لقد استوقفتني رسائل ''التوبة'' التي ما انفك يطلقها الأستاذ محمد شمام و أنا ممن عايشوا المحنة لحركة النهضة في سنوات الجمر ما بين 1990 إلى هذا التاريخ ، إلا أنني لم أكن مقتنعا بالإطار الذي وردت فيه ''توبة'' محمد شمام و لا بالخطأ الذي يتوب منه و لا بالتنزيل ألزماني و المكاني الذي يفترض أن يكون الذنب جاء في سياقهما. إن حركة النهضة كانت حركة مؤسسات و بالرغم أنها لم تكن على شاكلة الأحزاب المدنية ''القانونية'' يصدع فيها بالرأي على أعمدة الصحف و تدار فيها الآراء مناقشة و حسما في اتجاه القرار النهائي ديمقراطيا و علنيا إلا أنها على خوف من المستبد و أجهزة العسس و الوشاة و الجلادين كانت تجتهد في إدارة الحوار و حسم القرار. و لأن الوضع الآن لا يسمح بتقييم المرحلة إلا بما يدفع نحو استشراف المستقبل و تجاوز السلبيات و الاستنهاض بالهمم لترتقي نحو الانعتاق و التحرر، فانه كان على الأستاذ محمد شمام أن لا يشعر بثقل المسؤولية كاملة لمفرده أو بنسب كبيرة لأن الكل شاركوا بأقدار لا بأس بها و اجمعوا على قرارات المرحلة دون استثناء و عليه فقد تساوت المسؤولية . و سواء أكانت القرارات في مقدماتها التي بنيت عليها صحيحة أم تنقصها الدقة و يجانبها الصواب فهي قرارات ''شورية'' مجمع عليها، ومهما كانت النتائج في كارثيتها و سلبياتها و تبعاتها الطويلة المدى، فهي في موروث المحن حصاد مرحلة لا يحق لأي احد أن يتحمله بمفرده أو لأي جهة من داخل الحركة أو مراقبة من خارجها آن تورط فيه شخص بعينه رغم أن هذا لا يمنع من تتفاوت أقدار المسؤولية للأفراد و المؤسسات حسب قربها أو بعدها من موقع القرار. و بناءا على ما تقدم فالتوبة بمفهومها التربوي ألطهري الخالص هي بين العبد و ربه، أما اجتهاداتنا في الحق و في الدفاع عنه و في مساهمتنا في إصلاح المجتمع بما ينفع الناس فهو يأخذ الصفة الاعتبارية و من ضمنها المؤسسة و الحزب و الدولة و كلها سياسات و اختيارات و اجتهادات و تقديرات قد تخطأ و قد تصيب محكومة بأبعاد غيبية، فالنتائج التي قد يحالفها النجاح بنسب كبيرة نقول عنها أنها تقديرات حكيمة و صائبة و التي يحالفها الفشل ا ننعتها بالقصور و الضعف، و في كلا الحالتين تكون ''التوبة'' إن صح المصطلح إما بالشكر و مزيد من شحذ الهمم و الحرص على عدم الوقوع في الخطأ و إلا بالتداول و التغيير في الوسائل و تعديل الاستراتيجيات. و نلاحظ هنا انه لا معنى في التقييمات العامة لتوبة الأفراد باعتبار ما اتخذ من قرارات و ما اعتمد من وسائل هو ذو طابع مؤسساتي. و عليه فما أصاب حركة النهضة في أيام المحنة و سنوات الجمر و من منطلق مرجعيتها التي تدين اليها و تستلهم منها مفهوم النصر والقرح محكوم بضوابط ثلاث : 1 ‘' الذين استجابوا لله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا واتقوا منهم أجر عظيم''. 2 '' و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار''. 