ألقت الأزمة الاقتصادية الرّاهنة بظلالها على نشاط المؤسسات الأجنبية المستثمرة في تونس، ممّا دفع بالحكومة للعمل من أجل نجدتها تفاديا لإغلاق أبوابها وتسريح الآلاف من العمال. وأمام الرّكود الاقتصادي الذي يعيشه الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأوّل لتونس، اضطرت العديد من الشركات الأوروبية لإلغاء طلبياتها ممّا أثّر سلبا على صادرات الشركات الأجنبية المستثمرة بتونس والتي تصدّر منتوجاتها كليّا إلى الخارج. وكشف الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة أرباب الأعمال) أنّ أكثر من ثلاثين ألف عامل في قطاعات تصديرية مثل الصناعات الميكانيكية والالكترونية خاصّة صناعة مكونات السيارات والنسيج والملابس والأحذية، أصبحوا مهددين إمّا بالبطالة المؤقتة أو بالتسريح. وحسب المصدر ذاته فإن 15 شركة فرنسية وعشر ألمانية وسبع إيطالية، إضافة إلى شركة مختلطة تونسية فرنسية وأخرى تونسية ألمانية واثنتين فرنسية أميركية تشكو من تدهور نشاطها. آفاق قاتمة ويقول المحلّل الاقتصادي عزّام محجوب إنّ هذه الشركات تضرّرت نتيجة تقلّبات السوق التي دفعتها الأزمة باتجاه الانكماش، موضحا أنّ تراجع الطلب الأوروبي قاد إلى هبوط الصادرات وبالتالي خفضت الشركات إنتاجها. ويضيف محجوب للجزيرة نت أن هناك قلقا ومخاوف حقيقة لدى الأوسط التونسية على ضوء توقعات الخبراء بحدوث انكماش اقتصادي بأوروبا، سيقود إلى تراجع الإنتاج وتسريح مزيد من العمّال. وعلى وقع هذه التطوّرات تسعى الشركات الأجنبية بتونس إلى الحفاظ على نشاطها ولو بصفة جزئية، وذلك بالتخفيض في عدد ساعات العمل من 5 إلى عشر ساعات بالأسبوع لمدّة تصل شهرين على الأقل. كما عدلت هذه الشركات عن تجديد عقود الشغل بالنسبة للآلاف كما سرحت المئات وأحالت قرابة تسعمائة عامل على البطالة المؤقتة، وتنظر حاليا في تسريح مئات آخرين. ويرجح بعض المراقبين أن تواصل هذه الشركات في ذلك الاتجاه لتخفيض نفقاتها الاجتماعية والتقليل من إنتاجها تماشيا مع تقلبات السوق، وسط توقعات بعزوف الأوروبيين عن الإنفاق بسبب تدهور قدرتهم الشرائية. إجراءات حمائية وللحيلولة دون تفاقم الوضع، أسرعت الحكومة إلى الإعلان عن سلسلة قرارات وإجراءات بهدف تفادي إغلاق المصانع وتسريح عشرات آلاف العمّال بالقطاع الخاص. كما وافقت على التكفّل بنسبة 50% من مساهمة أرباب العمل بالضمان الاجتماعي خلال فترة اللّجوء إلى التخفيض بثماني ساعات عمل بسبب تقلص نشاط المؤسسة، على أن يستغل العمّال فارق الوقت في التكوين وإعادة التأهيل. ووافقت الحكومة على أن تأخذ على عاتقها مساهمة أرباب العمل في نظام الضمان الاجتماعي خلال فترة إحالة العمال إلى البطالة المؤقتة نتيجة تدهور نشاط المؤسسة المرتبط بالأسواق الخارجية. كما اتخذت إجراءات أخرى منها توفير خطّ تمويل بالعملة الأجنبية بحدود مائة مليون يورو للمؤسسات الأجنبية، وتمكينها من الحصول على تمويلات من القطاع البنكي بالدينار التونسي للتزوّد بالمواد المصنعة بتونس. ويعتبر بلقاسم العياري المسؤول عن الدراسات والتوثيق بالاتحاد التونسي للشغل أنّه من شأن تلك الإجراءات المكثفة أن تساعد المؤسسات الأجنبية على تخطي صعوبات المرحلة الراهنة. لكنه لم يخف قلقه في تصريح للجزيرة نت من تسريح واسع لعمّال المؤسسات الأجنبية العاملة بالقطاعات التصديرية التي تشهد منافسة شرسة مثل قطاع النسيج، الأمر الذي قد يعيق نموّ الاقتصاد في بلد ترتفع فيه البطالة إلى مستوى 14%.