تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ راشد الغنوشي في ندوة دار الأهرام :‏ نحن دعاة توافق‏
نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 07 - 2012

أدار الندوة‏:‏ صلاح النقيب كتب ورقة الحوار‏:‏ محمد مطر أعدتها للنشر‏:‏ أسماء الحسيني
الشيخ راشد الغنوشي سياسي ومفكر إسلامي تونسي‏,‏ زعيم حزب النهضة التونسية ونائب رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين‏, خاض معركة نضال طويلة ضد الحكم الديكتاتوري للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي,
وحوكم وسجن مرات عديدة ثم نفي خارج بلاده, التي عاد إليها مؤخرا بعد نجاح الثورة بعد21 عاما.وهو مفكر وكاتب طرح منذ وقت مبكر العديد من الأفكار والرؤي والأطروحات التي تميزت بالجرأة والعقلانية والتسامح والتصالح والإنفتاح علي الآخر..الغنوشي لبي دعوة الأهرام خلال زيارته الأخيرة السريعة للقاهرة, وجلس يحاور صحفييها وكتابها لأكثر من ثلاث ساعات, لم تغادره خلالها إبتسامته أو إنصاته العميق لمحاوريه, وتحدث بقدر كبير من الصراحة, ورد بهدوء وود وغير تكلف أو تعقيد علي هواجس دفينة وتساؤلات حيري, ورسالته الرئيسية للأطراف جميعا في مصر هي التوافق والمصالحة... وقد بدا متصالحا مع نفسه متقبلا للاختلاف في الرأي, سعيدا بوجوده في القاهرة وبانتصار ثورات الربيع العربي.
في بداية الندوة تحدث الشيخ راشد الغنوشي المفكر الإسلامي وزعيم حزب النهضة التونسي:, فقال أجدني مفعما بالمشاعر في الأهرام القلعة الإعلامية والفكرية التي كان لها الاثر الكبير في مصر والمنطقة, بما تحويه من قامات فكرية عالية, ويزيد هذه اللحظة التاريخية أهمية ما تمر به مصر من تطورات نوعية, لم أستطع أن أتحمل أن أكون خارج مصر هذه الأيام لأهمية التطورات الكبيرة, ولم أحب أن أحرم نفسي من أكون مع الشعب المصري في الإحتفال بإجتياز العقبات, وخروجه سالما منصورا, فقد مرت الثورة في مصر بإمتحان عسير, كاد يلقي بها في المجهول, ومصر لها أهمية خاصة بالنسبة لنا, فكل ما تصيبه من خير ينعكس علي المنطقة كلها بالخير, ولذلك فالأحداث التي تمر بمصر ليست خاصة بها وحدها, وهذا شرف لمصر ومسئولية عليها في نفس الوقت, صحيح أن الثورة انطلقت في تونس أولا, ولكنها لم تكن لتطمئن علي نفسها تأمن إلا بعد اندلاع الثورة المصرية, لتكونا معا حريقا كبيرا في المنطقة ضد الفساد والديكتاتورية.
