الزيارة التي تقوم بها حاليا وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس الى دول المغرب العربي هي بلا شك تشكل محورا جديدا في السياسة الأمريكية في شمال أفريقيا. التعاون في ما يسمى بالحرب على الإرهاب هو الملف الرئيسي لهذه الزيارة فالانظمة المغاربية لعبت دور التلميذ النجيب بجدارة لكنها قدمت مساعدة لواشنطن ربما لم تكن تتوقعها.أما المشهد الثاني الذي يدفع رايس الى المنطقة فهو حالة التنافس الأوربي الأمريكي على الشمال الافريقي في المجالين السياسي و الإقتصادي. العلاقات الأمريكية المغاربية ليست بالجديدة، فالمغرب هو أول من اعترف بإستقلال الولاياتالمتحدة و هذه الاخيرة لعبت هي الأخرى دورا هاما في تصفية الإستعمار ودعم ثورة الجزائريين. و كان الحضور الأساسي للمغرب العربي في السياسية الأمريكية لا يتعدى المراكز الأكاديمية لكنه تطور بفضل شركات النفط في الثمانينات و نزاع الصحراء الغربية. أما التحول الرئيسي فكان عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي جعلت المغرب العربي منطقة نشاط دبلوماسي وعسكري مكثف للمسؤولين الأمريكيين. كانت واشنطن قبل الهجمات تنظر الى النظام الجزائري بعين الريبة وفي فترة ما دعمت قادة الإسلاميين في حربهم ضد النظام، وكان النظام الليبي عدوا رئيسا للإدارة الأمريكية، و لم تكن تونس تحضى باي اهتمام لديهم. لكن بعد الحادي عشر من سبتمبر، ظهر ما يسمى بمخطط الشرق الأوسط الكبير الذي يمتد الى غاية المغرب. أثار تنامي المد "الإسلامي" في المغرب و الجزائر الكثير من المخاوف، وفي ليبيا كانت محاولات التسلح النووي الليبي تقلق واشنطن وأصبحت المنطقة قي قلب إهتمامات الإدارة الأمريكية. فالرئيس الجزائري بوتفليقة كان أول رئيس دولة يزور واشنطن شهرين بعد تلك الهجمات.ومنذ ذاك الحين لوحظ النشاط المكثف للأمريكيين في دول المغرب العربي، و دعوة قادة الدول الى البيت الابيض أيضا، وربما كان هذا هو السياق الذي تم فيه تنسيق عودة العلاقات "المفاجئة" مع ليبيا. ومن الناحية الأخرى عرفت الفترة الأخيرة تنسيقا مكثفا في المجال الأمني و المخابراتي مع الجزائر التي يقدمها الأمريكيون الآن "كنموذج لمكافحة الإرهاب" أما مع المغرب فامضى الأمريكيون اتفاقا للتبادل الحر عام 2004. لم يكتشف الأمريكيون أهمية المغرب العربي إلا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فالمغرب كان البلد الوحيد الذي تمكن من إختراق صفوف الإسلاميين من الافغان العرب العائدين من حربهم ضد الإتحاد السوفيتي في أفغانستان، ما مكن فيما بعد من إختراق تنظيم القاعدة حيث كان أحد مساعدي اسامة بن لادن مغربيا يعمل لحساب دي. اس.تي اي جهاز المخابرات المغربي. وفتحت الجزائر أمام واشنطن كل ملفاتها و ما تملكه بخصوص التيارات الإسلامية و الجهادية و الأفغان العرب وغيره مما مكنها من الحصول على الأسلحة والمعدات التي طالما حرمها منها الإتحاد الأوربي ، حين كان النظام الجزائري يدافع على بقاءه في التسعينات. وحتى ليبيا كانت محل عطف الأمريكيين لدورها في تقديم معلومات حول الدور الباكستاني في تخصيب الأورانيوم الإيراني وكان القائد الليبي معمر القذافي بمثابة الشاهد الذي جندته واشنطن من أجل الشهادة ضد ايران و برنامجها النووي خصوصا بإقدامه على تسليم كل ما يملك من معدات تخصيب وتعهده بالإقلاع عن التفكير في التسلح النووي. وكان القذافي وراء فكرة جلب الأمريكيين الى الصحراء الكبرى بسبب المعلومات التي سلمها بخصوص مخطططات القاعدة للتوسع في نشاطها الى الصحراء من خلال التحالف مع التنظيمات الجزائرية و على رأسها الجماعة السلفية للدعوة والقتال. وفي هذه النقطة بالذات تدخل موريتانيا في مركز اهتمام واشنطن بسبب أن من بين مساعدي بن لادن المقربين عناصر من جنسية موريتانية. ومن جهة أخرى كان على النظام الموريتاني بعد غزو العراق إبعاد