بمناسبة تسريح بقيّة المساجين المحكوم عليهم بأحكام ثقيلة أغلبها بالمؤبد، أعبّر عن تهاني للمسرّحين و أهاليهم بهذا الخبر السعيد و أشكر الذين اتّخذوا هذا القرار الحكيم و على رأسهم السيد رئيس الجمهوريّة. رمزيّة هذا التسريح تتمثل في أن المسرّحين هم الدّفعة الأخيرة ممّن حوكم في قضايا النّهضة بداية تسعينات القرن الماضي. سبقتها عدّة مبادرات متدرّجة السنوات الماضية بتسريح قيادات معروفة وبداية تسوية ملفّ المنفيّين وذلك بتمكين البعض من جوازاتهم وتسهيل عودتهم. أربع رسائل لا بدّ أن تقرأ بعد هذا التسريح: 1) أنّ قرار طيّ صفحة الماضي قد اتخذ من أعلى هرم السلطة (طريقة تنزيله رهينة تفاعل الطرف المقابل مع الحدث). 2) أنّ الذين ساعدوا على أخذ هذا القرار هم وطنيّون ينظرون إلى مصلحة الوطن العليا. 3) أن الحوار هو الطريق الأمثل والأقصر لحلّ كلّ المشاكل العالقة مهما تعقّدت. 4) أنّ المصالحة تتطلّب التهدئة و الطمأنة و ذلك بأن يصبح الخطاب الإصلاحي و ألتصالحي هو خيار ضمن مسار متواصل لا تراجع عنه مهما حدث من منغّصات تأتي من هنا و هناك. أعتقد أنّه لا بدّ من تثمين هذه المبادرة و الإقلاع عن منطق المغالبة و عن اللغة الخشبيّة المتهكّمة (خاصة في بعض مواقع الأنترنيت) التي لم تؤدّ إلاّ إلى الحقد والضغينة و تأجيل المصالحة بين كلّ التونسيّين. بعد أن أفرج عمّن تبقّى من المساجين، مازالت بعض الملفّات مثل عودة المغتربين و غيرها... أتمنّى أن تحلّ بالحوار لا أن تصبح مصدر من مصادر النزاع و تفتح باب جديد من أبواب المشاكسة، لأن الجرح الذي فتح منذ 18 سنة وبقي ينزف إلى اليوم لا بدّ أن يضمّد من طرف حكماء و ليس من طرف "عناترة" (مشتقّ من اسم عنترة) هم الذين يتحملون جزء من المسؤوليّة في استمرار منطق المغالبة، لا يتورّعون عن النيل من شرف الذين اختلفوا معهم في طريقة الحلّ وتخوينهم. هذا باختصار ما حرصت على ذكره بهذه المناسبة وسأعود في مقالات لاحقة إلى التّفصيل في النّقاط التي ذكرت. عبد الباقي فتحي