نحو النضال الحقوقي، ليجد هذا اليسار الذي صفق في البداية لشعار ''مجتمع مدني بدون أصولية''، أي بدون الحركة الإسلامية، مستهدفا هو ذاته، وضحية للدولة البوليسية
مستقبل الدولة في البلاد: انطلق من هنا لان الدولة جاءت استجابة لمجموعة من المصالح اساسا تجديد الدولة الحديثة وريثة مرحلة الاحتلال. كما بينت ان الدولة قامت بتجديد النخبة الحاكمة بالتضحية بالقيادات التاريخية للحزب الحاكم وبتعويضها بنخب من اليسار التي اتفقت مصالحها مع حاجة الدولة الى سد الباب امام الصعود المتواتر للحركة الاسلامية والذي راي فيه تهديدا للدولة في تونس، وفي ذلك الاطار انطلقت الدولة بتركيبتها الجديدة في خطة امنية وثقافية شعارها تجفيف ينابيع التدين.
وان هذه الخطة قد فشلت وادت في النهاية الى انتاج عكس مقصدها.اذ لم تتمكن الدولة، وان جددت من نخبها الحاكمة ومن تاجيل دخول الحركة الاسلامية الى المعترك السياسي الرسمي، ولم تتكن الدولة من وقف صعود التيار الاسلامي او من التقليل من مشورعيته.
بل هي ساهمت في اضعاف التيار العلماني الذي احتمى بها واوصلت الدولة الى مرحلة الهرم في اقل من عقدين من الزمن بحيث اصبحت الدولة تفكر في بدائلها عوض التفكير في دعائمها. كما بين هذا ان ضرب الحركة الاسلامية ادى الى ضرب اسس الدولة ذاتها وقمع المجتمع.
علاقة الدولة بالحركة :ان اشكالية الحواربين الحركة الاسلامية والسلطة في يد النظام اذ هي التي تمسك بشروط حلّها وهو اطلاق سراح ماتبقّى من المساجين السياسيين وأوّلهم آخر رئيس للحركة المنتخب في داخل القطر و عودة المهجّرين.
هذا وقّد أعلن الرئيس التونسي في الذكرى 52 للاستقلال، جملة من القرارات لتعزيز المسار الديمقراطي والتعددية السياسية وحقوق الإنسان وتوسيع مشاركة المرأة والشباب في الحياة السياسية و.منها عقد المؤتمر الخامس للتجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم) تحت شعار "التحدي" وأن الأحزاب هي قبل كل شيء مدرسة للوطنية والمواطنة والتربية على الحوار والمشاركة وأن الحزب القوي يظل في حاجة إلى معارضة قوية لان في التعددية إثراء للحياة السياسية.
وقّد أعلن ان التعديل الدستوري يرمي الى تفادي الشرط القاضي بجمع المرشح عدد معين من تواقيع المسؤولين المنتخبين من نواب ورؤساء مجالس البلدية وذلك لتوسيع امكانية تعدد الترشحات لرئاسة الجمهورية.
ويفتح مشروع التعديل الدستوري الباب امام زعماء ثمانية احزاب معارضة ممثلة في البرمان بدون ان تتوفر في المرشح المعلن الوحيد حتى الان احمد نجيب الشابي عن الحزب الديمقراطي التقدمي.
وكان ذلك المحامي مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي اعلن في 12 فيفري 2008 ترشحه الى الانتخابات الرئاسية مطالبا بتعديل القانون الانتخابي لالغاء شرط توقيعات النواب.
لكن احمد نجيب الشابي كان تخلى عن رئاسة حزبه في ديسمبر 2006 الى السيدة مايا الجريبي وبالتالي لا يسمح له وضعه الحالي وهو عضو في المكتب السياسي فقط وقال احد قادة الحزب رشيد خشانة لوكالة فرانس برس ان "التعديل صيغ خصيصا لاقصاء مرشحنا". وكان احمد نجيب الشابي ترشح عام 2004 من دون ان يتمكن من اضفاء الشرعية على ترشيحه بسبب عدم حصوله على توقيعات النواب الضرورية.
وأكد على أن التعددية الحزبية هي من مقومات المنظومة السياسية التونسية وهي شرط للتنافسية الحقيقية داعيا الأحزاب السياسية إلى التعويل في المقام الأول على قدراتها وعلى التصاقها بمشاغل المواطنين.
وأعلن على انطلاق حوار شامل مع الشباب تحت شعار "تونس أولا" و على ضرورة أن يكون هذا الحوار بدون مواضيع محرمة أو رقابة على الرأي والتعبير وذلك لصياغة ميثاق وطني للشباب حول الثوابت والخيارات الكبرى يبرز هوية تونس الحضارية والوطنية ويولي مبادئ التفتح والاعتدال والتسامح والحداثة المكانة الجديرة بها.
تونس اصبحت هدف محقق لتنظيم القاعدة
أحداث ضاحية سليمان وإختطاف سائحين نمساويين التي تراوحت السلطة فيها بين التعمية والتوظيف. يمكن للمدافعين عن السلطة أن ينعوا الحظ العاثر للبلاد بسبب جيرتها للجزائر أحد أكبر أحضان تنظيم القاعدة بجبالها الكثيفة.
ولكن المؤكد أن المسؤول عن إختراق تنظيم القاعدة لتونس وما يعنيه من إرهاب أعمى بإسم الإسلام والإسلام منه براء ليست هي الجغرافيا ولا حتى التاريخ في تونس. وإنما الخيار الإستئصالي للسلطة هو المسؤول عن إنتاج إرهاب تنظيم القاعدة وتأجيج سعيره الذي يأكل الأخضر واليابس.