جئت إلي مصر لأحتفل, وأعتبر القسم الذي أداه الرئيس محمد مرسي في ميدان التحرير حدثا عظيما, فلأول مرة في تاريخ مصر والمنطقة يتولي زعيم السلطة من الميدان, ويؤدي القسم مؤكدا أنه يستمد سلطته من الميدان, وهو حدث غير مسبوق في المنطقة تستحقه مصر بتاريخها ومكانتها. وقد كنت أتابع الوضع في مصر, وأري أن العداد يسير بسرعة بإتجاه التغيير, وكنت أتوقع أن تنطلق الثورة في مصر أولا, ثم تتبعها تونس, ولكن حدث العكس, وقيام الثورة في القطر الأصغر أسهل
لأهرام: هل تعتقد أن الثورة المصرية عبرت المخاطر المحدقة بها ؟
إن الثورة المصرية كانت تواجه خطر العودة للديكتاتورية أو الثورة المضادة, ولو أن الأحداث سارت في طريق آخر كانت مصر ستدخل في حالة إرتباك شديد أو فوضي, لأن شباب مصر لم يكونوا ليرضوا بعودة رموز العهد القديم, وقد ذهبنا في تونس نحتفل بنتائج الإنتخابات الرئاسية, ونحن نشعر أنها لحظة تاريخية تتعلق بنا. وقد كان الوضع عندنا في تونس مختلفا, فلا مجال في تونس للمنافسة بين قوي الثورة ورموز العهد البائد, ونحن دعاة توافق, والثورة تحتاج لعقلية التوافق, لكن التوافق يجب أن يكون مع دعاة الثورة, وليس مع رموز النظام القديم الذين منعوا بلدنا أن تتطور في وجودهم, ولو قارنا أوضاعنا مع الوضع التركي, نجد أنه رغم حكم العسكر في تركيا فإنهم سمحوا بوجود مجتمع مدني قوي وتعددية سمحت للحركة الإسلامية في النهاية بالوصول إلي السلطة, أما العسكر في مجتمعاتنا فلم يتركوا لمجتمعاتنا فرصة للتطور في إطار ديمقراطي, بل وفرضوا علي بعض مواطنيهم إمتشاق السلاح, إلي أن هدي الله الشعوب إلي اسلوب آخر أو طريق ثالث وهو طريق الثورة السلمية, وكان الجدل دائرا في مجتمعاتنا بين المصلحين ودعاة العمل المسلح, ولذلك فإن الذين منعوا مجتمعاتنا من التطور ليسوا ولا ينبغي أن يكونوا جديرين بالمنافسة مع أنصار الثورة, صحيح أنه تم حل أكثر من حزب في تركيا, لكنه كان يتم حل الحزب, وفي اليوم التالي ينشأ حزب آخر في نفس المكان, أما عندنا فعندما يحظر حزب فإن تكاليف ذلك لم تكن هينة.
إن العدالة الإنتقالية تفسح المجال أمام قوي الثورة لكي تعيد بناء الدولة, ولا يحتكر ذلك حزب أو جماعة, والحساب أو العقاب الجماعي ممنوع, لكن لابد أن ينال كل فرد نصيبه علي ما اقترفت يداه من فساد, وقد اسسنا في تونس مجلس تاسيسي لم يشارك فيه الحزب المنحل, ولايضم إلا القوي الثورية إسلامية ويسارية وقومية, واليوم هناك مشروع قانون جديد قدمه حزب الرئيس المنصف المرزوقي للمجلس التاسيسي من أجل حظر القوي المعادية للثورة وحزب التجمع الدستوري المنحل من المشاركة في الإنتخابات القادمة لحماية الثورة, ومن حق الثورة حماية نفسها من قوي الثورة المضادة, وهذا يلزم قوي الثورة بأن تسود بينها روح النعاون, وأن تنتفي روح الإستئثار والإحتكار والإنفراد.
