الوردانين : إعلام هام للعموم من الشركة التونسية للكهرباء والغاز    سفير الكيان الصهيوني يمزق ميثاق الأمم المتحدة بجلسة التصويت لفلسطين    بلاغ الهيئة المديرة للنادي الإفريقي    إصدار بطاقة إيداع بالسّجن ضدّ أم اعتدت بالعنف الشّديد على ابنيها    في إطار الاحتفال بشهر التراث...«عودة الفينيقيين» إلى الموقع الأثري بأوتيك    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ورشة علمية حول النفاذ للمعلومة والأزمة البيئية    بنك QNB يقدم رؤيته في مجال التمويل المستدام لمجابهة المخاطر المناخية    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    قبلي ...ملتقى سفراء البيئة والعمل التطوعي في سوق الأحد    سحق الإفريقي برباعية: المنستيري يُشعل المنافسة    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    بطولة ايطاليا المفتوحة: قارورة مياه تصطدم برأس ديوكوفيتش أثناء توقيع التذكارات    فرنانة تحتضن الدورة الأولى ل"مهرجان براعم الفرنان"    اليوم وغدا بمدينة الثقافة.. "من السماء" و" البلوار" بمسرح الأوبرا    النادي الصفاقسي الملعب التونسي (0 0) تعادل مخيب للآمال    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    بالفيديو: سعيّد: هذا تقصير وسيحاسب الجميع حتى المسؤولين الجهويين    عاجل/ بعد حادثة ملعب رادس: وزارة الشباب والرياضة تتخذ هذه الاجراءات..    إقالة مدير عام وكالة مكافحة المنشطات وإعفاء مندوب الرياضة ببن عروس    لأول مرة/ الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة يشارك في دعم النسخة 18 من دورة "كيا" تونس المفتوحة للتنس..(فيديو)    بايدن يخطئ مجددا و"يعين" كيم جونغ رئيساً لكوريا الجنوبية    بنزرت...بتهمة التدليس ومسك واستعمال مدلّس... الاحتفاظ ب 3 أشخاص وإحالة طفلين بحالة تقديم    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    عاجل: قيس سعيد: من قام بتغطية العلم التونسي بخرقة من القماش ارتكب جريمة نكراء    المسابقة الأوروبية الدولية بجنيف: زيت الزيتون 'الشملالي' يفوز بميدالية ذهبية    عاجل/ ديلو: قوات الأمن تحاصر عمادة المحامين للقبض على سنية الدهماني..    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    عاجل/ الأمم المتحدة: 143 دولة توافق على عضوية فلسطين    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    طقس الليلة    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    ماء الصوناد صالح للشرب لكن التونسي تعود على شرب المياه المعلبة... مدير عام الصوناد يوضح    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    عاجل/ إندلاع حريقين متزامنين في جندوبة    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    اليوم: فتح باب التسجيل عن بعد بالسنة الأولى من التعليم الأساسي    عاجل/ جندوبة: العثور على جثة طفل مشنوقا بمنزل أهله    كاس تونس (الدور ثمن النهائي) : تقديم مباراة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى الى يوم الجمعة 17 ماي    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    61 حالة وفاة بسبب الحرارة الشديدة في تايلاند    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    أنس جابر في دورة روما الدولية للتنس : من هي منافستها ...متى و أين ؟    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    عاجل/ هجوم مسلح على مركز للشرطة بباريس واصابة أمنيين..    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    نبات الخزامى فوائده وأضراره    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسكوت عنه في خطاب البابا بينيدكت السادس عشر
نشر في الوسط التونسية يوم 16 - 07 - 2007

خلال جولته التي قام بها في المانيا قبل أيام ألقي البابا بينيدكت السادس عشر محاضرة في جمع من الأكاديميين بجامعة ريغينسبورغ بعنوان العقيدة العقل والجامعة .
المطالع لنص المحاضرة المنشور علي الموقع الكتروني الرسمي للفاتيكان يكتشف بسهولة ان الهدف الاساسي لهذه المحاضرة الفلسفية الموجهة لنخبة الأكاديميا الالمانية هو اقناعهم بوجوب المصالحة بين العقلانية الحداثية واللاهوت المسيحي الكاثوليكي. ويتوسل البابا الي ذلك بمحاولة اقناع مستمعيه بالتوافق الحاصل منذ وقت مبكر بين الديانة المسيحية والفلسفة الاغريقية التي تجد فيها فلسفة الحداثة جذورها الاولي.
ومضمون الرسالة الاولي التي يرسلها البابا لهؤلاء الاكاديميين من خلال تأكيده علي موضوع العقل وأن افعال الذات الإلهية كما يفهمها المسيحيون الكاثوليك لا يمكن أن تناقض العقل والمنطق البشري ان اللاهوت المسيحي والحداثة الليبيرالية يمكن ان يجدا نقطة التقاء ما. وليس أفضل حسب بينيدكت السادس عشر من المؤسسة الاكاديمية فهو يدعو صراحة الي أن يعود اللاهوت ليحتل مكانه بين بقية العلوم التجريبية والانسانية واحدا منها لا يختلف عنها الا من حيث الموضوع وليس من حيث الصرامة العلمية..