فالسلطة في تونس هي التي منحت تأشيرة العمل لتنظيم القاعدة أوبعض أطرافها وهي تعي تداعيات ذلك وعيا تاما وبعضها الآخر غلب عليه الحمق وسوء التقدير. يمكن أن نقول بأن تونس أصابها سرطان إرهاب القاعدة ولكن الحل دوما في المتناول وبأقل التكاليف لو تحولت السلطة عن خيارها الإستبدادي .
المعنى من ذلك هو أن أولئك الشباب الذين غرر بهم في غفلة منهم وفي مناخات أمنية مسدودة الأفق على إمتداد عقدين كاملين هم ممن إعتقلوا في أحداث ضاحية سليمان إثر أول تجربة دموية في تونس كما يجب أن نتقاسم المسؤولية جميعا السلطة المستبدة ضد الهوية و ضد إرادة التحرر في البلاد.
والمعارضة التي باركت أو صمتت عن قمع الإسلاميين بوحشية لا نظير لها في عصنا الحاضر. والإسلاميون الذين لم يسلم ميزانهم من إخسار هنا وطغيان هناك.أن الديمقراطية الحقيقية هي البلسم الشافي ضد إرهاب القاعدة الأعمى
أما الحلول الأمنية فلو كانت كفيلة بتجفيف المنابع لجففت منابع الإسلام بعد ما بنت السلطة التونسية مشروعها بالكامل على مقتضى ذلك ورصدت له أجهزة الدولة وما تيسر لها من أرصدة المجتمع ولو كانت الحلول الأمنية كفيلة بتحقيق الأمن نفسيا وغذائيا لفعلت ذلك عندما سلطت آلة القمع البوليسية ضد حركة النهضة تطاردها حتى في كأس من الحليب معد لرضاعة طفل صغير تخفيه أرملة الشهيد أوالسجين أو حتى في المنفي.
المعنى من ذلك هو أن إعدام الشاب المحكوم عليه بالإعدام في قضية ضاحية سليمان لن يكون سوى قطرة بيضاء ناصعة لإكتمال الغضب وتراكم شحنات وترسب النقمةالتي تفضي إلى أن يتخذ تنظيم القاعدة في بلادنا له مقرا رئيسا له أميره وجنوده وشعاره وأهدافه وضحاياه ولو تنازلت السلطة عن كبريائها و أتاحت التأشيرة بغض الطرف عن المعارضة الوطنية الديمقراطية بإسلامييها وعلمانييها لكانت تونس بخير حقا
الخلاصة: ان تونس بعد عشرين سنة من ضرب الحركة الاسلامية و هي مقدمة لمرحلة سياسية جديدة تحتاجها الدولة من اجل تجديد نفسها بصيغة او باخرى ولا يعني تجديد الدولة حتمية تغيير قيادتها السياسية ولكنه يعني ان الدولة تحتاج الى شعارات جديدة وايديولوجية جديدة للحكم.
الا ان الوضع ان تواصل على ما هو عليه فانه سيصل الى مرحلة تعجز فيها الدولة عن تجديد نفسها حتى ان رغبت وسعت الى ذلك وذلك لان الانحلال الذي سيصيبها سيزيد في عمق تناقضاتها ويخل من قواها بحيث تعجز عن التجديد المنشود. وان صعوبة التجديد في هذه المرحلة من خلال تطعيم اجهزتها بالنخب العلمانية و الجانب الاستئصالي منهابالخصوص وذلك لانه قد وقع استهلاكها بادوات القمع والاستبداد، وستحتاج الدولة الى الاستعاضة عنها بنخب اقل ما يقال فيها انها مختلفة عن سابقتها ان لم نقل انها نخب تستند الى الاسلام في اي من وجوهه كمرجعية.
و بالتالي سيكون من الصعب على اي نخبة حاكمة تجاهل او تهميش الحركة الاسلامية هذه الحركة التي اكتسبت راس مال رمزي وموضوعي واسع يضعها في مقام اوسع من الاحزاب التقليدية ولكن ضمن دائرة المجتمع. بسبب الافلاس الذي اصاب المشروع العلماني التونسي نتيجة التصاقه وتحالفه مع الاستبداد فان وضعه لن يكون يسيرا خاصة اذ ما وقع في تناقض جذري مع الحركة الاسلامية ومع الاسلام عموما لذلك فان العلمانية التونسية ستحتاج الى ارضية اسلامية ما ترتكز عليها كي تضمن حيويتها وحياتها في المجتمع كما ستحتاج على المستوى السياسي الى علاقة اقل ما يقال فيها انها تصالحية مع حركة النهضة كي لا تهمش نفسها عن المشهد السياسي والاجتماعي.
ان الاسلام السياسي قد عرف خلال منذ النصف الثاني من القرن الماضي وبداية هذا القرن تحولات جذرية في المجتمع حوّله من مرحلة الدفاع عن النفس وعن الهوية الاسلامية للمجتمع الى مرحلة الوقوف على اعتاب الدولة.
وقد تمكن هذا الاسلام من اخذ مواقع في هذه الدولة او من الجلوس على كرسيها او من الوقوف عند بابها ولكنه موجود هناك عند تلك النقطة. ووليس من المغامرة القول انه يبدو ان المرحلة التاريخية القادمة هي مرحلة تحول الاسلام الى الدولة. "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِين َتَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِك َلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "( آل عمران 104.105)
وهنا نتوقف و للحديث بقية
باريس في 25 مارس 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.