الأهرام: لكن البعض يخشي أن تحتكر القوي الإسلامية المشهد السياسي المصري والعربي ؟
الإسلاميون بدوا القوة الرئيسية في المشهد, وهذا أمر طبيعي, فقد كانوا خلال الخمسين عاما الماضية الأكثر تعرضا للإضطهاد,وهم العناصر الأكثر إستعداد للتضحية, والثورات العربية تعود بمجتمعاتنا لأصولها, والشعب المصري متدين بطبيعته منذ آلاف السنين, لذا فإن التيار الإسلامي بأجنحته المختلفة هو الأكثر تعبيرا عن المخزون الحضاري للأمة, ومع ذلك فإن هذا لايعطيه مشروعية احتكار المشهد والإعتماد علي أنه الأغلبية, وأنه يحق له تبعا لذلك إعطاء نفسه مشروعية الإنفراد بالسلطة, ورغم أن الديمقراطية تمنح السلطة لمن يحوز50%+1 من الأصوات في الإنتخابات, إلا أن هناك حاجة أكبر لتوسيع القوي المشاركة في الثورة من أجل الدفاع عنها, فلا تكفي أو يمكن معارضة الديكتاتورية بمشاريع متباينة, وذلك حتي تطمئن كل الأطراف لإقامة نظام ديمقراطي تعددي لايقصي أحدا ويحقق المساواة في العلاقة بين الجنسين وفقا لمدونة الأحوال الشخصية التي صدر في بداية الإستقلال, بإعتبارها مكسبا وطنيا ينبغي الإتفاق عليها, كما تم الإتفاق علي الثقافة العربية والإسلامية ومباديء حقوق الإنسان, ولم نجد صعوبة في الإتفاق مع حزبين كبيرين, لنا معهم علاقة منذ أيام المعارضة, ولم نضيع وقتا, فكانت هناك أرضية ثقافية متوافرة, وقدرنا ألا نعتمد مع شركائنا نظام المحاصصة, وفقا للنسب التي حصلنا عليها في الإنتخابات, وقمنا بإقتسام الرئاسات الثلاثة, وكان يمكن لحزبنا النهضة جمع أكثر من رئاسة لكننا لم نفعل, وكذلك حدث نوع من التقاسم الكريم في كل المناصب والوزارات.
الأهرام: هل تعتقد أن الصراع في تونس قد حسم... وهل هناك تشابه بين التجربتين المصرية والتونسية ؟
أعتقد أن الحكم الإئتلافي أصعب أنواع الحكم, لأنه يكون له أكثر من رأس, والسلطة كما الإنسان تحتاج إلي تواءم, ولكن الأمور تسير حتي الآن بنوع من التوافق, في ظل بلد محكوم ب3 أحزاب, وبدت تلك الصيغة مقبولة علي المستوي الدولي, ونفت عن الإسلاميين تهمة الإستحواذ, ومثل عامل اطمئنان للأقليات الفكرية والأيدولوجية, وهذا الشكل منع الإستقطاب الأيدولوجي, وقد اختار أحد الأحزاب القديمة أن يدخل معارضا النهضة, بإعتباره مشروعا حداثيا يقوده الآخر الأصولي, وكنا في النهضة نري خطر هذا الإستقطاب الأيدولوجي, ونري أن الإستقطاب ليس كما يراه البعض علمانيا إسلاميا, بل نراه بين قوي الثورة والقوي المضادة لها.
وإنتصار الثورة في تونس لايعني أن الصراع انتهي, فهو صراع متعدد بين القوي الحاكمة وحزب التجمع المنحل, الذي اتخذ أسماء جديدة تندد بالإقصاء, وكل مشروع ضد القوي المضادة للثورة يصنف بأنه إقصائي, ولعل شيء من ذلك وقع في مصر, فهناك تشابه كبير بين البلدين, فطبيعتهما مدينية, وهناك تشابه كبير بينهما منذ القرن ال19, وقد شهدتا قيام حركات إصلاحية, وبهما ميل نحو العمل السلمي وليس العنيف, والحركات الإسلامية في البلدين تتشابهان كذلك في ميلهما للوسطية وعدم الميل للدعوة العنف. وقد تولي جيش مصر الحكم لأكثر من50 عاما, بينما جيش تونس لاصلة له بالعمل السياسي. وهناك تشابه أيضا في المشكلة الإقتصادية بين البلدية, وهناك نسبة بطالة في كليهما, وليس هناك تقاليد راسخة في البلدين في إدارة التعددية.