وهنا يأتي الاستدلال بمقولة الامبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350 1425) حول النبي محمد صلي الله عليه وسلم والتي نقلها اللبناني ثيودور خوري استاذ علم اللاهوت باحدي الجامعات الالمانية من خلال ترجمته وتحقيقه للمناظرة السابعة من كتاب مانويل الثاني حوار مع مدرس فارسي . اختار البابا من المناظرة التي تمتد لأكثر من 40 صفحة سطرا واحدا يتعرض فيه مانويل الثاني للرسول محمد صلي الله عليه وسلم قائلا: أرني ما الجديد الذي جاء به محمد. لن تجد الا أشياء شريرة وغير انسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف .
قد يتبادر الي ذهن القارئ للوهلة الاولي ان هذا الاستدلال حشر حشرا في محاضرة فلسفية حول اللاهوت والعقل ولا علاقة له بالهدف الاساسي للمحاضرة. أو ان اختيار البابا جاء اعتباطيا ليعبر عن رفضه للعنف سبيلا لنشر العقائد كما أراد الناطق باسم الفاتيكان ان يقنعنا.
ولكن التأمل الدقيق في الاستدلال البابوي سريعا ما يكتشف المستور وما يهدف اليه البابا من خلال هذا الانتقاء البارع والماكر في نفس الوقت.
1 لو أراد البابا ابتداء التهجم علي النبي محمد وعلي الدين الاسلامي فقط فقد كان امامه جملة من النصوص أعمق واشد حبكة من مقولة مانويل الثاني الذي كان محاربا ولم يكن بحال عالم لاهوت بما يؤهله للغوص في أعماق النصوص الدينية ونقدها. الادب الكنسي القروسطي مليء بالنصوص التي تتهجم علي الاسلام وعلي نبيه الكريم وليس أقل هذه النصوص كتاب ريكولدو دو مونت كروس مقولات ضد محمد Discourse Against Mahomet وقد ترجمه أستاذ مانويل الثاني عالم اللاهوت البيزنطي سيدونس وأهدي للامبراطور نسخة اعتمد عليها بالكلية في صياغته للمناظرات التي جرت بينه والعالم الفارسي المشار اليه. ولكن البابا اختار الاستدلال بمانويل عوض الرجوع الي النص الاصلي خدمة لجملة من الاهداف الدينية والسياسية.
2 أهمية مانويل لدي البابا تكمن في أنه امبراطور بيزنطي حكم في اوج الصعود العثماني. ولفظة امبراطور اذا اطلقت علي هذا الحاكم البيزنطي بالذات فذلك لا يعدو ان يكون من باب التجاوز فقط ففي عهده تقلصت الامبراطورية البيزنطية لتقتصر علي العاصمة القسطنطينية وضواحيها وأصبح هو ذاته تابعا للسلطان العثماني بايازيد الذي سمح له بالحفاظ علي ملك القسطنطينية مقابل المشاركة في حروبه الكثيرة علي الجبهة الداخلية تثبيتا لحكم آل عثمان وعلي الجبهة الاوروبية ضربا لاعداء الدولة.
البابا من خلال هذا الاختيار وقبل زيارته المنتظرة الي تركيا في بداية الشتاء يريد ان يرسل رسالة للأتراك تذكرهم بأنهم يحتلون احدي العواصم المسيحية الكبري وأن المرجعية الكنسية العليا لم تنس ذلك. وهنا يجد الحديث عن ظروف تأليف الكتاب التي قال البابا انها كانت خلال حصار القسطنطينية مكانه في المحاضرة. البابا يريد أن يذكر الاوروبيين أن تركيا التي ينادي البعض بادخالها الي الاتحاد الاوروبي كانت الي الامس القريب محاربة للمسيحيين محتلة لأوروبا.
3 أهمية حوار مانويل الثاني تكمن أيضا في أن طرفه الثاني كان مدرسا فارسيا بما يمكن من استدعاء الفرس الي المحاضرة في اشارة ماكرة الي الخطر الفارسي الذي يشغل اليوم القوي الغربية من خلال المشروع النووي الايراني.
