تبقى الولاياتالمتحدة مركزاً عالمياً للتقدم التكنولوجي، وتتمتع بمناخ ممتاز لممارسة الأعمال وإدارة الأسواق على درجة عالية من الكفاءة. لكنها لم تعد كالسابق على قمة لائحة الاقتصادات الأكثر تنافسية، وهوت إلى المرتبة السادسة دفعة واحدة بسبب أخطار الاختلالات الضخمة التي يعانيها اقتصادها الكلي وتهدد تنافسيتها، خصوصاً المستويات المرتفعة من المديونية الداخلية والخارجية الناجمة عن تكرار عجوزات الموازنة المالية والعجز التجاري. ولم يكن تراجع موقع أميركا المفاجأة الوحيدة في «تقرير التنافسية الاقتصادية العالمية لسنة 2006»، الذي نشره المنتدى الاقتصادي العالمي، لكنها بالتأكيد الأكثر خطورة ولأسباب عدة، أهمها أن الإنفاق الاستهلاكي يساهم بحوالى 70 في المئة من الناتج المحلي الأميركي، جاعلاً من أميركا ليس أكبر سوق استهلاكية وحسب، بل قاطرة للاقتصاد العالمي. وبلغت القيمة الاسمية للناتج الأميركي زهاء 13.4 تريليون دولار في عام 2005، أي ما يزيد على 28 في المئة من الناتج العالمي. بيد أن أياً من الحجم والنفوذ لم يجد مكاناً في المقاييس التي اعتمدها «تقرير 2006» في تصنيف الاقتصادات، والتي مكنت سويسرا من اعتلاء قمة الهرم العالمي للمرة الأولى، وإن كانت انضمت إلى بلدان اعتادت في الغالب احتلال مواقع متقدمة هي على التوالي فنلندا في المرتبة الثانية، ثم السويد والدنمارك، وأخيراً سنغافورة في المرتبة الخامسة. وقفزت سويسرا إلى مرتبتها الجديدة من المرتبة الرابعة في «تقرير 2005» وكذلك الحال بالنسبة للسويد التي انتقلت إلى المرتبة الثالثة مخلفة وراءها المرتبة السابعة. وقال كبير الاقتصاديين مدير «شبكة التنافسية العالمية» التي أعدت التقرير أوغوسطو كلاروس، إن «المراكز المتقدمة التي تبوأتها سويسرا وبلدان الشمال تبين أن الاستراتيجية الناجحة القادرة على تعزيز تنافسية البلدان في اقتصاد عالمي متزايد التعقيد، تقوم على المؤسسات الجيدة والاقتصاد الكلي المدار بكفاءة والتحصيل العلمي ذي المستوى العالمي والتركيز على التكنولوجيا والابتكار». وطبقاً للتقرير تأهلت سويسرا لمكان الصدارة بفضل «مناخ مؤسساتي قويم وبنى تحتية ممتازة وأسواق كفوءة، وقدرات عالية للابتكار التكنولوجي، ومقومات متطورة للبحث العلمي وشركات تنفق بسخاء على نشاط البحث والتطوير، وقوانين قوية لحماية الملكية الفكرية ومؤسسات عامة تتمتع بالشفافية والاستقرار»، بينما استفادت بلدان الشمال من مؤسساتها التي تعتبر الأفضل على المستوى العالمي، إضافة إلى فوائض مالية مستقرة ومستويات من المديونية منخفضة مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى. وقفزت اليابان ثلاث مراتب لتستقر في المرتبة السابعة في «تقرير 2006»، هولندا مرتبتين إلى التاسعة. إلا أن ألمانيا تراجعت مترتبتين إلى الثامنة وكذلك بريطانيا التي تراجعت مرتبة واحدة إلى العاشرة. وتأثرت تنافسية بريطانيا وألمانيا بمتاعب الاقتصاد الكلي لا سيما العجوزات المالية والديون المترتبة في شكل رئيس على ارتفاع أسعار صرف العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) والجنيه الإسترليني في العام الماضي. الدول العربية واستمرت الدول الخليجية بتقديم أداء جيد في لائحة التنافسية العالمية إذ احتفظت الإمارات، على سبيل المثال، بالمرتبة 32 وارتقت قطر 8 مراتب إلى المرتبة 38 وكذلك قفزت الكويت 5 مراتب إلى المرتبة 44 وطرأ تحسن طفيف على تنافسية البحرين التي تقدمت إلى المرتبة 49. ولاحظ التقرير أن مكاسب أسعار النفط رفعت معدلات النمو وعززت ثقة مناخ الأعمال الناجمة أصلاً عن تحديث المؤسسات وزيادة كفاءة إدارة الاقتصاد الكلي، لكنه لفت في المقابل إلى أن «توافر التمويل الحكومي لم يترجم، أقله حتى الآن، إلى تحسن في رأس المال البشري الذي من شأنه أن يلعب دوراً مهماً في مساعدة هذه الاقتصادات، التي هي شديدة الاعتماد على النفط وبالتالي، عرضة للصدمات الخارجية، على تنويع قواعد اقتصاداتها». و وساعد إصلاح المؤسسات على تحسين موقعي المغرب (70) والجزائر (76). لكن مصر تراجعت 9 مراتب وجاء موقعها الجديد في المرتبة ال63 بسبب تفاقم الوضع المالي للحكومة والديون وتعثر في مجالات التعليم العالي والتدريب والابتكار. وكان تقرير خاص أصدره المنتدى الاقتصادي العام الماضي منح قطر المرتبة الأولى في لائحة التنافسية العربية ثم على التوالي الإمارات والبحرين وعمان والأردن وتونس والسعودية والمغرب ومصر والجزائر ولبنان واليمن.