الأهرام البعض يري أن الإحتقانات والتظاهرات المتصاعدة في تونس تهدد إستقرار الأوضاع وتجعل ثورتها في خطر ؟
النظام التونسي السابق كان قائما علي الخوف, وبسقوطه سقطت الدولة البوليسية, فسادت الفترة الإنتقالية بعد ذلك الإضرابات والإعتصامات وقطع الطرق, وزاردت المشكلات الإجتماعية والبطالة, وهو الأمر الذي تستغله بعض الأطراف للدفع نحو الفوضي, وستنتهي الفترة الإنتقالية الحالية خلال عام يقر خلاله الدستور,وبعدها تجري إنتخابات برلمانية ورئاسية, وليس هناك إتفاق بعد حول شكل الحكم المقبل إن كان سيكون رئاسيا أم برلمانيا.... لم تنقطع المظاهرات في تونس, والأوضاع الإقتصادية صعبة, وتوقعات الناس أصبحت كبيرة, وقد نفذ صبرهم, ولم تحقق السنة الأخيرة شيئا للناس في معاشهم, بل وازداد حجم البطالة من نصف مليون عاطل إلي800 ألف عاطل, كما ارتفعت الأسعار, بسبب الإعتصامات والإضرابات, وأيضا بسبب البضائع التي يتم تصديرها بشكل فوضوي لليبيا... في الواقع لدينا جرحي الثورة, وجرحي الإنتخابات, وجرحي الإنتخابات ينتقمون من الفائزين من خلال إثارة الأوضاع الإقتصادية, لكن هذا جزء فقط من المشهد العام, الذي يتميز بالإستقرار, ولن يصل الأمر إلي مستوي تهديد الأمن العام في البلد, والثورة قامت ضد الأمن الذي يعذب ويعتقل ويرتشي, وهناك نقمة شديدة عليه, والآن تحتاجه لتحقيق الأمن, والبلد يحتاج مشروعا كبيرا لإصلاح الأمن, وحكومة الباجي لم تحاسب أحدا, ومن المفترض أن تقوم الحكومة الجديدة بفتح ملف العدالة الإنتقالية, بعيدا عن الإنتقام, ونحن الآن في طور التحضير لذلك.
الأهرام: كيف تنظر للإنقسامات داخل الإسلاميين.. وكيف سيتسامحون مع من هم خارجهم وهم لايتسامحون مع بعضهم بعضا عند الإختلاف ؟
في الغرب تشكلت ثقافة ومؤسسات جعلت الحكم ديمقراطيا, وكوني أتسامح مع الآخرين هناك لايتعلق بشخصي, بل بوجود مؤسسات تحرم العدوان وتوقف المعتدي عند حده, وحرية الإختلاف سمح الله بها بين البشر.
الأهرام هل من المفترض أن يفرض الإسلاميون عند وصولهم للحكم الحجاب علي النساء أو يحرموا أمورا أخري ؟
مهمة الدولة توفير الأمن لمواطنيها, وليس حملهم علي نمط معين من الحياة, ولايجب أن يفرض علي النساء نمط محدد في معيشتهن أو لباسهن, ولو ذهبت الآن إلي شواطيء تونس ستجدها لم تتغير عن ذي قبل, فما زالت أنماط الأزياء التي ترتديها النساء علي الشواطيء موجودة كما هي, وربما جد عليها جديد. والقانون الآن لابد أن ينطبق علي الجميع, وكل من يعتدي علي الآخرين لابد أن يعاقب, وليس لأحد فرض أو منع لباس أو طعام أو شراب عن الآخرين.
