بدأت الحكومة التونسية اليوم الاثنين 19 أيار (مايو) في العمل بنظام البطاقة الالكترونية لتزويد المخابز بالدقيق والتحكم بذلك في توجيه الدقيق المدعوم إلى المخابز التي تصنع الخبز دون غيره. جاء ذلك كإجراء عملي لترشيد توجيه الدعم المالي الذي تصرفه الدولة على المواد الغذائية والتي يمكن أن يصل نهاية العام الحالي إلى حوالى مليار دولار في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم. ورأت مصادر حكومية أن هذه الخطوة هي إجراء عملي لمراقبة توزيع الفارينة المدعومة حتى لا تذهب إلا إلى المخابز التي توفر الخبز، لا التي تعدّ الحلويات والمرطبات، وقد تم إحصاء 2239 مخبزة تعمل في هذا المجال وأكثر من ألف مخبزة لا تنطبق عليها مواصفات التمتع بالدقيق المدعوم من طرف الدولة التي توفر دعمًا ماليّاً بأكثر من ثمانين بالمائة من سعر الرغيف المطروح في الأسواق حفاظا منها على الطاقة الشرائية للسكان. وتخصص الحكومة التونسية منذ عقود اعتمادات ماليّة خاصة لدعم الموارد الغذائية ضمن آلية يطلق عليها صندوق التعويض الذي ارتفعت المبالغ المرصودة له من 320 مليون دينار تونسي عام 2006 إلى 542 مليون دينار عام 2007. ويتوقع المحللون أن يتضاعف المبلغ مع نهاية العام الجاري 2008 ليقترب من الرقم المفزع وهو مليار دينار ( 900 مليون دولار أميركي تقريبًا) أي ما يمثل واحد فاصل 5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام مع ما يعنيه ذلك من ضغط على توازنات الميزانية. وبفضل هذا الدعم المتزايد مع تضاعف أسعار المواد الغذائية في السوق العالمية، أمكن للحكومة التونسية أن تتحكم في نسبة زيادة الأسعار بشكل معقول حيث يبلغ معدل الرغيف في تونس ربع دينار تونسي وهو مبلغ زهيد بالنسبة لدخل المواطن العادي. وحافظت الحكومة على هذا الدعم السخي رغم ضغوط الاقتصاديين والمطالبين بحقيقة الأسعار ورفع الدعم ولو تدريجيا على هذه المادة الأساسية في حياة التونسيين وذلك انسجاما مع سياسة اجتماعية تعتمد تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على أشكال الفقر الذي يعتبر في تونس من أدنى المستويات في المنطقة والعالم حيث لا يزيد عن اثنين في المائة، وفي إطار التحكم في التضخم الذي لا يتجاوز نسبة ثلاثة في المائة حسب إحصائيات عام 2007. ويقول محلل اقتصادي حكومي، أنه بالرغم من تزامن ارتفاع أسعار المواد الغذائية مع تضاعف أسعار المحروقات في العالم والتي تورد تونس منها أغلب حاجياتها، فإن الحكومة تحاول الحفاظ على توجهها الاجتماعي ومواجهة الضغوطات المالية والاقتصادية الواردة بقدر من الحكمة والاجتهاد وذلك بهدف حماية الطاقة الشرائية للمواطنين وحفاظا على المكاسب التي تتمتع بها الطبقة الوسطى التي تمثل نسبة ثمانين بالمائة من سكان البلاد. ويحرص زين العابدين بن علي على دعم المكاسب التي تتمتع بها هذه الطبقة وتعزيز أسباب الرفاه وديمومته لديها حيث جدد في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة عيد الشغل العالمي الأخير يوم أول أيار (مايو( 2008 حرصه على الحفاظ على مكاسب العمال والطبقة الشغيلة رغم ضغوط الظرف الاقتصادي العالمي داعيا بالمناسبة الحكومة إلى استنباط آليات وحلول تسمح بتحقيق الانتعاش الاقتصادي وتقلل من تداعيات ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية على مستوى عيش ورخاء المواطنين. يضيف نفس المحلل أن تونس عوض أن تعمد إلى الحلول السهلة المسقطة من هنا أو هناك وتقوم بالترفيع في أسعار الخبز أو تقليص حجم صندوق التعويض فقد اعتمدت منهجا واقعيا يقوم على مواصلة الدعم وتوجيهه نحو الفئات الاجتماعية التي هي في حاجة إليه حتى لا يذهب إلى غير مستحقيه من خلال تحديد المستفيدين من القمح المدعوم بحيث تستفيد منه بالدرجة الأولى مخابز الرغيف وليس محلات صنع الحلويات و المرطبات التي تباع بأسعار مرتفعة باعتبارها مواد كمالية وتنتفع بمرابيحها الخيالية المؤسسات السياحية والفندقية. وبالتوازي مع ذلك، شنت الجهات المعنية حملة لتحسيس المواطنين بترشيد الاستهلاك من خلال الابتعاد عن التبذير وإلقاء بقايا الخبز في المهملات ودعوة السكان إلى التفكير في عدم شراء ما يفوق حاجة العائلة وهو أمر يتطلب سلوكا حضاريا راقيا ووعيا وطنيا بما يجابه الوطن من تحديات مالية واقتصادية فرضها المحيط العالمي المتقلب. كما أقرت الحكومة الأسبوع الماضي سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تشجيع الإنتاج الفلاحي من أجل بلوغ الاكتفاء الذاتي من القمح الذي تستورد تونس منه أكثر من 70 بالمائة من حاجياتها.