شبهة مساندته لنظام صدام حسين، فقام بالاعتراف بإسرائيل وتعيين سفير لها في نواقشط مما يعني أن المصالح الأمريكية في المنطقة تحولت الى أكثر من إستتراتيجية. الصحراء الغربية و الإتحاد المتوسطي لابد أن يكون الصراع حول الصحراء الغربية من أهم الملفات التي ستركز عليها رايس في جولتها الى الجزائروالرباط. وكان الأمين العام الأممي بان كيمون أنهي مهمة الوساطة التي قادها الدبلوماسي الهولندي فان فالسوم بعد أن رفضته البوليساريو وضغطت الجزائر في إتجاه تنحيته بسبب ميله للطرف المغربي في بعض تصريحاته. وتدرك واشنطن أن كلا البلدين يسعيان للتعاون الكامل معها من أجل إستمالة الموقف الأمريكي بخصوص الصحراء الغربية، فالجزائر فتحت المجال واسعا للشركات الأمريكية المستثمرة في النفط الجزائري وعرضت على واشنطن مخطط إقتسام الصحراء بين البوليساريو والمغرب. أما الرباط فسارعت الى عقد إتفاق للتبادل الحر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لا قيمة إقتصادية له مقابل نتائجه السياسية التي تتمثل في أن تنأى واشنطن بنفسها من التدخل في مشكلة الصحراء. وفي الحقيقة لا ترغب واشنطن في الميل إلى أي طرف بسبب التحالفات القائمة بينها و بين كل من الجزائر و المغرب، ولو كانت لها إرادة سياسية في حل النزاع في حول الصحراء الغربية مثل فعلت في قضايا أخرى لوجدت مشكلة الصحراء الغربية طريقها إلى الحل بسرعة فائقة. حليفان متناقضان يمكن القول أن كلا من المغرب و الجزائر هما حليفا واشنطن لكنهما على طرف النقيض وما يلاحظه المحللون أن السياسات الأمريكية لا تلقى التنديد نفسه مثل ما هو عليه الحال في دول المشرق العربي: هل يرجع هذا إلى نقص في فهم الأنظمة المغاربية للسياسيات الأمريكية؟ ربما. هنالك ترابط بين سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية في العراق و تنامي الإسلام السلفي الجهادي في بلدان المغرب العربي من ليبيا إلى غاية موريتانيا.و تحافظ حكومات المنطقة على علاقات متوازنة مع واشنطن، و الدافع إلى ذلك التجاذب الأوربي الذي يحدد مستوى تلك العلاقة. فالجزائر مالت كل الميل إلى الأمريكيين بسبب تشكيك الإتحاد الأوربي في النظام الجزائري وحضر بيع الأسلحة طيلة التسعينات أي أثناء الحرب |الأهلية الجزائرية. والمغرب كما هو معروف الحليف التقليدي لواشنطن في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي. هناك من يقول بأن الأوربيين دخلوا في صراع مع الأمريكيين حول منطقة المغرب العربي، وهذا أمر موجود منذ سنوات على الأرض لكن مهما كان التواجد الأوربي تبقى الولاياتالمتحدةالأمريكية القوة العسكرية الأكبر في حوض البحر الأبيض المتوسط بأسطولها السادس المتطور. هل يستيقظ الاتحاد المغاربي من سباته العميق؟ أنشاء الإتحاد من أجل المتوسط قد يكون ردا أوربيا و فرنسيا بالخصوص على مشاريع اتفاقات التبادل الحر التي أبرمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية مع المغرب والأردن و البحرين وتسعى لإبرامها مع باقي البلدان الأخرى. ومهما يكن تبقى مثل تلك المشاريع سياسية بالدرجة الأولى وتهدف إلى إرغام البلدان المغاربية على الإصلاح و نشر الديمقراطية كأداة أساسية لدفع الإرهاب و التطرف و الحروب "الجهادية" عن الحدود الجنوبية لأوربا. زيارة رايس للجزائر و المغرب ستكون متميزة لأنها مزدوجة الأهداف، فمن جهة ستبدي للعالم كيف أن دبلوماسية جورج بوش ومن وراءه الجمهوريون كانت ناجحة في"تطويع الدول المارقة" كما هو الحال مع النظام الليبي، ومن ناحية أخرى تسجيل الحضور في المنطقة ردا على المشروع الأوربي من أجل المتوسط. كل ما يهم الولاياتالمتحدة بدرجة رئيسية ليس هو الديمقراطية في البلدان المغاربية، لكن ابقاء مراقبة الأمريكيين للنفط المتدفق من هناك و إقامة " مركز قيادة إفريقيا" في إطار ما يسمى بمكافحة الإرهاب في العالم