الأهرام: هل اتصلت الحركات الإسلامية بالغرب للتفاهم معه أثناء اندلاع الثورات العربية ؟
هل المقصود أن الحركات الإسلامية وقعت عقودا مع الغرب... هذا إتهام خطير, يظهر الثورات العربية وكأنها مؤامرة علي الحكم, وليست مبادرات من شعوبنا... وهذا غير صحيح, فلا أحد يشك أن حسني مبارك كان قطعة ثمينة للغرب وكنز إستراتيجي لإسرائيل كما عبرت قياداتها, وكذلك كان الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي, ونحن نتابع ماتنشره الصحافة الإسرائيلية عن هذه الثورات, وماتتحسب له من أخطار, ولم أعلم أن أي حركة إسلامية في مصر أو تونس وقعت إتفاقا مع قوة أجنبية, لكن ما أنا متيقن منه أن هذه الثورات هي مبادرات من شعوبنا,وأن القوي الغربية بدأت تبحث عن مصالحها مع الحكام الجدد, الذين هم ليسوا عدميين أثوريين بالقدر الذي سيدفعهم ليشنوا حربا علي الغرب, لأنهم ثاروا من أجل إصلاح أوضاعهم الداخلية, وأبدوا استعدادهم للتعاون مع العالم كله علي قدم المساواة.
الأهرام: وهل تتطور الحركات الإسلامية ؟
الحركات الإسلامية لاتعيش في فراغ, ففي الخمسينات والستينات نشأ فكر التطرف والتكفير في صفوف الإسلاميين في السجون تحت سياط التعذيب, وتلك المجموعات المتطرفة التي قامت بالأعمال المسلحة والتخريب, وبعد30 عاما رأينا الإسلاميين في مجلس الشعب.
الأهرام وكيف تتعاملون في تونس مع المجموعات السلفية ؟
عندنا في تونس بعض مجموعات من الشباب المتطرف, ونحن نحاول أن نغريهم بالعمل في الإطار السياسي والمشاركة في الإنتخابات, والديمقراطية ليست آلية سياسية فقط, بل ايضا عملية تربوية يجب ان يستدرج أعداؤها لحماها, وفي السياسة كل شيء نسبي, وموازنة بين المصالح والمفاسد, أما عند المتطرف فليس هناك إلا المتناقضات الخير والشر والحق والباطل والنور والظلام,وبمجرد الاختلاط بالعمل السياسي نجد أن كل ماهو متصور لايمكن أن يتحول إلي واقع... و هناك لاشك تطور في الظاهرة الإسلامية, وربما بل المؤكد أن ظواهر التطرف في الحركة الإسلامية وربما أيضا قبلها في الحركة اليسارية هي رد فعل علي التطرف في داخل السلطات الحاكمة,والآن وقد زالت الديكتاتوريات, ومن المنتظر أن يتوازن مجتمعنا, وينتج ظواهر إيجابية في مناخات صحية, عكس الظواهر المنحرفة والمعوجة التي ظهرت من قبل, فالآن لم يعد هناك قمع للحريات ولاسجون ولامعتقلات لتنتج متطرفين, والآن الحقوق متاحة للتعبير والتظاهر وتكوين الأحزاب, وهذا سيجعل مجتمعاتنا أكثر توازن, وأسباب التشدد ستزول, وبالتالي إذا بقيت مجموعات صغيرة متطرفة, فستكون مماثلة لما في كل المجتمعات, ولكنها لاتمثل الجسم الكلي الصحي الذي يعمل في إطار القانون, والتاريخ الإسلامي عرف الزنادقة والخوارج بعد إنحراف الحكم الإسلامي من خلافة راشدة إلي ملك عضود, والتصوف كان أيضا رد فعل, ولكن عندما تعتدل المجتمعات ستنشأ ظواهر صحية, وأهم خاسر في الثورات العربية هو تنظيم القاعدة, الذي كان يعيب مشاركة إسلاميين في أنظمة حكم فاسدة وظالمة, ويدعونهم للتغيير بالقوة كما تفعل, وهو الأمر الذي أدي لإحتلال أكثر من قطر عربي وإسلامي, في العراق والصومال وأفغانستان, حتي جاءت الثورات العربية وفتحت طريقا ثالثا, وهذاالطريق غير خلال سنة واحدة أكثر من نظام عربي, وهناك أنظمة أخري في الطريق, وفرض منهج التغيير السلمي, وقد أصبح له نتائج فعلية, و سيصبح له مزيدا من الأنصار.