3 '' قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ''. فأما الضابط الأول و الثاني فهما طرفي المعادلة في حياة المؤمنين أفرادا و جماعات فهم بين محن النصر و الهزيمة اجتهادا لا يخلوا من أجر كما ورد في الحديث الصحيح '' من اجتهد و أصاب فله أجران و من اجتهد و لم يصب فله اجر واحد '' حيث تبقى الهمم عالية مهما عظم الكرب و عظمت معها الخسائر البشرية و المادية و النفسية و عليه كان الأجر عظيما مقابل الاستعلاء على الجروح و الاستجابة لإعادة الكرة بعد التصحيح و الاعتراف بالأخطاء و تجنب الركون إلى الظالم و الاعتراف له بظلمه كتبييض المنجزات الوهمية و الاعتراف له بالشرعية و هو فاقدها و السكوت عن تماديه في ظلمه دونما المطالبة بالحق المسلوب و لا بإلانصاف العادل الذي يشفي الصدور. بل الأخطر من كل ذلك ان ينبري تجار الخلاص الفردي ينادون و يحثون المصابين بالقرح على التسليم إلى جلاديهم و كتم أفواههم و إنهاء معركة الحرية بفك اشتباك موهوم، الهجوم فيه ذو اتجاه واحد، جلاد يطحن ضحاياه على كل الأصعدة و من كل جانب و الضحايا يكتمون الآهات ويموتون في اليوم مرات و مرات. موت بطيئ و تجويع و تيئيس من الانفراج و حرمان من السفر و إهمال صحي و حقوق مدنية مهدورة و نفي و تشريد و غربة عن الأحبة و مسقط الرأس على خوف من الجلاد ان يفتنهم. هي في المجمل مواطنة من الدرجة الرابعة ( على حد تعبير الأستاذ الدمني) و كأنهم لم يعيشوا في البلد الذي ولدوا فيه وحفظوا نشيده الوطني في زهرة طفولتهم و ريعان شبابهم و قدموا له أغلى ما يملكون '' و الفتنة اشد من القتل'‘...... و لا يستحي المتاجرون بالخلاص الفردي من خزي أفعالهم و توليهم يوم كان وجوبا عليهم أن يتحملوا المسؤولية. أستاذ محمد من أولى بالتوبة و البكاء على شناعة ما اقترف الذين ذبحوا و عذبوا و سجنوا و لم يرقبوا في أبناء وطنهم و إخوتهم في الدين و العروبة ا إلا و لا رحما و لا ذمة ؟؟؟ و من أولى بالتوبة ... الذين تولوا عن تحمل المسؤولية بعد القرارات التي وافقوا عليها و اقروها و يا ليتهم صمتوا و نأوا إلى ركنهم نادمين، بل تمادوا ينادون الضحايا لكي تركع و تقدم القرابين... و أشباههم من الطابور الخامس يضعون الفتنة في صفوف المعارضة الوطنية الصادقة و يسعون إلى شق وحدتها واضعين خلالها يبغونها الفتنة (الآية) رافعين ألوية التبييض و التسويق لمشاريع وهمية نيابة عن المستبد. أستاذ محمد هون عليك فالخطب عظيم قد أصاب الجميع ، فالتوبة الصحيحة و التي كان عليك أن تدعو إليها هي توبة الاستجابة إلى النضال السلمي و فضح الاستبداد و تصحيح المسار للالتقاء مع الممانعين في مهام فرض الحريات في المجتمع المدني. إن حركة النهضة كانت سباقة لرفع شعار ''فرض الحريات'' و هو هدف النبيل و لكنها لم تهدي في الوصول اليه إلى الوسيلة المثلى و أرتكبت الخطأ وتحملت المسؤولية كاملة و بامتياز فلا يزايد عليها و على مكوناتها اليوم احد سواء باستدامة تخطئتها أو بالاستفراد بأحد مكوناتها أو قيادتها كقرابين بين يدي مرتكبي الجرائم الحقيقيين و الذين لا يزالون منفلتين من العقال و من حبل العدالة الذي نتمنى أن يطال رقابهم في الدنيا قبل الآخرة. فلنواصل الطريق نحو مجتمع حر و أبي في خيار التنمية السياسية و البشرية الصحيحة وعلى رأس أهدافنا العفو التشريعي العام و حرية التنظم و حرية التعبير و حق التداول على السلطة لكل مواطن يأنس في نفسه قدرة على خدمة هذا المجتمع العزيز المسالم. و الأمر لله من قبل و من بعد. حمزة حمزة