أولت المنظمات الدولية والاقليمية اهتماما بارزا بحقوق المعوقين منذ فترة طويلة إدراكا منها للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذه الحقوق، ولأن التنمية الشاملة والمستدامة لا يمكن أن تتحقق دون مشاركة فاعلة لجزء هام من المجتمع لا يقل عن 10 % حسب تقديرات الأممالمتحدة ودون مساواة حقيقية بين الأشخاص المعوقين وغير المعوقين فى مختلف مجالات الحياة وفى مجال العمل بالذات الذى كان محور الدورة التدريبية حول مساعدة الأشخاص المعوقين فى الحصول على عمل والتى انطلقت أشغالها أمس فى تونس العاصمة وتتواصل الى غاية يوم الخميس، بحضور نخبة من الباحثين فى الشؤون الاجتماعية من عدة بلدان عربية، وهى من تنظيم المركز العربى لإدارة العمل والتشغيل وبالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية والتونسيين بالخارج ومنظمة العمل العربية ومنظمة العمل الدولية. وقد حرصت المنظمتان على حماية حقوق المعوقين فى العمل وعلى تحقيق تكافؤ الفرص والمعاملة بينهم وإخوانهم الأسوياء. ويتجلى ذلك سواء من خلال نشاطهما المعيارى أو من خلال البرامج الهادفة لتكريس هذه الحقوق فى الواقع. وقد أكدت نجاح بلخيرية القروى كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الإجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج المكلفة بالنهوض الاجتماعى خلال كلمة الافتتاح ان العناية بالأشخاص المعوقين بقدر ما تتطلب من حماس وروح البذل والعطاء والتطوع بقدر ما تقوم على مقاربات علمية وفنية وتتطلب حرفية ومهنية عالية لدى المتدخلين مؤكدة فى الوقت نفسه ان انعقاد هذه الدورة التدريبية فرضته الظروف العالمية المتقلبة ذلك ان التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التى يشهدها العالم والمنطقة العربية والتى تنعكس على الفئات ذات الاحتياجات الخصوصية قبل غيرها وتنعكس عليها بأكثر حدة باعتبار هشاشة أوضاعها تطرح تحديات كبرى على مؤسسات العمل بالبلدان العربية، وهو ما يتطلب من كافة الأطراف اليقظة التامة بهذه التغييرات والاستعداد الأمثل لمثل هذه الانعكاسات السلبية وايجاد الآليات والصيغ الكفيلة بحماية هذه الفئة والنهوض بها. وتمثل هذه الدورة التدريبية فرصة سانحة لبحث الأساليب العملية لمساعدة الأشخاص المعوقين فى الحصول على عمل سواء العمل المأجور أو العمل المستقل. وهى تجمع الأطراف المعنية بهذا الموضوع وبصفة خاصة إدارة العمل بمختلف أجهزتها "وبالأساس الإدارة العامة للنهوض الاجتماعى والإدارة العامة لتفقدية الشغل والوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل" وكذلك المنظمات المهنية لأصحاب العمل والعمال وجمعيات النهوض بالمعوقين. ذلك أن الشخص المعوق فى حاجة الى البحث عن عمل مثله مثل بقية أفراد المجتمع ومن أجل تطوير آليات البحث عن العمل الذى يضمن كرامة كل شخص، يسعى المشرفون على هذه الدورة الى البحث عن كيفية تطوير وسائل البحث عن شغل وايجاد الحلول البديلة مع تشجيع المعوقين على الانتصاب للحساب الخاص وفتح مشاريع. ويرى المشاركون فى الدورة التدريبية أن تونس تأتى فى مقدمة الدول التى بادرت بوضع قوانين وبرامج لفائدة المعوقين فى اطار سياستها التنموية التى تقوم على التلازم المتين بين البعدين الاقتصادى والاجتماعى كما قامت بوضع التشغيل فى طليعة الأولويات الوطنية وايلاء عناية فائقة لتكريس حقوق المعوقين وفى مقدمتها الحق فى العمل. فانخرطت منذ وقت مبكر فى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتأهيل وتشغيل المعوقين وبصفة خاصة اتفاقية العمل الدولية رقم 159 منذ سنة 1989 أى منذ ما يقارب العشرين سنة كما طورت التشريعات الخاصة بحقوق المعوقين بمختلف جوانبها واعتمدت العديد من البرامج والآليات لتدعيم هذه الحقوق فى الواقع، وتعزز دور المجتمع المدنى بصورة ملحوظة تبعا لتعدد الجمعيات وتوسع نشاطها بدعم من الدولة ليشمل مختلف المستويات وكافة أصناف الإعاقة. واعتبارا للأهمية القصوى لتشغيل المعوقين تكونت جمعية خاصة بهذا الموضوع، ترأسها حرم الرئيس التونسى وهى جمعية "بسمة" التى تقوم بدور كبير فى إيجاد فرص العمل للمعوقين وويرى المختصون فى الشأن الاجتماعى التونسى أن لها تجربة متميزة بهذا الشأن. كما تعززت العناية بالمعوقين فى تونس من خلال اصدار القانون التوجيهى للنهوض بالأشخاص المعوقين وحمايتهم فى سنة 2005 ليعزز الرصيد التشريعى لهذه الفئة وليؤكد على أن النهوض بالمعوقين هى مسؤولية جماعية تشترك فى تحملها الأسرة والدولة والجماعات المحلية والمنشآت والمؤسسات العمومية ولم لا الأشخاص المعوقين أنفسهم. إن ادماج الأشخاص المعوقين فى الدورة الاقتصادية الهدف الذى ترنو اليه كل سياسة اجتماعية وذلك من خلال العمل على تعزيز التأطير التربوى والمهنى لهذه الفئة حتى لا تبقى خارج المنظومة التنموية لمختلف البلدان العربية.