4 نأتي الآن الي محتوي الاستدلال ذاته حيث يقول مانويل الثاني للمدرس: أرني ما الجديد الذي جاء به محمد. لن تجد الا أشياء شريرة وغير انسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف . البابا ومن خلال هذا الاختيار يبدو مسكونا بهاجس الجاذبية التي يتمتع بها الاسلام اليوم في بعض الدوائر الغربية وخاصة الأكاديمية منها. فهو باعتباره أعلي سلطة دينية في الغرب تصله الارقام الدقيقة حول عدد الذين يتحولون الي الاسلام كما يرصد الاهتمام المتزايد بالاسلام في أقسام العلوم الانسانية كالسياسة والاجتماع والتاريخ ومقارنة الاديان والاقتصاد والقانون اضافة الي أقسام العلوم الاسلامية التي بدأت تطل برأسها في عديد الجامعات الغربية. انه يخاطب النخبة الاكاديمية الالمانية التي تعتبر تاريخيا أكثر النخب اهتماما بالاسلام وخاصة بشخصية النبي محمد ويخاطب من خلالها كل النخب الغربية: أروني ما الجديد الذي جاء به محمد .. حتي يلقي منكم كل هذه الحفاوة. وقد لا يكون النقد الذي وجهه للفيلسوف الالماني كانط المعروف عنه قربه من الاسلام بعيدا عن هذا المقصد.
5 اشارة أخري وردت في محاضرة البابا أهملت بسبب التركيز علي التهجم الفظ والغليظ علي شخصية الرسول صلي الله عليه وسلم. في معرض شرحه للعلاقة بين اليهودية والمسيحية وعلاقتهما والتقائهما بالفكر الاغريقي يقول البابا: في العهد القديم، بلغ المسار الذي بدأ عند النار مستوي آخر من النضج مع مرحلة التيه عندما اعتبر اله اسرائيل، اسرئيل التي كانت محرومة وقتها من أرضها وعبادتها، ربا للسموات والأرض .. ما يهمنا في هذا المقطع هو الجملة الاعتراضية: اسرائيل التي كانت محرومة وقتها من أرضها وعبادتها.. ليس الأمر مجرد مغازلة لليهود بل يدخل في تصور البابا لتصنيف القوي في العالم الذي يحاول أن يقنع به مستمعيه ومن خلالهم الغرب. تحالف مسيحي يهودي تقوده الكنيسة الكاثوليكية ضد الاسلام الذي يوصف الاعتماد علي العنف والارهاب (واضح في كلام البابا أنه لم يكن يتحدث عن فئة من المسلمين قد تكون متطرفة بل هو بتعرضه لرسول الاسلام صلي الله عليه وسلم يعني الدين ذاته) وخاصة دولتيه الكبيرتين المحتكتين بالغرب احتكاكا مباشرا: تركيا من خلال اصرارها علي الانظمام الي الاتحاد الأوروبي الذي يعتبره البابا بينيدكت ناديا مسيحيا لا يسمح بدخوله لدولة مسلمة ذات ثقل سكاني معتبر سيؤدي انضمامها الي الاتحاد الي الاستقرار النهائي للاسلام في القارة باعتباره أحد الأديان الأوروبية الكبري. وايران التي تسعي أيضا الي دخول النادي النووي ما سيؤدي ان تم بنجاح الي احداث تحول راديكالي في موازين القوي سيجعل من وجود دولة اسرائيل أمرا غير ذي قيمة كبري في موازين القوي الدولية والاقليمية.
البابا اذن ومن خلال دأبه علي أن تستعيد الكنيسة الكاثوليكية مكانتها في الفكر والسياسة الغربيين يعبر هنا عن استعداد مؤسسته لتقديم جملة من التنازلات الفكرية تؤهلها لبلوغ نقطة التقاء مع الفلسفة الحداثية كما حصل تاريخيا، بحسب محاضرته، بين المسيحية والفلسفة الاغريقية، وهو من خلال استدعاء تاريخ الحروب بين البيزنطيين والمسلمين يرشح كنيسته للعب دور المشارك ان لم يكن القائد لصراع الحضارات الذي تقوده اليوم الولايات المتحدة واسرائيل ويستهدف الاسلام سياسيا من خلال الاعتداء علي جغرافيته بالاحتلال ودينيا من خلال محاولة اعادة صياغته وتغيير مناهجه.
في ظل هذا الفهم للمسكوت عنه في محاضرة البابا تغدو مطالبة المسلمين له بالاعتذار رغم أهميتها السياسية غير ذات جدوي كبيرة فهذا ليس صحافيا مغمورا في دولة اسكندينافية هامشية. هذا حبر المسيحية الأعظم الذي امتنع أسلافه جيلا بعد جيل عن الاعتذار عن جرائم كبري ضد شعوب الارض وخاصة المسلمين منهم. رفضوا باصرار الاعتذار عن محاكم التفتيش وعن الحروب الصليبية فما أهمية الاعتذار عن سطرين في محاضرة؟
الاهم هو القراءة الصحيحة لما يحدث من تحولات كبري في السياسة الدولية واستدعاء التاريخ كما فعل البابا: المسلمون والعرب (مسلموهم ومسيحيوهم) خصوصا وهم مفرقون لا يساوون شيئا في ميزان السياسة. والمسلمون ومؤسستهم العلمائية مهمشة ومترهلة وتابعة للديكتاتورية لا حظ لهم في ميزان الدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.