الأهرام: هل ثورات الربيع العربي نهاية لمشروع الشرق الأوسط الجديد ؟
التخوفات في الكيان الصهيوني كبيرة, وهناك زمن جديد دخل المنطقة, وزمن التطبيع انتهي.
الأهرام هل تؤثر قضية تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد القذافي للسلطات الليبية علي الوضع بين الإئتلاف الحاكم في تونس, ولماذا وافقت النهضة علي تسليمه رغم معارضة الرئيس المنصف المرزوقي والخطر علي حياته ؟
البغدادي المحمودي صدر حكم قضائي بتسليمه, وقد طبقته الحكومة, لأنه تربطنا بليبيا إتفاقية تبادل المجرمين, ولانستطيع أن ندافع عن هذا الحق في تونس ونمنعه عن أشقائنا في ليبيا, والإختلاف بين الرئاسة والحكومة ليس علي المبدأ, بل علي التوقيت, فالرئيس يريد أن ينتظر حتي تعبر ليبيا الوضع الإنتقالي وتجري الإنتخابات وتقوم حكومة مستقرة,أما الحكومة فلم تجد مبررا لتأجيل التسليم, والبغدادي علي أي حال ليس محبوبا في ليبيا.
الأهرام: كيف تنظر للإنتقادات الكبيرة التي تواجه لتجارب الحكم الإسلامي في السودان والصومال وأفغانستان وغيرها ؟
التجارب الإسلامية في السودان والصومال وأفغانستان وغيرها, تعبر عن مستوي الثقافة والوعي في تلك المجتمعات,ولن يطبق المشروع الإسلامي بنفس المستوي علي كل الدول, وهو أمر مرتبط بمستوي التعليم ومستوي النضج
الأهرام: ماهو مفهومك للشريعة التي يريد الإسلاميون تطبيقها في دولنا ؟
ليس في الإسلام كنيسة تملي, ولما طرح مفهوم تطبيق الشريعة في مجتمعاتنا, قلت أنه ليس هناك نموذج كامل ينتظر التطبيق, فهي ليست مجرد عقوبات مستمدة من الفقه الإسلامي,وهي أيضا لم تغادر مجتمعاتنا, كما أنها تتنزل حسب الزمان والمكان, فليس لها صورة واحدة صالحة لكل زمان ومكان, وقد غير الإمام الشافعي فقهه حينما انتقل من العراق إلي مصر.
الأهرام: كيف تنظر لتطورات الثورة السورية ؟
الثورة السورية ثورة حقيقية, وصل عدد ضحاياها حتي الآن إلي عشرة آلاف, وإذا لم تكن هذه ثورة, فكيف تكون الثورات إذن, فالشعب السوري مصمم علي نيل حريته وإنتزاعها من بين فكي الأسد, ورغم ذلك مازالت هناك قوي حتي الآن مثل روسيا والصين وإيران تراهن علي الجواد الخاسر, الذي لامحالة سيسقط, وعليها أن تراهن علي الشعب السوري الذي سيبقي.
