في الصورة-سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي اتخذت روسيا (فلاديمير بوتين) قرارها الإستراتيجي تجاه القوى الإسلامية، وضربت بالجميع -إسرائيل والولاياتالمتحدة وغربي أوربا- عرض الحائط. فقد صرح الكريملين عن إستراتيجية "الارتباط" تجاه القوى الإسلامية؛ كما أعلن وزير خارجية روسيا "سيرجي لافروف" عن موقفه قائلا: "إن روسيا لن تلعب دور دولة المواجهة في الحرب الباردة الجديدة". توجه روسي جديد في مقال فريد من نوعه حول السياسة الخارجية، وهو الذي نشره وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" في 3 مارس 2006 بالصحيفة الأسبوعية الروسية "موسكوفكي نوفوستي"، أوضح الوزير جليا "أن روسيا لن تسمح لأحد أن يضعها في عراك مع العالم الإسلامي". ثم حذر غربي أوربا، قائلا: "وكذلك أوربا... فإنه من الأفضل لها ألا تلعب دور الإقليم المواجِه"؛ معلنا أن الأوربيين الغربيين قد صاروا أيضا -مثل روسيا- جزءا من العالم الإسلامي؛ وهي الحقيقة التي ما زال الكثير من الأوربيين يجهلونها أو لا يريدون الاعتراف بها. وفي المقال، يصف لافروف "روسيا الأم" بالمجتمع ذي العقائد المتعددة multifaith society؛ الأمر الذي يعني أن المجتمع الروسي لم يعد ذلك المجتمع المسيحي الأرثوذكسي الذي يحتوي على أقليات مسلمة، وإنما تحول إلى مجتمع "متعدد الجنسيات" ذي مناخ متعدد الثقافات. ويمضي وزير الخارجية مؤكدا -سواء أرْضى ذلك غربي أوربا أم لم يرضها- على ازدياد زخم القوى الإسلامية في روسيا وغربي أوربا؛ حيث استطاعت تلك القوى تكوين درجة لا يُستهان بها من القوة والرسوخ. وبناء عليه، فإن روسيا تخطط حاليا للتحالف مع قوى الإسلام، والدخول معها في حوار لا في صراع. وهذا لا يعني أن موسكو ترغب في "مواجهة" الغرب، وإنما يعني أنها لن تركع إلى "دوجمائية" الرئيس الأمريكي "بوش"، كما يُسميها وزير خارجية روسيا الذي يؤمن بأن "التاريخ يقدم لنا نماذج عدة تثبت وتؤكد بأن العقل الأخرق قد يؤدي إلى تدمير الجميع". بيد أن الإستراتيجية الروسية الجديدة تتطلب إعادة قراءة التاريخ بوعي ونضج من قبل "لافروف"، حتى لا يُعرض بلاده للانزلاق في مطب أو مطبات قد يصعب الخروج منها فيما بعد. نظرية ربط الداخل بالخارج إن دلائل السياسة الروسية الجديدة تجاه القوى الإسلامية كثيرة؛ وهي تنم جميعها على أن روسيا بصدد مراجعة سياستها الخارجية. فها هي موسكو تستقبل وتستضيف قادة "حماس"؛ وتمد سوريا بصواريخ جديدة في الوقت الذي تصل فيه الحملة الدولية ضد النظام السوري إلى ذروتها؛ كما أنها تفاوض طهران حول الشأن النووي من أجل التوصل إلى صيغة توافقية. ولا تنم هذه الدلائل فقط على تغيير السياسة الخارجية الروسية، بل تنم أيضا على تغيير السياسة الداخلية الروسية التي لم تعد في معزل عن الخارج، كما يؤكد الوزير الجديد للطاقة الذرية "سيرجي كيرينكو" المعروف بسعيه المتواصل لإدماج السكان المسلمين الروس في داخل النخبة السياسية الروسية. فقد أدرك "كيرينكو" -وهو رئيس الوزراء السابق والابن الروسي لأب يهودي- بأن الخطر الأعظم للفيدرالية الروسية ينبع من الجمهوريات الإسلامية في "أعالي فولجا"، مثل "تترستان" و"بشكيريا"، و"شوفاشيا"، و"موردوفيا". بلغة أخرى، إن "كيرينكو"، وحوله دائرة من المفكرين الروسيين، يدركون جميعا بأن تلك الجمهوريات يمكن أن تتحول إلى تربة خصبة للنزعات الانفصالية، كما حدث في الشيشان. وإذا ما حدث ذلك، فإن العاقبة ستكون وخيمة على روسيا كلها. ومن ثم، يذهب هؤلاء إلى أن خلاص روسيا ونهوضها إنما سيعتمد على الالتحام مع القوى المسلمة الداخلية فقط، دونا عن جميع القوى الداخلية الأخرى؛ وهي القوى التي يزيد عددها بشكل واضح وملحوظ. بل إن بعض كتاب الرأي الروسيين -منهم ذوو الأصول اليهودية- باتوا يُركزون حديثهم حول إمكانية وجود ذلك التحالف، أو تلك "الديناميكية" التي يمكن للإسلاميين منحها للنخبة الروسية. إن النظرية تقول باختصار: إنه من خلال كسب المسلمين وإدراجهم بعمق في الداخل الروسي، ستتمكن موسكو من منعهم التسلل في قوات "القاعدة" أو في أي قوات أخرى تابعة للمد الوهابي. وكذلك، فإن كسب القوى الإسلامية عبر الحدود سيُمكن موسكو من احتواء أية ثورات مسلمة في منطقة القوقاز، والحيلولة بينها وبين أية إعانات خارجية. ومما لفت الانتباه، ردة الفعل الغاضبة للزعماء الشيشانيين تجاه قادة "حماس" الذين قاموا مؤخرا بزيارة موسكو. فمن منظورهم، تعتبر مثل هذه الزيارة محوا ونسيانا للعلاقة الخاصة التي كانت تربط بين "حماس" وبين "شامل باسييف" و"خطاب" وجميع زملائهم في الحرب الشيشانية؛ لقد صور الشيشانيون زيارة "خالد مشعل" كخنجر غُرس في ظهورهم جميعا. وأما من إيران، فقد يتوقع الروس الكثير. يتوقعون ردا وتعويضا على ما يفعلونه مع أذربيجان -عدوة إيران- من احتواء وتقويض. والرد الذي ينتظره الروس من الإيرانيين يتمثل في تنسيق وترتيب مخرجات الثراء من النفط والغاز في المنطقة؛ إضافة إلى إعدام الثورات الشيشانية الحالية والقادمة. وقد لا يتورع الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" -بالرغم من راديكاليته- عن تعويض روسيا بهذا الشكل. مُجمل القول، إن روسيا تغامر الآن بوضعها الجديد -وهو ما يصفه وزير خارجيتها "بالقنطرة" بين الغرب والإسلام- سعيا لمنع تصادم الحضارات؛ الأمر الذي سيأتي على حساب علاقة روسيا مع الولاياتالمتحدة التي تسعى في المقابل لإذكاء صدام الحضارات. أما بالنسبة للعلاقة الروسية الإسرائيلية، فقد يستمر "بوتين" في التواصل مع "إيهود أولمرت" عبر الهاتف؛ ولكن بعدما يتأكد من تصوير الزيارة "الحماسية" بالكامل. فإسرائيل بالنسبة لأولويات الكريملين لا تحظى على أهمية كبرى، بل هي في اتجاه دائم ومستمر نحو الدرجات السفلى من سلم الأولويات الروسية، إن لم تكن قد وصلت إلى القاع. والسبب في ذلك هو إسرائيل ذاتها التي تجاهلت روسيا على مدى سنوات طويلة، والتي أساءت اختيار مسئوليها في إدارة العلاقات مع موسكو، والتي طالما تغاضت عن الواقع الروسي الذي يقول: إن روسيا الضعيفة عملاق، فما بالنا بروسيا القوية!.
------------------------------------------------------------------------ * أصل المقال نشر تحت عنوان Moskow's New Twist في صحيفة "جيروزيليم ريبورت" الإسرائيلية، في 3 إبريل 2006- ** باحث إسرائيلي في معهد "واشنطن إنستيتوت" ومحرر بال"جيروسليم ريبورت"؛ وهو مؤلف كتاب "نحو فك الارتباط الإسرائيلي-الفلسطيني وسلام القطعة: عقد من السياسة المصرية". ***