سقطت من السماء بسرعة البرق مثل نيزك ملتهب، وارتطمت بشاحنة وسيارة، وتناثر الوقود على الطريق، هل هي طائرة إسرائيلية أسقطها صاروخ لحزب الله؟، أم - كما يدعي الإسرائيليون - خزان سقط من طائرة عسكرية لا يحوي سوى منشورات دعاية موجهة للبنانيين؟. في الوقت الذي وصلت فيه إلى هناك، كان الطريق والشجر يشتعل والسيارة التي ارتطم بها هذا الشيء كانت لا تزال تحوي سائقها الذي قطع رأسه جزئيا، ونزف حتى الموت على قميصه وبنطاله فيما كان يجلس في المقعد الأمامي. كانت هناك قطع كبيرة من المعدّة على الطريق، جزء منها ربما كان قنبلة عنقودية على الحافة وشيء بدا وكأنه شفرة مروحية على كومة من الرمل. ولكن لم تكن هناك منشورات دعائية ولا أوراق ولا تعليمات للشعب اللبناني من الجيش الذي كان يقصف لبنان لليوم السادس على التوالي، بعد ذلك جاء صوت الطائرات الحربية الإسرائيلية وانفجار هائل في قاعدة عسكرية مهجورة، وهربنا. إننا نهرب دائما هذه الأيام، نقود سيارتنا بسرعة في شوارع الضاحية الجنوبيةلبيروت، وقد تحولت إلى مكان مهجور من الركام والخوف، ونتجاوز بسرعة الحفر العميقة التي تخلفها القنابل، خوفا من أن الطائرات قد تعود، نركض بسرعة هربا من منطقة الروشة عندما تهتز الأرض تحت أقدامنا، وبعد ذلك نلهث مثل الكلاب من التعب ونحن نركض إلى القصر الكبير الذي يعقد فيه رئيس الوزراء اللبناني اجتماعاته وحيث وصل موفدو الأممالمتحدة ليجلبوا لنا "سلام هذا العصر". حسنا، ربما تبين أن المستشار الخاص لكوفي عنان كان فيجاي نامبيار شقيق القائد العسكري الهندي لقوات الأممالمتحدة في البوسنة أنبروفور سابقا، وهو رجل اعتاد الحضور إلى المؤتمرات الصحفية وهو يرتدي ميداليات أكثر من إيزنهاور، القائد العام للحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وكان قد عقد مباحثات مع فؤاد السنيورة، رئيس الوزراء، ورئيس البرلمان نبيه بري. لم يسمح بطرح الأسئلة من الصحفيين - وهي إشارة سيئة - ولم يقدم تحليل بيان نامبيار الباهت أي أمل لوقف الغارات الجوية بشكل مباشر، ولا للصواريخ القاتلة ولا لأكوام القتلى الأبرياء والأكاذيب الكثيرة التي ميزت هذه الحرب منذ بدئها الأربعاء الماضي، "بعض الجهود الأولية المبشرة... خطوة أولى.. الكثير من العمل الدبلوماسي يجب عمله قبل أن يكون لدينا أي أرضية للتفاؤل.. نتائج الفشل ستكون خطيرة.. حل خلاق.. الموقف له أهمية كبرى"، لقد كانت عبارة "الوقت له أهمية كبرى" العبارة المفضلة للأمم المتحدة عندما كانوا يحاولون تشكيل سلطة أفغانية عام 2002، وجميعنا نعرف مدى "النجاح" الذي لاقته تلك الجهود. كان السيد نامبيار مع المجموعة المعتادة المؤلفة من المنسق "الخاص للشرق الأوسط الفارو دي سوتو، وتيري رود لارسن الذي يأمل أن يكون يوما ما - نعم يوما ما - أمينا عاما للأمم المتحدة، غادر الوفد إلى إسرائيل، وأضاف السيد نامبيار أنه بحسب متطلبات التطورات قد يكون ضروريا لنا العودة إلى لبنان، بالفعل، سيكون ذلك ضروريا، ومعظمنا لديه فكرة مرعبة عما قد تكون تلك "التطورات": مزيداً من صواريخ حزب الله على حيفا، مزيداً من القنابل الإسرائيلية على البنايات السكنية في بيروت، والمزيد من الموت. تعليق جورج بوش لتوني بلير في سانت بيترسبورج "ترى أن من المفارقات أنهم بحاجة لفعل ما يجب فعله لإجبار سوريا للضغط على حزب الله ليوقف هذه القذارة"، لكن "إجبار" سوريا على وقف حزب الله سيكلف غاليا، وهذا أمر قد لا يلاحظه جورج بوش. إذا ماذا كان الجديد؟ حسنا، حاول الجيش الإسرائيلي عبور الحدود مرة أخرى - على مسافة 30 متراً - ومن ثم انسحب خلف حدوده. قصفت الطائرات الإسرائيلية 17 لبنانيا آخر وجرح 53 آخرين، وأوصل ذلك عدد القتلى إلى 196 مقابل 24 قتيلاً إسرائيلياً، وهكذا وصل معدل القتلى اللبنانيين مقابل القتلى الإسرائيليين إلى ثمانية مقابل واحد. طائرة إسرائيلية قصفت ميناء بيروت وتسببت في إحراق جزء منه ومقتل عاملين فيه، وأدى هجوم آخر قرب طرابلس إلى مقتل تسعة جنود لبنانيين. مقابل كل مجموعة جديدة من صواريخ الكاتيوشا على حيفا يتجدد القصف على لبنان. ومقابل كل هجوم على لبنان تنطلق الصواريخ إلى حيفا، الحرب الآن إذا هي على مبدأ "دمروا مدينتي وأنا سأدمر مدينتكم"، ولكن ألم يكن ذلك يحدث على مجال أوسع قليلا في مكان آخر من العالم بين 1939 - 1945؟ وهل نجح ذلك؟. استمر الأجانب في الهروب - وقد قتل عدد من هؤلاء بسبب القصف الإسرائيلي واتضح أن عددا منهم كانوا يحملون الجنسية الكندية والبرازيلية من أصل لبناني - وقد بدأت مجموعة من السفن تصل إلى بيروت من قبرص بعد قصف الطريق الواصل بين بيروت ودمشق. وزير خارجية إيران قال إن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى قد يكون ممكنا وألمحت الحكومة اللبنانية إلى أن وسطاء إيطاليين قد نقلوا رسائل إلى بيروت من إسرائيل. يبدو الأمر صعب التصديق، خاصة أن الإسرائيليين أنذروا سكان جنوب لبنان بالكامل بمغادرة منازلهم. استلم لبنان اقتراح السيد بلير، رئيس وزراء بريطانيا، حول إرسال قوة تدخل مما سبب ما يشبه المفاجأة، فهناك بالفعل قوة تابعة للأمم المتحدة موجودة في لبنان. لا بد أن سيكون هناك عنصر بريطاني في مثل هذه القوة بما قد يعيد الأداء "الرائع" للجيش البريطاني في أفغانستان والعراق، أرجو أن يجنب الله لبنان مثل ذلك النجاح. *نقلا عن صحيفة "الوطن" السعودية