الأهرام: زرت مصر مؤخرا بماذا نصحت الإسلاميين ؟
حضرت خطاب مرسي في ميدان التحرير وكان عظيما, وقد شهدت مصر ولادة زعيم, ولو طبق ماجاء في خطابه لكان كافيا, هو خطاب أكد زعامته, ويعيد مصر إلي زعامة المنطقة, لم يتحدث بإعتباره زعيما إخوانيا, بل رئيس لمصر, ونسأل الله أن يوفقه للخير,لأن مصير المنطقة مرتبط بمصير مصر, ولم ألتق مرسي بعد أن أصبح رئيس بسبب مشغولياته, لكنني تحدثت معه هاتفيا, وفي زياراتي التقيت بقيادات الإخوان والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور سليم العوا وحمدين صباحي, وكنت أحاول أن أنقل لهم تجربة تونس في التوافق.... وأعتقد أن المعادلة المصرية أكثر تعقيدا, وهذا يفرض علي مصر أن يحكمها عقل أكثر تركيبا, يطرح حلولا مركبة تستوعب كل أطراف المعادلة, وأهمها تقديم نموذج قادر علي إستيعاب القوي السياسية بكل أشكالها, وإقامة تنمية حقيقية لاتجعل الثروة حكرا علي فئة معينة, بينما الملايين يعيشون في المقابر والعشوائيات, فسكان هذه المناطق لو استمرت أوضاعهم كما هي سيكونون مشروعا لثورة أخري لاتبقي ولاتذر, وقد تنسف كل الأوضاع, فالثورات العربية عليها إستيعاب هوامش الحداثة, ومعظم شعوبنا همشتها الحداثة, والنخبة لاتتجاوز10%, والسلطة والثروة ينبغي أن يعاد توزيعها.
الأهرام:هل تضررت تونس من قضية تهريب الأسلحة الليبية مثل باقي دول المنطقة ؟
تهريب السلاح من ليبيا هو تحدي آخر نواجهه, وهو خطر علي المنطقة كلها, ونأمل أن تفرز الإنتخابات في ليبيا وضع أكثر إستقرارا, ونأمل أن تكون النخبة الليبية قادرة علي جمع الليبيين جميعا وتحقيق الوفاق بين جميع القوي سواء كانت سياسية أم قبلية
الأهرام: هل يمكن أن تفشل ثورات الربيع العربي.. ؟
لاسبيل للفشل أمام ثورات الربيع العربي, وإلا أصبحنا أمة الفرص الضائعة, فهذه فرصة يجب ألا تضيعها الدول العربية من أجل دخول التاريخ مجددا, ويجب إلتقاط الخيط الذي وضعه القدر بين ايدينا لنحول الثورة إلي ثروة حقيقية وإلي نهوض حقيقي, وتحقيق المشاريع التي فشلت في أمتنا, ومشاريع توحيد شعوبنا, وتحويل منطقتنا إلي فضاء حضاري بمشاريع وحدوية سياسية وإقتصادية وثقافية ودفاع مشترك, وقد كانت الأنظمة السابقة في بلادنا تري الخطر عليها من شعوبها وليس من الخارج, كمايجب تفعيل منظمات الجامعة العربية المعطلة.
- خلال الأيام المقبلة ينعقد المؤتمر التاسع لحزب النهضة, كيف تري أهميتة فيما يري البعض ضعف المشاركة في انتخابات تلك المؤتمرات؟
المؤتمر المقبل سينعقد مابين51,21 من الشهر الجاري في تونس, سيكون محل استقطاب سياسي مهم بل هو أهم محطة سياسية بين انتخابات اكتوبر الماضي والانتخابات الرئاسية والبرلمانية في يونيو3102, والمؤتمر سيعد الاختيارات السياسية والبدائل التي تقترحها المرحلة السياسية الجديدة وذلك بعد استكمال كل المراحل المحلية والجهوية( الأقاليم) الخاصة بمنخرط الحركة, وأعتقد أن القاعدة السابقة للحركة في عهد النظام السابق كانت معبأة نضاليا وذات وعي سياسي أم اهتمامات المنخرطين تغيرت بعد الثورة وأصبح قسم كبير من القاعدة الانتخابية لايهتم كثيرا بالمؤتمرات السياسية,لذلك تبدو للبعض نسب المشاركة ضعيفة ونحن نترجم الارقام الحقيقيةوهذا يدل علي شفافية العملية الانتخابية, وأن زمن001% قد ولي ولم يعد من الممكن القبول بمثل هذه الارقام ونحن سنعمل خلال المؤتمر علي جعل الحركةحزباوطنيا جامعا ومفتوحا علي كل التونسيين.
-أعيد النشر على الوسط التونسية بتاريخ 8 جويلية 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.