رغم مطالبة قادة لمسلمي ألمانيا لدار الأوبرا في برلين باستمرار عرض مسرحية تسيء لعدة ديانات من بينها الإسلام، بادرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للتحذير من الاستسلام للخوف من عنف "المتشددين الإسلاميين"؛ وذلك بعد إلغاء العرض على خلفية "مخاوف أمنية" من أن تثير بعض المشاهد غضب المسلمين. وفي تصريحات لصحيفة "نويه برسه" الصادرة اليوم الأربعاء في مدينة هانوفر قالت ميركل: "يجب أن نكون حريصين على ألا ننسحب بسبب الخوف من متشددين يحتمل أن يمارسوا أعمال عنف.. الرقابة الذاتية النابعة من الخوف غير مقبولة". وكانت "كيرستين هارمس"، مديرة دار أوبرا "دويتشه أوبرا" أعلنت الإثنين 26-9-2006 إلغاء عرض أوبرا للموسيقار النمساوي موتسارت التي تحتوي على مشاهد لرؤوس مقطوعة لنبي الإسلام والمسيح وبوذا وبوسيدون إله البحر عند الإغريق، بعد تحذيرات من الشرطة بأنها قد تمثل خطرا أمنيا "كبيرا للغاية". وأثار قرار الإلغاء عاصفة احتجاج من جانب ساسة ألمان بارزين نددوا بالتخوف من إثارة مشاعر المسلمين، ومنهم: نوربرت لامرت رئيس البرلمان الألماني (بوندستاج)، وديتر فيفلشبوتس المتحدث باسم الهيئة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاشتراكي، إضافة إلى حاكم ولاية برلين. ال الحقيقية في موقف المستشارة الألمانية هي أن تصريحاتها تأتي في الوقت الذي طالب فيه بعض زعماء مسلمي ألمانيا خلال مؤتمر أقيم اليوم الأربعاء برعاية الحكومة لتشجيع الحوار مع المسلمين، وعدم إلغاء العرض المسرحي؛ وذلك عبر نداء مشترك مع وزراء ألمان شاركوا في المؤتمر. وأكد فولفجانج شويبليه -وزير الداخلية الألماني- في ختام المؤتمر أن نحو 30 سياسيا وممثلا عن الأقلية المسلمة وافقوا على استمرار عرض هذه الأوبرا باسم حرية الفن والتسامح. ومضي شويبليه يقول في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية: "نأمل أن يجري استئناف الأوبرا في أقرب وقت ممكن". وأوضح قائلاً: "نريد أن نرسل رسالة فحواها أننا نرغب في حضور مثل تلك الأوبرا معا (الألمان والمسلمون). أعتقد أن هذه هو "الطريق الأمثل لإنهاء أي جدل يثار، خاصة فيما يتعلق بالأقلية المسلمة العظيمة في ألمانيا". وفي السياق ذاته انتقد "كينان كولات"، رئيس مجلس الجالية التركية إلغاء العرض باعتباره "ضد حرية الفن". وقال كولات في تصريحات لصحيفة "نت تسايتونج": "أنصح جميع المسلمين بتقبل بعض الأمور.. فالموضوع لا يخرج عن إطار الفن. فهو ليس موقفا سياسيا يجب على المرء توجيه الانتقاد له.. فالفن يجب أن يكون حرا". كما أشار إلى أنه سيحاول التحدث إلى مديرة الأوبرا لحثها على الرجوع عن قرارها. في المقابل رحب بعض الساسة الألمان بإلغاء العرض؛ حيث اعتبر توماس فليرل، مفوض الشئون الثقافية ببرلين (من الحزب اليساري) أن "مديرة الأوبرا تصرفت من وازع المسئولية؛ استنادا إلى المعلومات التي وردت إليها من الأجهزة الأمنية". وأكد أن استمرارية الإلغاء هو شأن يخص إدارة الأوبرا. كما أيد إيرهارد كورتينج، مفوض الملف الأمني في برلين (من الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، قرار الإلغاء مشيرا إلى ضرورة أن يؤخذ في الحسبان احتمالية وقوع خطر ما. ويعيش في ألمانيا نحو 3.2 ملايين مسلم من إجمالي سكان البلاد البالغ نحو 82.4 مليون نسمة. ويرجع العرض الفني المثير للجدل إلى عام 1781 عندما عرض للمرة الأولى في ميونيخ. وتحكي المسرحية قصة ملك كريت الذي تهدده عاصفة قاسية في أعالي البحار وهو يشق طريق العودة إلى بلاده منتصرا في حرب طروادة؛ وهو ما يدفعه إلى النذر بأن يضحي بأول شخص يقابله على اليابسة إذا كتبت له النجاة قربانا لإله البحار "بوسايدون". ولدى عودته يكون ابنه أول شخص يقابله؛ فيحاول الملك التخلي عن نذره وإرسال ابنه إلى جزيرة نائية، لكن السفينة لم تتمكن من الإقلاع. وعندها يطلب أيدومينيو من إله البحر بديلا للنذر فيشترط الإله أن يتخلى الملك عن عرشه لابنه. وبقيت الرواية بهذه التفاصيل حتى عام 2003 عندما أدخل المخرج هانز نوينفيلس تعديلات على الحبكة بالانتقال بالنذر من إله البحر إلى الأديان الأخرى؛ حيث يُخرج الملك في نهاية العرض رؤوس إله البحر والمسيح وبوذا والرسول محمد من كيس مخضب بالدماء. وفي مواجهة الانتقاد الشديد من الجمهور حينها، حاول المخرج المعروف برغبته في إثارة الجماهير، تبرير تصوره الفني بأنه يعد ثورة من الناس (الملك) على حكم الآلهة (الأديان) في محاولة للتحرر من عبادتها.