*الأمين الأول لحركة التجديد تطرح حملة "المناشدة" التي أطلقتها خلال الصائفة المنقضية بعض الأوساط المنتمية إلى التجمع الدستوري أو القريبة منه عدة إشكاليات لا بد من الوقوف عند أهمها في هذه العودة السياسية لرصد دلالاتها وما قد ينجر عنها من تبعات مضرة بحاضر البلاد ومستقبلها لو تواصلت على شاكلتها وبالعقلية الغالبة عليها. إن أول ما لفت انتباه المراقبين في هذه الحملة هو توقيتها حيث راحت ترتب لانتخابات 2014، والحال أن الانتخابات التي بدأت إثرها الفترة الرئاسية الراهنة لم تمض عليها إلا تسعة أشهر أو أقل، مما يمثل قفزا على مرحلة بكاملها يضعها هكذا الواقفون وراء الحملة بين قوسين بمنتهى السهولة وكأن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية أمر مفروغ منه والمشاكل السياسية التي يطرحها طابع الانغلاق الطاغي على نمط الحكم السائد لا وجود لها أصلا، كما يضعون بين قوسين ما ينص عليه بصريح العبارة دستور البلاد متناسين بذلك أن من يلتمسون منه الترشح هو - بحكم وظيفته كرئيس للدولة - الراعي لهذا الدستور والمطالب بالسهر على احترامه وهذا في حد ذاته من المفروض أن يكون مصدر إحراج في دولة يقول القائمون على شؤونها إنها دولة القانون والمؤسسات. إن الأسلوب الذي توخاه أصحاب حملة المناشدة يعكس عقلية أحادية تريد التمادي في الاستفراد بضبط الأجندة السياسية بمنأى عن المجتمع. وروحا شمولية لا تعترف بالتعددية وتعتبر مقتضيات الدستور مسألة شكلية بحتة قابلة للإلغاء أو التطويع حسب المزاج بهدف إبقاء دار لقمان على ما هي عليه من ركود وانغلاق. كما تعتبر الانتخابات مجرد أداة للتزكية الشكلية نتائجها محسومة مسبقا ولا دور فيها للاختيار الشعبي الحر والواعي، فتعطي لنفسها الحق في وضع البلاد أمام الأمر الواقع باحتكار، تسطير به على حاضر تونس ومستقبلها، في غياب كل فضاء للنقاش المسؤول، حتى داخل المؤسسات الجمهورية المسلوبة من حق المبادرة والدوائر المنتمية أو التابعة للحزب الحاكم نفسه. فكل شيء يجري كأن دروس الماضي قد نسيت وكأن تونس لم تعرف في ماض ليس ببعيد أزمات وهزات ناتجة عن هذه العقلية بالذات، التي أدت إلى ارتهان مستقبل البلاد وربط مصيرها بفرد واحد أوحد يقرره مدى الحياة، دون مجال للمساءلة والمحاسبة. كل شيء يجري وكأن الشعب بنخبه وقواه الحية، شعب قاصر ليس على درجة من النضج، تخول له المساهمة الحرة والمسؤولة في نحت مصيره والتحكم فيه. إن الواضح أن هذا الأسلوب مليء بالمخاطر، لأنه يريد فرض التمادي اللامتناهي في وضع سياسي هو في أمس الحاجة إلى إصلاحات جوهرية على كافة الأصعدة. وأن مزيد تأجيل الحوار الوطني الجدي والصريح حول فحوى تلك الإصلاحات من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام المجهول. إن الفترة التي تمر بها البلاد فترة دقيقة تضع البلاد أمام خيارين لا ثالث لهما: -إما الاستمرار في هذا النوع من التعاطي الأحادي مع القضايا الجوهرية، الذي لا يمكن ان يؤدي إلا إلى طريق مسدود مضر بتونس واستقرارها وحظوظ تطورها نحو الأفضل. -وإما القطع مع الأساليب القديمة وتوخي أسلوب التبصر والانفتاح وخلق المناخ الملائم لحوار، لا غنى عنه، يجب إن ينطلق في أقرب الآجال بمشاركة كل الأطراف السياسية والاجتماعية، وبعيدا عن كل شخصنة للقضايا، بهدف التوافق على سبل تجعل الفترة الحالية فترة الإعداد للانتقال الديمقراطي الكفيل وحده بفتح صفحة جديدة في تاريخ بلادنا.